مِنَ الأسر
الأسير المحرر أحمد أبو السعود
عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
بعد مرور عدة شهور على الاضراب لم تنفذ إدارة القمع شيئاً من المطالب التي تحققت، علماً أن السجون الأخرى جرى فيها تنفيذ بعض المطالب وتحسنت أحوالها، الأمر الذي دفع ممثل المعتقل وبالترتيب مع قيادات الفصائل إلى كتابة رساله وتسليمها إلى إدارة السجن بأن الأسرى في سجن عسقلان سيشرعون بالإضراب عن الطعام المفتوح غداً، الأمر الذي جعل مدير السجن يضطرب ويطلب حضور الممثل ليلتقيه، فأكد له ممثل المعتقل أنهم جادون بدخول الاضراب غداً، لسبب بسيط أن الإدارة لم تنفذ وعوداها التي التزم بها الوزير، وكما تم ذكره سابقاً فإن الوزير الصهيوني كان قد شكل لجنة تشرف على تنفيذ مطالب الاضراب، طبعاً مدير السجن لا يستطيع إلا أن ينقل الرسالة للجهات العليا بإدارة السجون، فجاءه الرد أن يبلغ الأسرى ألا يدخلوا بالإضراب وغداً ستحضر اللجنة المكلفة من الوزير المشرفة على تنفيذ المطالب.
فعلاً باليوم التالي حضرت اللجنة ومسؤولها إلى سجن عسقلان وطلبوا ممثلي الفصائل للقائهم، واستفسروا عن معنى الرسالة التي تم إرسالها، وما الأسباب، فجاءهم الرد أن إدارة السجن لم تنفذ أي من مطالب الاضراب التي وافق عليها الوزير، فتساءل مسؤول اللجنة بدهشة، ألم تحصلوا على المطلب الفلاني وغيره وغيره …. إلخ، فكان الجواب لا.
كان مدير السجن حاضراً اللقاء فسأله مسؤول اللجنة لماذا لم تنفذوا المطالب التي تم ذكرها، فأعطى إجابات أنهم غير جاهزون ، ويحتاجون إلى وقت، فطلب منه مسؤول اللجنة بالتنفيذ فوراً لما هو متوفر من المطالب، على سبيل المثال لمبات للقراءة الليلية، ومروحتين لكل غرفه وغيرها من القضايا الصغيرة والمتوفرة، ثم قالت اللجنة للمدير أمامك شهر من الآن لتنفيذ كل المطالب، وستحضر اللجنة لرؤية الوضع، وفعلاً تمت الاستجابة وحينها شعر الأسرى بمعنى الانتصار بالإضراب، وأخذت الحياة بالتحسن التدريجي، عادت الحياة إلى رتابتها وانتظام البرامج الثقافية والاعتقاليه والتنظيمية.
في شهر أب من عام 1993 انكشف أمر المفاوضات السرية التي كانت بين فريق أوسلو والكيان الصهيوني في النرويج بأوسلو، وهذا الأمر خلق حالة من الفوضى على الساحة الفلسطينية ومنها داخل السجون حيث انقسم الشارع الفلسطيني والقوى الفلسطينية إلى متفق مع ما تمخض عنه اتفاق أوسلو ومعارضين له، وقد قامت شخصيات ممن ينظّرون لأوسلو بإجراء لقاءات اعلاميه مكثفه، ولقاءات جماهيرية عديده في كل أو معظم المخيمات الفلسطينية بداخل فلسطين وخارجها، ليستقطبوا أراء الجماهير الفلسطينية، وكلما سأل أبناء المخيمات ماذا عن حق العودة؟ تأتيهم إجابة من فريق أوسلو أنهم لم يتنازلوا عن الحق التاريخي، ولكن لا يوجد عوده إلا بأحسن الأحوال إلى الضفة وغزه، وعاد كما يقال حوالي 400 ألف فلسطيني، وحصلوا على الهويات لكن بدون رقم وطني ( ليتبين أن الرقم الوطني ما هو إلا رقم الهوية التي حملها أهلنا في داخل مناطق الضفة وغزه وحددها لهم الاحتلال، أي رقم الهوية الصهيونية قبل مجيء السلطة)، وبالتالي هم بعرف الاتفاق عرضة للإبعاد بأي وقت تريده الحكومة الصهيونية، بل أكثر من هذا فإن المخطط الصهيوني الذي وضعته الاستخبارات الصهيونية ويلاقي قبولاً من الكيان الصهيوني وأمريكيا وربما غيرها من الدول الغربية بتهجير كافة سكان الضفة للأردن وسكان غزة لمصر وفلسطينيو الـ 48 إلى لبنان، وهذا ما كشفته معركة طوفان الأقصى، لكن شعبنا أفشل وسيفشل هذا المخطط للأبد. باختصار فإن اتفاق أوسلو قسم الشعب الفلسطيني بشكل عامودي وأفقي، بين مؤيد لأوسلو ورافض له، ولن نخوض أكثر لأن النتائج على الأرض تظهر من كان على صواب ومن كان على خطأ، قلنا سابقاً أن أسرى فتح رحبوا بأوسلو، وأسرى الفصائل الأخرى أخذت موقفاً رافضاً تبعا لمواقف قيادتها وقناعاتهم، فطال الانقسام الأسرى، وظهرت نقاشات واسعه وأحياناً حاده، خاصة بعد الرسائل المتبادلة بالاعتراف(اعتراف أبو عمار بما يسمى دولة إسرائيل، واعتراف رابين بمنظمة التحرير الفلسطينية) تصوروا اعتراف بدوله، مقابل اعتراف بمنظمه (الدولة تعني أرض وشعب وكيان سياسي واقتصادي وحقوق دوليه ….إلخ، فيما المنظمة عدة فصائل لا يمثلون بأحسن الأحوال 40 بالمئة من الشعب الفلسطيني، ظناً منهم بأن الدولة قادمة على الطريق.
للأسف فشل أوسلو وبقي الاعتراف بالكيان الصهيوني، وأُفرغت المنظمة من محتواها تماماً، وأصبحت جزء صغير في السلطة الفلسطينية، والأخيرة تتعاون مع الاحتلال عبر التنسيق الأمني وخلافه.
ظن أسرى فتح وبعض الأسرى من الفصائل أن تحريرهم بات قريباً، وتم الإعلان عن موعد لتوقيع اتفاق أوسلو بواشنطن، فتم التوقيع ولم يحرروا أسرى، خاب الأمل، إذ في تجارب العالم كلها تكون قضية الأسرى هي الأولى بالتنفيذ، لأن القيادات هي من أرسلت هؤلاء الأسرى للنضال، وهي المفروض مسؤولة عن تحريرهم، أما أن يتم نسيانهم فهذا جاء لطمة كبرى للأسرى ولذويهم، لكن حاول الطرف الفلسطيني تدارك الخلل، بعد أن علت أصوات أهالي الأسرى والأسرى ذاتهم، فحاولوا إصلاح الأمر بالتوقيع الثاني بالعام التالي 1994 بالقاهرة، وسمي بأوسلو 2 فتم إخراج حوالي ثلاثة آلاف أسير من ذوي الأحكام الخفيفة وقله من أصحاب الأحكام العالية.
لكن سبق هذا الحدث حديث من إدارة السجن أنه على كل من سيأتي اسمه للإفراج عليه أن يوقع على وثيقة فيها تعهد بنبذ الإرهاب وتصريح بتأييد اتفاق أوسلو، لقد أعلمت إدارة السجون الأسرى عن الوثيقة قبل وقت كي يكونوا على دراية، طبعاً أسرى فتح وهم الأكثرية في السجون لا مشكلة لديهم بوثيقه التعهد هذه، بينما الفصائل الرافضة لأوسلو توقفت بنقاش الأمر في داخل كل تنظيم وخلص موقف الجبهة الشعبية إلى رفض هذه الوثيقة ورفض إفراج مذل كهذا، يتم الطلب فيه من الرفيق التنازل عن مواقفه وقناعاته السياسية وأكثر من هذا عليه أن ينبذ الإرهاب وهو بالمعنى الصهيوني أن كل نضالنا إرهاباً وعلينا نبذه.
شرع الرفاق بعقد جلسات داخليه لمناقشة الأمر وكان هناك إجماع على رفض الوثيقة والتوقيع عليها، وتم تبادل الرأي من قبل منظماتنا بالسجون بهدف بلورة موقف موحد، وكذلك كان موقف رفاقنا بالجبهة الديمقراطية، وكذلك الجهاد الإسلامي، أي أن ثلاثة فصائل ترفض التوقيع على وثيقة التعهد المطلوبة كشرط للإفراج، أما بالنسبة لأسرى حماس فقد عقدت قيادات الفصائل الثلاثة وإياهم اجتماعاً بهدف الحصول على رفضهم للوثيقة، فجاء ردهم سلبياً، وقالوا نحن مع إطلاق سراح كل أخ، ولا يضيرنا ما تحمله الوثيقة، فيمكن أن يوقع عليها أي أخ ويذهب للقتال ضد الصهاينة بعد التحرر.
احترمت الفصائل موقفهم ولكنها شعرت بخيبة أمل، جرت جولة أولى من الإفراج في يوم التوقيع بالقاهرة وشملت كثره من أسرى فتح وقله من أسرى حماس، أحضروا أسماء لأسرى من الجبهتين والجهاد فرفضوا التوقيع وأعيدوا إلى السجون.
في جولات قادمه من الإفراج عن الأسرى لم يطلبوا أحداً من أسرى حماس ولكن طلبوا من أسرى الجبهتين، أي تم استثناء أسرى حماس والجهاد، وأسرى الجبهتين رفضوا التوقيع، فمن تحرروا هم أسرى فتح، ومعهم واحد أو اثنين من هذا السجن أو ذاك ممن ارتضوا التوقيع من الجبهتين وخالفوا قرارات قياداتهم، وهذا عرضهم للعقاب، وهم قله، إذ كان عدد أسرى الجبهة الشعبية قرابة الألفين أسير، لقد دعى عدم إدراج اسماء من أسرى حماس لتراجع موقفها واتحدت مع موقف الجبهتين والجهاد الاسلامي برفض التوقيع على وثيقة التعهد. واستمر الوضع لما بعد عام 1995 حيث اكتشفت حكومة الكيان الصهيوني إن إطلاق الأسرى يحتاج إلى مقابل سياسي مع اشتداد المفاوضات على تفاصيل الاتفاق، فأصبحت الأعداد التي يتم إطلاق سراحها قليله جداً ولأصحاب أحكام خفيفة.
مورس الابتزاز الصهيوني بعد أن أيقنوا أن ورقة الأسرى مربحه بعد أن أثار أهالي الأسرى موجة غضب على قيادة السلطة، ففي عام 1995 اتفقت فصائل م.ت.ف على خوض اضراب مفتوح عن الطعام هدفه إيصال رساله للسلطة الفلسطينية وإلى حكومة الكيان الصهيوني أن الأسرى رقم هام ويجب الالتفات إليه ووضع قضية الأسرى كجزء من المفاوضات وليس ترك هذه القضية لبوادر حسن النية، وكأن الاحتلال حسن النية، حيث كانت تدور مفاوضات لوقت ليس قصير وعندما يتفقوا، لا يتم تناول موضوع الأسرى وحين يطرحه الطرف الفلسطيني يجيبونهم نحن سنحدد من سنطلق سراحهم كتعبير عن النية الحسنه !!!