مهدَّدة بالتقسيم.. لماذا أصبحت إثيوبيا فجأة على شفا حرب أهلية؟
يبدو أن إثيوبيا أصبحت فجأة على شفا حرب أهلية، الأمر الذي يهدد استقرار واحدة من أكثر مناطق العالم استراتيجية، القرن الإفريقي، ويهدد بتقسيم واحدة من أقوى البلدان الإفريقية وأكثرها سكاناً، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
لكن الأزمة في إثيوبيا، وهي حليف أمني رئيسي للولايات المتحدة، تتفاقم منذ شهور، وعلى حد قول دينو ماهتاني من مجموعة الأزمات الدولية هذا الأسبوع: “لقد كان الأمر أشبه بمشاهدة تصادم قطار بالحركة البطيئة”. والآن، يواجه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام العام الماضي لإصلاحاته السياسية الشاملة، أشد العواقب التي ترتبت على التحولات الأخيرة التي شهدتها البلاد في السلطة.
ماذا حدث للتو؟
حدث شيئان في وقت مبكر من صباح الأربعاء 5 نوفمبر/تشرين الثاني: قُطعت الاتصالات في منطقة تيغراي الشمالية المدججة بالسلاح في إثيوبيا، وأعلن أبي أحمد أنه أمر القوات بالرد على هجوم مميت مزعوم شنته قوات تيغراي على قاعدة عسكرية هناك. واتهم الجانبان بعضهما البعض ببدء القتال.
وكثف كلاهما الضغط في وقت متأخر من يوم الخميس. وقال الجيش الإثيوبي إنه كان ينشر قوات من جميع أنحاء البلاد في تيغراي، وزعم زعيم إقليم تيغراي أن طائرات مقاتلة قصفت أجزاء من العاصمة الإقليمية. وقال: “نحن مستعدون لنكون شهداء”. وأُبلغ عن وقوع ضحايا من كلا الجانبين.
وقد شبه بعض الخبراء المواجهة بحرب بين الدول، بوجود قوتين كبيرتين ومدربتين جيداً والقليل من العلامات تشير إلى التراجع. إن إثيوبيا هي واحدة من أكثر الدول تسلحاً في إفريقيا، وقد هيمنت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على الجيش والحكومة في إثيوبيا قبل أن يتولى أبي أحمد السلطة في عام 2018. وهي لديها الكثير من الخبرة في الصراعات من الحرب الحدودية التي دامت سنوات بين إثيوبيا وإريتريا، بالقرب من منطقة تيغراي. وتقدر مجموعة الأزمات الدولية أن القوات شبه العسكرية التابعة للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والميليشيات المحلية لديها حوالي 250 ألف جندي.
مع استمرار انقطاع الاتصالات، من الصعب التحقق من رواية أي من الطرفين للأحداث على الأرض.
كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟
عيّن الائتلاف الحاكم في إثيوبيا أبي أحمد رئيساً للوزراء في عام 2018 للمساعدة في تهدئة أشهر من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وسرعان ما نال الثناء -وجائزة نوبل- لفتحه المجال السياسي والحد من التدابير القمعية في البلاد التي يبلغ عدد سكانها حوالي 110 ملايين شخص وعشرات من المجموعات العرقية. لكن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي شعرت بتهميش متزايد، وانسحبت العام الماضي من الائتلاف الحاكم.
وتعترض الجبهة الشعبية لتحرير تيغري على تأجيل الانتخابات الإثيوبية، والتي يُلقى باللوم فيها على جائحة كوفيد-19، ومد فترة وجود آبي أحمد في منصبه. وفي سبتمبر/أيلول، ذهب سكان إقليم تيغراي للاقتراع في انتخابات محلية وصفتها الحكومة الفيدرالية الإثيوبية بأنها غير قانونية. وتحركت الحكومة الفيدرالية لاحقاً لتحويل التمويل من السلطة التنفيذية لجبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي إلى الحكومات المحلية، مما أغضب القيادة الإقليمية. ويوم الإثنين 2 نوفمبر/تشرين الثاني، حذر زعيم تيغراي ديبريتسيون جبرميكل من احتمال اندلاع صراع دموي.
ماذا يمكن أن يحدث الآن؟
يمكن أن يمتد الصراع إلى أجزاء أخرى من إثيوبيا، حيث كانت بعض المناطق تطالب بمزيد من الحكم الذاتي، وقد أدى العنف العرقي المميت بالحكومة الفيدرالية إلى استعادة إجراءات القمع بما في ذلك اعتقال المعارضين.
وتعليقاً على هذه المخاوف، قال نائب قائد الجيش الإثيوبي بيرهانو جولا في وقت متأخر من يوم الخميس عن تيغراي: “ستنتهي الحرب هناك”.
وقد بادرت بعض الحكومات والخبراء إلى الدعوة على نحو عاجل إلى الحوار بشأن مسألة تيغراي، لكن دبلوماسياً غربياً في العاصمة أديس أبابا قال إن “موقف الإثيوبيين هو أنك إذا تحدثت عن حوار مشترك فأنت تساوي الطرفين، إن الأمر على هذا النحو (هذه حكومة شرعية وهذه جماعة منشقة)”. إن الهدف كما طرحته إثيوبيا هو سحق جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي، على حد قول الدبلوماسي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، و”إذا قلت إنني سأقوم بسحقك، فهل هناك حقاً مجال لأي تفاوض؟”.
وقد قالت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي قبل القتال إنها غير مهتمة بالتفاوض مع الحكومة الفيدرالية، وإنها تسعى إلى إطلاق سراح القادة المحتجزين كشرط مسبق للمحادثات. ويقول المراقبون إنه يجب إجراء حوار شامل، لكن بياناً صدر في وقت متأخر من يوم الخميس عن لجنة من الدبلوماسيين وخبراء عسكريين أمريكيين سابقين لصالح معهد الولايات المتحدة للسلام حذّر من أن الحوار لن يذهب بعيداً “بينما يظل العديد من القادة السياسيين البارزين في البلاد في السجن”.
ماذا يعني هذا بالنسبة لخارج إثيوبيا؟
قلة من المناطق هي أكثر عرضة للخطر من القرن الإفريقي. تشمل الدول المجاورة لإثيوبيا الصومال -وبحسب ما ورد بدأت القوات الإثيوبية الانسحاب من ذلك البلد للعودة إلى الوطن- والسودان، الذي يواجه انتقاله السياسي الضخم. ولم تظهر إريتريا المجاورة سوى القليل من علامات الانفتاح بعد التوصل إلى سلام مع إثيوبيا في عام 2018، ولم تتوافق حكومتها مع حكومة تيغراي.
والآن أصبحت المنطقة التي لعب فيها أبي أحمد دور صانع سلام رفيع المستوى في خطر.
يحذر المراقبون من أن الصراع قد يمتص هذه البلدان وغيرها من الدول التي لا تبعد كثيراً عن أكثر المواقع العسكرية الاستراتيجية في إفريقيا، وهي جيبوتي الصغيرة، حيث تمتلك العديد من القوى العالمية بما في ذلك الولايات المتحدة والصين قواعدها العسكرية الوحيدة في القارة. ويقع القرن الإفريقي أيضاً على بعد مسافة مائية قصيرة من اليمن وبقية شبه الجزيرة العربية.
وكانت إثيوبيا قد أثارت بالفعل مخاوف بشأن نزاع مع مصر بشأن سد ضخم تقترب إثيوبيا من الانتهاء منه على النيل الأزرق. ورغم المخاوف بشأن العمل العسكري، فإن الدبلوماسي الأمريكي السابق بيتون كنوف، وهو مستشار كبير لمعهد الولايات المتحدة للسلام، قال هذا الأسبوع: “في اعتقادي أن مصر تمثل جهة فاعلة مسؤولة بالقدر الكافي لإدراك أن تفتيت إثيوبيا يُلحق ضرراً كبيراً بالأمن الإقليمي”.