آخر الأخبارثقافة وأدب

ملعقة الذهب وعيد البلح

في “مقام الفواكه” كنت في طفولتي أضع “البلح” ، الأحمر والقادم من “دير البلح” في مكانة “الميدالية البرونزية” لأنه يأتي بالقطع بعد الجوافة والعنب والسانتا روزا بل وحتى بعد البطيخ والشمام :

المهم هنا أنني لم أكن يومها أملك حتى ترف التبجح والإدعاء بأنني من عائلة غنية وذات مال يذكر لا في غزة التي لجأنا لها عام 1948 ولا في مسقط رأسي المجدل التي تم تهجيرنا منها عام النكبة حيث كان أبي هناك موظفا عاديا حصل قبلها على الشهادة الإعدادية التي كانت يوما ذات شأن عظيم . كان كثر من الفلسطينيين الذين مات مجايلوهم وتغربوا عن من يعرفهم يتحدثون عن غنى ومال وجاه عاشوه قبل النكبة ، حتى أنني تساءلت في تلك الأيام : هل لو كانوا فقراء قبل النكبة يلزم أن لا يحبوا فلسطين ؟

معادلة فيها جانب كوميدي خصوصا أنني لا أعتقد أن فلسطين أحسن من غيرها من البلدان فهي لا تمتلك فواكه كاليفورنيا ولا نفط بلدان الخليج وأنا كنت أحب من الفواكه حتى “الميدالية البرونزية” ، أقصد البلح الذي كان يأتي من دير البلح .

وما دمنا في مقام البلح أستهجن أن يرتعش أحدهم خجلا من كونه فقيرا قليل المال أو حتى عديم المال بل إنني أعرف عددا لا يحصى من البلهاء والساقطين وأصحاب العقول الفارغة يمتلكون مالا يطفح فوق مخيلاتهم وقدرتها على التحمل ، وأنا هنا لا أمجد الفقر الذي أكرهه بالتأكيد لكنني لا أنفيه ولا أخجل منه ولا أعتبره عارا أخفيه عن أحد : في قبرص سألني صديق لماذا لا أملك مالا ورصيدا فيما يكدس فلان مبلغ كذا ويمتلك علان مبلغ كذا ؟ قلت له ببساطة : كان راتبي أعلي راتب في جزيرة قبرص ولم أمتلك المال ، فهل لك أن تسأل الذين كدسوا المال من أين أتوا به ؟

هي ثرثرة تداعت في ذهني بسبب البلح .. البلح الذي كنت حين أراه في بيتنا أعرف أن أمي العظيمة لطيفة لا تمتلك ترف الحصول على فواكه الميدالية الذهبية أو حتى الفضية وغادرت عالمنا وتركت لي صورتها ، صورة أجمل الأمهات .

راسم المدهون.. كاتب فلسطيني.. سورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى