ملف إعمار غزة يستنفر أجهزة السلطة الفلسطينية.. لماذا تضغط فتح للسيطرة على الأموال المخصصة للقطاع؟

على مدار الأسابيع الثلاثة الأخيرة، سعت السلطة الفلسطينية بكل ثقلها السياسي المتمثل بالحكومة، ومنظمة التحرير، وحركة فتح، للضغط على الأطراف الإقليمية والدولية لتكون البوابة الوحيدة التي يتم من خلالها تمثيل الطرف الفلسطيني للإدارة والإشراف المباشر على ملف إعمار غزة، من خلال مرور أموال الدول المانحة عبر ميزانيتها.

وبدا لافتاً أن رئيس الوزراء محمد اشتية يقود جولة خليجية شملت الكويت وقطر وسلطنة عُمان لإقناعها بإرسال مساعداتها للسلطة الفلسطينية، بالتوازي مع زيارة وزير خارجيته رياض المالكي للعراق للتأكيد على ذات الطلب، فيما زار وفد حكومي فلسطيني مصر لمعرفة الموقف المصري من إدارة السلطة لملف إعمار غزة.

سياسياً تُدرك السلطة أن معركة “سيف القدس” الأخيرة ستعيد رسم خارطة التحالفات في المنطقة، وستقوّي من موقف حماس، التي ترفض أن تكون السلطة ممثلاً وحيداً لإدارة ملف إعمار غزة.

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة المنتخبة إسماعيل هنية 2006/ وفا
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة المنتخبة إسماعيل هنية 2006/ وفا

مصدر فلسطيني شارك في لقاءات القاهرة الأخيرة مع المخابرات المصرية قال لـ”عربي بوست” إن “أبو عمرو حمل رسالة للقاهرة ترفض مقترح المخابرات المصرية لتشكيل لجنة فلسطينية متعددة الأطراف مسؤولة عن إدارة ملف إعمار غزة، تضم بجانب السلطة ممثلين عن وزارة الاقتصاد، والأشغال، في حكومة حماس في غزة، وممثلين للقطاع الخاص، ومنظمات حقوقية ورقابية، وإشراف مصري مباشر في هذه اللجنة”.

وأضاف المتحدث أن “السلطة الفلسطينية قدمت مقترحاً موازياً حمله أبو عمرو للقاهرة، يقوم على تشكيل لجنة تضم الحكومة الفلسطينية في رام الله، والمجلس الاقتصادي للتنمية والإعمار بكدار، وممثلين عن فصائل منظمة التحرير، لتكون لجنة مستقلة تشرف وتدير أموال إعادة إعمار غزة، لكن حماس والجهاد الإسلامي واتحاد المقاولين رفضوا هذا المقترح”.

تشبث السلطة بإعمار غزة

تدرك السلطة الفلسطينية أن إبعادها عن ملف إعمار غزة سيُؤسس لمرحلة جديدة قد تفقد من خلالها ثقة المجتمع الدولي والدول المانحة، بعد أن بات توجهها في السنوات الأخيرة يتبنى الرؤية القطرية والأمريكية القائمة على مبدأ تحويل الأموال المخصصة للمشاريع لجهات وهيئات تتبع لها، وتنفذ بشكل مباشر هذه التعاقدات كاللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة التي افتتحت مؤخراً مقراً خاصاً بها في غزة، والوكالة الأمريكية للتنمية (USIAD).

سمير عبد الله، وزير العمل السابق، وكبير باحثي معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني- ماس قال لـ”عربي بوست” إن “السلطة تخشى أن تعود إلى الوضع الذي تلا اتفاق أوسلو، من خلال قيام الدول المانحة بتنفيذ تعاقداتها بشكل مباشر لتنمية الاقتصاد الفلسطيني، وإعادة إعمار ما دمرته الحروب الإسرائيلية، دون المرور بها، لأنها ستفقد بذلك جزءاً من شرعيتها في تمثيل الكل الفلسطيني، وسيضع شكوكاً حول قدرتها على الوصول إلى اتفاق سياسي في المستقبل بشأن الوصول إلى دولة مستقلة تستطيع إدارة الشأن العام”.

