من صنع فيروس كورونا، الأمريكيون أم الصينيون؟ إليك ما يقوله العلم
منذ المراحل الأولى لتفشي فيروس كورونا، انتشرت نظريات المؤامرة حول أصل المرض وحجمه على منصات الإنترنت.
وكان من بين هذه الادعاءات الكاذبة أن الفيروس كان جزءاً من “برنامج أسلحة بيولوجية سري” صيني، وادعاء آخر لا أساس له من الصحة بأن فريق تجسس كندياً صينياً قد أرسل فيروس كورونا إلى ووهان، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة BBC البريطانية.
هذه الادعاءات بأن الفيروس من صنع الإنسان لاقت رواجاً من قبل العديد من مجموعات المؤامرة على حسابات غامضة على موقعيّ التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر حتى وجدت طريقها إلى التلفزيون الرسمي الروسي.
وبعد أشهر من تفشي المرض، لم تتلاش هذه النظريات فحسب، بل رُوِّجَ أيضاً لمزاعم جديدة غير موثوقة من قبل المسؤولين الحكوميين وكبار السياسيين ووسائل الإعلام في الصين والولايات المتحدة.
شكوك
ورغم أنه لا توجد أي جهات علمية تأخذ نظريات المؤامرة بشأن فيروس كورونا بجدية.
إلا أن روسيا وأكثر منها الصين قامتا بترويج روايات تحمل المسؤولية للولايات المتحدة.
وروَّجَ تشاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، مراراً وتكراراً لفكرة -بدون أدلة– أن فيروس كورونا قد يكون مصدره الولايات المتحدة.
في 12 مارس/آذار 2020، قال في تغريدة أنه ربما كان الجيش الأمريكي هو الذي جلب الفيروس إلى ووهان.
هذه الادعاءات التي روجها تشاو ضخمها عدد من السفارات الصينية ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في أنحاء مختلفة من العالم.
واستشهد تشاو بتقرير نشره البروفيسور لاري رومانوف على موقع Global Research الكندي يخلص إلى أن الفيروس لم ينشأ في الصين.
واستشهد رومانوف بأن العلماء اليابانيين والتايوانيين “قرروا أن فيروس كورونا ربما يكون قد نشأ في الولايات المتحدة”.
يدعي رومانوف أيضاً -بدون دليل- أن مختبر أبحاث الجراثيم العسكري الأمريكي في فورت ديتريك بولاية ماريلاند ربما كان المصدر الأصلي للفيروس. ويضيف أن “هذا لن يكون مفاجأة” حيث جرى إغلاق المختبر بالكامل في العام الماضي بسبب “عدم وجود ضمانات لمنع تسرب مسببات الأمراض”.
في الواقع، كما ذكرت صحيفة New York Times الأمريكية في ذلك الوقت، لم يجر إغلاق المختبر، لكن عُلقت فقط أبحاثه، وقالت متحدثة باسم المختبر بأنه “لم يكن هناك تسرب للمواد الخطرة خارج المختبر”.
“فيروس خاص بالصين”
يعرّف رومانوف نفسه على أنه “مستشار إداري متقاعد ورجل أعمال” و”أستاذ زائر في جامعة فودان في شنغهاي، حيث يقدم دراسات حالة في الشؤون الدولية إلى الفصول العليا برنامج “ماجستير إدارة الأعمال التنفيذي EMBA”.
وباعتباره مساهماً متكرراً في البحث العالمي، يبدو أن معظم كتاباته تنتقد الولايات المتحدة وتدعم الصين، بما في ذلك مقال وصف فيه احتجاجات طلاب ساحة تيانانمن 1989 بأنها “ثورةٌ مُلوَّنةٌ حرَّضَت عليها أمريكا”.
من بين العديد من الادعاءات الأخرى المشكوك فيها، قال رومانوف لإحدى منصات التدوين الصوتي هذا الشهر أنه خلال مراحله المبكرة، كان فيروس كورونا “خاصاً بالصين” ولم يصب شعوباً من أصول وخلفيات عرقية أخرى.
اتصلت شبكة BBC News برومانوف للتعليق ولكن لم تحصل على أي رد.
تلميح أمريكي إلى أن الفيروس تسرب من الصين عن طريق الخطأ
هذه المزاعم الصادرة عن عناصر في الحكومة الصينية ووسائل الإعلام الصينية عن كون الولايات المتحدة المنشأ المحتمل للفيروس جعلت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشير إلى الفيروس بأنه “فيروس صيني”. وطالب وزير الخارجية مايك بومبيو الصين بالتوقف عن نشر “التضليل”.
لكن عدداً من السياسيين والمعلقين الأمريكيين قدموا أيضاً ادعاءات لا أساس لها من الصحة حول أصل الفيروس.
واستشهد مضيف قناة Fox News في وقت الذروة تكر كارلسون بدراسة أثارت احتمال أن فيروس كورونا قد “تسرب عن طريق الخطأ من مختبر في ووهان”.
وقد أثار عضوا مجلس النواب الأمريكي توم كوتون وتيد كروز نفس التوقعات.
ذكرت صحيفة Washington Post الأمريكية في منتصف أبريل/نيسان أن اثنين من الدبلوماسيين العلميين من السفارة الأمريكية قاما بعدة زيارات إلى معهد ووهان للفيروسات في عام 2018 وحذرا واشنطن من “عدم كفاية السلامة في المختبر، الذي يجري دراسات محفوفة بالمخاطر على الفيروسات التاجية في الخفافيش”.
هل فيروس كورونا مخلق صناعياً؟ إليك ما يقوله العلم
على الجانب الآخر، غرد جيريمي كونينديك، الذي قاد رد حكومة الولايات المتحدة على تفشي فيروس إيبولا، رداً على تقارير حول تسرب عرضي في المختبر: “لا يستبعد العلم أن يكون الفيروس قد نشأ في المختبر، لكنه يشير إلى أن هذا الأمر غير محتمل تماماً”.
كما أن دراسة حول جينوم فيروس كورونا، نُشرت في مارس/آذار، وجدت أنه لا توجد مؤشرات إلى أنه تم تصنيع الفيروس.
وقال كريستيان أندرسون، وهو من المشاركين في الدراسة ومن فريق باحثي مركز سكريبس في كاليفورنيا: “من خلال مقارنة بيانات تسلسل الجينوم المتاحة لسلالات فيروس كورونا المعروفة، يمكننا التأكيد بشدة على أن سارس-كوف-2 قد نشأ بصورة طبيعية”.
وهناك مزاعم أيضاً بخصوص تسرب غير مقصود من أحد المختبرات. ويدعم ذلك قرب سوق ووهان للأطعمة البحرية من مركزين بحثيين على الأقل يجريان أبحاثاً حول الأمراض المعدية.
لكن يجب التنويه إلى أن مركز علم الفيروسات في ووهان أجرى بحثاً حول فيروس كورونا لدى خفاش، هو أمر معروف؛ فهذا البحث كان قانونياً ومنشوراً في مجلات دولية.
وتقول فيليبا لينتزوس، خبيرة إجراءات السلامة الحيوية في جامعة لندن كوليدج: إن قضية أصل الفيروس “سؤال شديد الصعوبة”، مضيفة أنه “كانت هناك نقاشات عدة من خلف الكواليس.. في أوساط خبراء السلامة البيولوجية، مشككة في أن أصل الفيروس هو سوق مأكولات بحرية – الرواية التي روجت لها الصين بقوة”.
لكن حالياً ليس هناك أي دليل على أن مركز بحوث ووهان كان مصدر الفيروس.