من بوابة المصالحة الوطنية.. هل يعود القذافيون للمشهد الليبي ويترشح “سيف الإسلام” للرئاسة بدعم روسي؟
وإن كان هذا السيناريو مستبعداً، إلا أن أنصار القذافي لا يُخفون رغبتهم في ترشيح سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الراحل، للرئاسيات المقبلة، بدعم روسي وقَبَلي، فضلاً عن احتفاظ ابن عم القذافي، أحمد قذاف الدم بـ”ثروة” تسمح له بتمويل مشروع العودة إلى السلطة.
أول مشاركة لأنصار القذافي بالحوار الوطني الليبي
على عكس اتفاق الصخيرات بالمغرب، نهاية 2015، الذي أُقصي فيه أنصار القذافي من الحوار، أعادت البعثة الأممية، بضغط روسي، إشراكهم في ملتقى الحوار السياسي الذي انطلق من تونس، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
بل إن عمر أبوشريدة، أحد القياديين الموالين لسيف الإسلام القذافي، ترشّح لعضوية المجلس الرئاسي عن إقليم فزان، وحصل على 5 أصوات من إجمالي 14 صوتاً في الجولة الأولى.
واحتلّ أبوشريدة المرتبة الثانية في الجولة الأولى على مستوى إقليم فزان (الجنوب)، بفارق صوت واحد عن عبدالمجيد سيف النصر، وسبق موسى الكوني الذي حصل على صوتين فقط (فاز في الجولة الثالثة بمقعد فزان بالمجلس الرئاسي).
وتحالف أبوشريدة في الجولة الثانية مع كل من الشريف الوافي (مرشح لرئاسة المجلس الرئاسي)، ومحمد المنتصر (مرشح لرئاسة الحكومة)، وعبدالرحمن البلعزي (مرشح لعضوية المجلس الرئاسي)، وحصلوا على 15 صوتاً من إجمالي 73، واحتلوا المرتبة الثالثة، التي لم تؤهلهم للجولة النهائية.
دعم روسي صريح لعودة القذافيين للمشهد الليبي
تكاد تكون روسيا الدولة الوحيدة التي استقبلت ممثلين عمّن سمّتهم “حركة سيف الإسلام القذافي” بشكل رسمي وعلني، وعلى رأسهم أبوشريدة، الذي ترشح فيما بعد لعضوية المجلس الرئاسي.
ففي 15 يناير/كانون الثاني الماضي، نقل موقع “روسيا اليوم” الحكومي، عن بيان لوزارة الخارجية الروسية أن “مبعوث الرئيس الروسي الخاص بالشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف، استقبل مفتاح الورفلي وعمر أبوشريدة، ممثلين عن حركة سيف الإسلام القذافي”.
وقبلها بأيام، شدّد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، على ضرورة إشراك أنصار معمر القذافي في الحوار الوطني الليبي.
فمعمر القذافي كان شريكاً موثوقاً لموسكو في شمال إفريقيا، وبرحيله ضيّعت روسيا صفقات أسلحة كبيرة، لكن نجله “سيف الإسلام” يمكنه أن يعيد هذه العلاقات إلى سابق عهدها إن تمكّن من الوصول إلى الحكم بمساعدتها.
هل يمهد الدبيبة لعودة “سيف الإسلام”؟
لا يُعارض رئيس الحكومة الليبي المكلف عبدالحميد الدبيبة ترشح سيف الإسلام القذافي للرئاسيات، بحسب تصريحات سابقة أدلى بها لموقع “جون آفريك” الفرنسي عام 2018.
كما أن تصريحاته الأخيرة تؤكد على دعمه للمصالحة بين جميع الليبيين، ما يتيح لأنصار القذافي لعب دور سياسي أكبر في المرحلة الانتقالية، بدل الانخراط مجدداً في المغامرات العسكرية للواء المتقاعد خليفة حفتر، كما يقول تقرير لوكالة الأناضول.
لكن هناك من يراهن على أن تيار “ليبيا المستقبل” الذي يقوده الدبيبة، ليس سوى استمرار لمشروع “ليبيا الغد” الذي أطلقه سيف الإسلام في 2006، وكان حينها الدبيبة أحد أركان هذا المخطط الإصلاحي للنظام من الداخل، والهادف لتطوير البلاد.
فالدبيبة بحكم تقلده عدة مناصب، منها مدير عام شركة الاستثمارات الداخلية، ورئيس مجلس إدارة الشركة القابضة، التي تضمّ 15 شركة دولية في مجال التنمية، ورئيس مجلس إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار، اعتبر من الدائرة الأولى المقربة من سيف الإسلام.
لكن الدبيبة انحاز إلى الثورة بعد اندلاعها، في 17 فبراير/شباط 2011، كما ساهم في تمويل قوات الحكومة الليبية في مواجهة ميليشيات حفتر، ما دفع مجلس نواب طبرق لإدراجه، في يونيو/حزيران 2017، ضمن لائحة العناصر والكيانات المتهمة بالإرهاب.
فرئيس الحكومة المكلف وإن انشق مبكراً عن نظام القذافي إلا أنه رجل براغماتي وتصالحي، وليس من المستبعد أن يكون حصل على دعم المحسوبين على النظام السابق في الجولة الأخيرة والحاسمة من الانتخابات التي فاز بها رفقة محمد المنفي، في مواجهة قائمة عقيلة صالح وفتحي باشاغا وأسامة الجويلي، بحسب الأناضول. وبناء على ذلك، من المرتقب أن يضاعف أنصار سيف الإسلام نشاطهم في المرحلة الانتقالية ضمن حراك “رشحناك”.
سيف الإسلام القذافي.. حكم بالإعدام وحلم بالرئاسة
لكن عوائق قانونية تحول دون ترشح القذافي الابن لرئاسيات 24 ديسمبر/كانون الأول 2021. فسيف الإسلام محكوم عليه غيابياً بالإعدام من محكمة في طرابلس، لكن أنصاره يأملون في استفادته من عفو شامل في إطار مصالحة وطنية.
وليس ذلك فقط، فالمحكمة الجنائية الدولية تطالب بتسليمه، لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأكدت نهاية 2019 أنه لا يزال في مدينة الزنتان (جنوب غرب طرابلس)، رغم إعلان كتيبة أبوبكر الصديق التي كانت تحتجزه منذ 2011، إطلاق سراحه في يونيو/حزيران 2017.
ومنذ ذلك التاريخ، لم يُشاهَد سيف الإسلام علناً إلى درجة أن صحيفة “العنوان” المقربة من حفتر، زعمت أنه توفي بمرض السل في سجنه، قبل إعلان إطلاق سراحه بأيام.
غير أن ما يُفنّد هذا الافتراض أن باحثَيْن روسيَّين اثنين سجنتهما حكومة الوفاق لنحو سنتين بتهمة التجسس، التقيا سيف الإسلام أكثر من مرة، بحسب قوات الحكومة الليبية التي حققت معهما. وما يؤكد أن “سيف الإسلام” لا يزال على قيد الحياة، على الأقل حتى مايو/أيار 2019، وإلا لما جازفت موسكو باستقبال ممثلين عنه مطلع 2021.
إدارة بايدن وتمديد العقوبات على عائلة القذافي
مرور 10 سنوات على الثورة الليبية لم يشفع لسيف الإسلام وأنصاره أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، حيث أبلغ الرئيس جو بايدن، في 11 فبراير/شباط الجاري، الكونغرس بقرار تمديد العقوبات لعام آخر ضد أبناء وأقارب معمر القذافي، وشخصيات مرتبطة بهم أيضاً.
وتشمل العقوبات الأمريكية المتخذة ضد سيف الإسلام وأنصاره “اتخاذ تدابير لمنع إساءة استخدام الأموال وغيرها”، ما يعني تجريد العائلة أو ما تبقى منها من أذرعها المالية، والتي قدرتها وسائل إعلام بالمليارات، وهو ما ينفيه أنصارها.
وهذا الموقف الأمريكي المتجدد من “سيف الإسلام” وإخوته، يعيق طريقه نحو السلطة رغم الدعم الروسي.
وتتحدث وسائل إعلام محلية، عن قيام أنصار النظام السابق في سرت وبني وليد بجمع تبرعات لبناء منزلين لاستقبال عائلة القذافي، المتواجدة في المنفى أو في السجون، فزوجته صفية فركاش مقيمة في مصر، وابناه محمد وعائشة في سلطة عمان، وشقيقهما هانيبال معتقل في لبنان، والساعدي مسجون في طرابلس وسيف الإسلام مختفٍ.
لكن في ديسمبر/كانون الأول 2020، رفعت مؤقتاً لجنة الجزاءات التابعة لمجلس الأمن تدبير المنع من السفر، عن صفية ومحمد وعائشة القذافي، ورحّبت وزارة العدل الليبية بهذا القرار، لعدم تورط ثلاثتهم في أعمال القتل والتعذيب.
الدعم القبلي لسيف الإسلام القذافي
يملك سيف الإسلام نقاط قوة تلعب لصالحه، أبرزها استمرار ولاء عدة قبائل خاصة تلك الواقعة على المحور الممتد من سرت (شرق طرابلس)، مروراً ببني وليد (جنوب شرق طرابلس)، وصولاً إلى براك الشاطئ (جنوب طرابلس).
وتقطن هذه المناطق قبائل القذاذفة والورفلة والمقارحة، الأكثر ولاءً لنظام القذافي، بالإضافة إلى قبائل ورشفانة (جنوب طرابلس) وبعض قبائل الجبل الغربي مثل الصيعان والعربان.
أما الكتائب الأمنية التي دافعت عن نظام القذافي حتى آخر رمق، فتمكن حفتر من استيعاب أغلب قادتها وعناصرها داخل ميليشياته بدعم من النظام المصري، على غرار اللواء التاسع ترهونة، الذي ارتكب أبشع الجرائم بحق المدنيين، وخاصة “ثوار 17 فبراير”.
ويخشى الليبيون الذين شاركوا في ثورة 17 فبراير 2011، التي أطاحت بنظام معمر القذافي، أن ينتقم منهم نجله سيف الإسلام بمجرد وصوله إلى الرئاسة، لذلك من المستبعد أن يسمحوا له بالترشح للرئاسيات المقبلة، لكن قد يدخل أنصاره البرلمان القادم.