وأضاف المتحدث أن “سلام فياض رئيس الحكومة بين 2007-2013 سعى لضبط أموال المانحين عبر إقناع الدول المانحة بضرورة مرور أموال التنمية والتطوير عبر خزينة السلطة، لكن الجديد في هذه الحرب هو خروج أصوات من غزة تتهم السلطة بأنها لا تتمتع بالشفافية والنزاهة الكاملة، ووصلت هذه الأصوات لدول الخليج وأوروبا، الذين سيعيدون النظر في مسألة تحويل أموال الإعمار لخزينة السلطة، ما يعني أننا أمام مرحلة جديدة من تعميق الانقسام، وقد نصل إلى حد القطيعة الكاملة في حال أصرت السلطة على موقفها”.

جانب من الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي على غزة/ الأناضول
جانب من الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي على غزة/ الأناضول

وقد أشار إشتية في زيارته لدول الخليج إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن الحكومة تأسف لقرار بعض الدول أنها لن تقوم بإرسال أموال الإعمار لخزينة السلطة، وقد تتبنى النموذج القطري بإبرام تعاقدات مباشرة مع المقاولين دون الرجوع للسلطة، وهذه الرؤية الجديدة للإعمار طالبت بها حماس بعد انتهاء حرب غزة.

وحاول إشتية تهدئة مخاوف حماس والقطاع الخاص في غزة، بتأكيده أن الحكومة الفلسطينية لن تقبل مجدداً بآلية الإعمار السابقة التي أبرمتها مع إسرائيل عقب حرب 2014 والمعروفة بنظام (GRM)، لكن ذلك لم يكن كافياً لإقناع القطاع الخاص بتخفيض شروطه بضرورة أن يكون طرفاً في إدارة ملف إعمار غزة.

ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة في غرفة التجارة والصناعة بغزة، قال لـ”عربي بوست” إن “مطالبة القطاع الخاص بضرورة أن يكون جزءاً من اتفاق إعادة الإعمار ليس موجهاً للسلطة، بل هو لتسهيل عمل اللجان التي ستقوم بتنفيذ وتعويض المتضررين من الحرب، كما نستغرب من قلق السلطة من تبني الدول للنموذج القطري في إعادة الإعمار، رغم أنه أثبت نجاحه في تنمية وتطوير غزة بشكل جذري، مقارنة بفشل خطة التنمية في موازنة السلطة”.

عبد الله عبد الله، نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح وعضو مجلسها الثوري قال لـ”عربي بوست” إن “قطاع غزة جزء لا يتجزأ من مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية، ونرى أن تجاوزها في ملف حساس كهذا من شأنه أن يزيد من عمق الانقسام، وقد يؤسس لمرحلة الانفصال الكامل بإقامة دويلة في غزة، لها كيان مستقل بعيدا عن السلطة”.

قراءة اقتصادية

من منظور اقتصادي يمنح مرور أموال الأعمار عبر خزينة السلطة مردوداً اقتصادياً ومالياً، يتمثل بتمويل المانحين موازنتها التطويرية التي تراجعت في سلم أولوياتها لصالح الموازنة التشغيلية والتمويلية بقيمة أقل من 300 مليون دولار، كما أن السلطة تعاني من أزمة تفاقم الدين العام في العامين الأخيرين بوصوله لمستوى يقترب من 40% من حجم الناتج المحلي بقيمة وصلت 3 مليارات دولار، لذلك تحاول السلطة استثمار أموال الإعمار في تحسين أداء المالية العامة بالنسبة لموازنتها.

نائل موسى، أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح، قال لـ”عربي بوست” إن “إصرار السلطة على ضرورة مرور أموال الإعمار عبر خزينتها يعفيها من التزامات صرف نفقات غزة من الموازنة الأساسية، وهي توفر سنوياً أكثر من مليار دولار لصالح أولويات أخرى بالنسبة في الضفة الغربية، كما أن السلطة تضع ثقلها في هذا الملف للحصول على إيرادات إضافية من تشغيل مليارات الدولار المخصصة لغزة ستأتي على هيئة فوائد ستدفعها البنوك بقيمة قد تصل 300 مليون دولار سنوياً”.

محمد خبيصة، المحرر الاقتصادي في وكالة الأناضول للأنباء، قال لـ”عربي بوست” إن “السلطة ستحاول خصم نفقات مخصصة لغزة لا تستطيع تحصيلها كفواتير الكهرباء التي تغذيها إسرائيل لغزة، وتقدر بـ140 مليون دولار سنوياً، إضافة لتحصيلها فاتورة الوقود المخصصة لغزة من أموال المانحين بالأسعار مشمولة بفارق ضريبة القيمة المضافة، ما يمنح خزينة السلطة من ملف الطاقة والوقود بما يقدر بنصف مليار دولار سنوياً ستمولها الدول المانحة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى