تحليلات و آراء

انقلاب النيجر  ..هل هو طمع عسكر أم محاولة كسر قيدٍ لهيمنة الغرب؟

 لؤي عوض الله

يبدو أن الخيانة والعمالة لا تعرف عرقاُ أو ديناً أو جنساً ولا حتى حدودا، وقد تندرج  أحيانا تحت مسمى يبدو منصفاً لها في ظاهره وبراقا يبهر الأنظار ويخطف العقول وفي باطنه يخفي ويواري نواياه الخبيثة وأغراضه الدنيئة للسيطرة وإعطاء المسوغات لنهب الثروات واستعباد العباد.

الديقراطية هي كلمة السر، والمُشرع لكل الأحداث وردود الأفعال لها وما يتبعها من تحركات، إن المتابع لما يحدث في النيجر من أحداث وتداعياتها بعد ما يسمى بالانقلاب من قبل المجلس العسكري الوطني وعزل الرئيس بازوم، والمنتخب ديمقراطيا من خلال صندوق الاقتراع قد أثار غضب الدول الغربية وأمريكا وفي مقدمتها الجمهورية الفرنسية والتي  لها تاريخا أسودا في احتلال  العديد من الدول الأفريقية لعقود واستيلائها على خيراتها ومقدراتها.

وقتل الألوف المؤلفة من شعوبها وتشريدهم، وكالسمسار باعت واشترت واسترقّت من استطاعت منهم دون أن يرمش لها طرف عين، صحيح أنها خرجت رغما عن أنفها، لكنها نشرت خيوطها وأحكمت قبضتها من خلال احتلال اقتصادي وسياسي جديد، واستمرارا لمسيرتها العفنة في السلب من خلال إبرام عقود واتفاقيات احتكار لضمان ما سعت لتحقيقه، وسياسيا من خلال مواليها من حكام وممن يسمون مثقفين ونخبة من المفكرين وبإنشائها قواعد عسكرية لتقديم الدعم وحماية الشرعية والدستورية بموصفاتها، بما يتوافق مع مصالحها.

فمنذ نشوب الأزمة كثرت الآراء والتحليلات فيما يخص السيناريوهات المتوقعة لمجرياته والتي تنحصر في حرب إن اندلعت قد تتسع لتصبح إقليميه بين دول مؤيدة للمجلس العسكري في النيجر وأخرى معارضة له، لخوفها من تكرار ذات  السيناريو في دولها، على غرار ما حدث في النيجر ومن قبلها في بوركينا فاسو، ولتجنب الحرب تسعى من خلال الوسطات تارة والضغوطات بمختلف أشكالها السياسة والاقتصادية حيث سيتحمل كلفتها شعب همش وجهل على عقود مرت وعدة حكومات تعاقبت على حكم البلاد منذ الاستقلال في عام ١٩٦٠ ولم يخلف سوى بنية تحتية متهالكة لم يجر تحديثها أو تطويرها لاقتصادها الضعيف الذي لا يتناسب مع مقدراتها.

إن المحاولات الشرسة من الدول الغربية لإثناء القادة العسكريين عن انقلابهم وفي مقدمتها فرنسا والتي تحرك أذرعتها في المنطقة كالقوات الأفريقية التابعة لاكواس والاتحاد الإفريقي والتي هددت بالتدخل لإعادة النظام الدستوري بالإضافة إلى الوفود المشتركة ومبعوثة الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة للتفاوض مع الانقلابيين والذي لم نر مثله في حالة مصر عندما انقلب الجيش على الرئيس المصري السابق مرسي المنتخب شرعيا من خلال صندوق الاقتراع، حينها لم نشاهد سوى بيانات الشجب والتنديد ومطالبات خجولة بالتراجع عن الانقلاب، ولم نر هذا الكم من التهديد والوعيد وفرض العقوبات على الدولة المنهكة, مما يؤكد المؤكد من نفاق الغرب والكيل بمكيالين عندما يتعلق الموضوع بمصالحهم أو يخدم سياساتهم في الهيمنة بجميع أشكالها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وفي اعتقادي إن ما يحدث وسيحدث في النيجر، بغض النظر عن السيناريوهات ومآلاتها هو معركة كسر عظم بين الغرب بدوله الإحتلالية والتي أعادت احتلال ما سمي بمستعمراتها ولكن بطرق وأساليب فكرية وثقافية حديثة ودون أن تحرك جنديا واحدا ويبن دول عاشت حقبا من الذل والاستغلال بأقصى درجاته ولم تتمتع واقعيا بحرية التعبير والتنمية والازدهار، بل كانت دائما تدفع ثمن صمتها على الظلم والقمع وحين بدأ الوعي والإدراك يتسرب إلى عقولها لتنتفض على أوضاعها المعيشية ومعاناتها منذ عقود واندحار محتلها إلا أنها مازالت تعيش تخلفا رُسم لها ووضع مخططه مع رحيل آخر جندي من آراضيها ليُستبدل بآخر، ولكن هذه المرة من بني جلدتها.

إن محاولة التمرد وكسر القيود والتي قد تكون دماء تسيل وعدوى ربما تنتشر وتمتد إلى دول مجاورة مرت بتجربة مشابهة من محتل توغل في الإجرام بشعوبه فكان حتما على الغرب تلقينه درسا لمجرد تجرؤه على أسياده وليكن عبرة لمن لا يعتبر من شعوب لا تستحق أنفاسها إلا بإذنه وما يسمح منه ليستمر في الحياة أو خدمتهم في صمت وهدوء  دائمين إلى أن يصل إلى السكوت الأبدي في قبره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى