نعم كورونا لن يختفي لمجرد تجاهل أخباره، فهل الإغلاق هو الحل الوحيد لمواجهة الموجة الثانية؟
بات واضحاً الآن أن الموجة الثانية من وباء كورونا لم تعد افتراضاً بعيداً، فالمؤشرات جميعها تؤكد أن الوباء القاتل لا يزال متفشياً في أغلب مناطق ودول العالم، وبعد أن تراجعت حالات الإصابة عادت من جديد لترتفع بصورة مقلقة، خصوصاً في ظل غياب لقاح يقي من الإصابة بالفيروس، فهل الإغلاق هو الحل الوحيد؟
ارتفاع حالات الإصابة حول العالم
حتى اليوم الإثنين 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أصاب الفيروس أكثر من 35 مليوناً و450 ألف مواطن حول العالم وأودى بحياة أكثر من مليون و49 ألفاً، وتشير حالات الإصابة اليومية المرصودة حول العالم إلى أن المتوسط اليومي يزيد عن 250 ألف إصابة جديدة يومياً، بحسب موقع وورلدميترز.
وهذه الأرقام تذكير بأن البشرية لا تزال تواجه عدواً قاتلاً لا يرى بالعين المجردة وأن تصريحات بعض السياسيين بشأن تراجع خطورته أو نجاح بلادهم في التوصل للقاح أو السيطرة على الوباء تحتاج لأدلة تدعمها، أو بمعنى أدق لا يوجد عليها دليل فعلي حتى الآن.
ففي إيران، وهي التي مثلت البؤرة الأولى لتفشي الفيروس خارج الصين، على سبيل المثال، ذكر التلفزيون الرسمي اليوم الإثنين أنها سجلت ارتفاعاً قياسياً في حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا المستجد بلغ 3902 حالة في الأربع والعشرين ساعة الماضية ليبلغ إجمالي الإصابات في الدولة الأكثر تضرراً من الجائحة بالشرق الأوسط 475674، وقالت سيما سادات لاري المتحدثة باسم وزارة الصحة للتلفزيون إن 235 مريضاً توفوا في الأربع والعشرين ساعة الماضية.
وفي الصين، منشأ الفيروس، أعلنت اللجنة الوطنية للصحة عن تسجيل 20 حالة إصابة جديدة أمس الأحد 4 أكتوبر/ تشرين الأول وذلك مقابل 16 حالة في اليوم السابق، وذكرت اللجنة في بيان أن كل الحالات الجديدة وافدة من الخارج مضيفة أنها رصدت أيضاً 27 حالة إصابة خالية من الأعراض، وبذلك تكون الصين سجلت 85470 حالة إصابة في المجمل بينما لا يزال عدد الوفيات ثابتاً عند 4634.
ويشكك كثير من المراقبين وخبراء الصحة والسياسيين في الأرقام الرسمية الصادرة سواء من بكين أو طهران بشأن حالة تفشي الفيروس في البلاد، وهو ما يعني أن الأرقام ربما تكون أعلى بكثير من المعلن رسمياً، وفي حالة الصين تحديداً يمثل هذا سبباً إضافياً للقلق لأنها كانت الدولة الأولى التي تعلن الانتصار على الفيروس الذي تحول لجائحة عالمية منذ مارس/ آذار الماضي وأعادت فتح النشاط الاقتصادي، فهل يعني عودة تسجيل إصابات جديدة أن موجة ثانية من الوباء على وشك أن تضرب البلاد؟
إغلاقات جزئية في أكثر من مكان
والأمر في أوروبا يمثل قلقاً أكبر، في ظل تسجيل عشرات الآلاف من الإصابات الجديدة يومياً في بريطانيا وألمانيا وفرنسا على وجه الخصوص، وهو ما أدى لقرارات بالإغلاق رغم الاحتجاجات الشعبية، وسط تحذيرات من أن الإغلاق التام قد يكون الخيار الوحيد المتبقي مع دخول موسم الشتاء إذا لم يلتزم المواطنون بالقيود المفروضة حالياً.
فقد أظهرت بيانات معهد روبرت كوخ للأمراض المعدية اليوم الإثنين ارتفاع عدد الإصابات الجديدة المؤكدة بالفيروس في ألمانيا بواقع 1382 إلى 300 ألف و619 حالة في المجمل، وأوضح الإحصاء تسجيل خمس حالات وفاة جديدة مما يرفع العدد الإجمالي إلى 9534.
كما سجلت فرنسا أمس الأحد 12565 إصابة جديدة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية نزولاً من حصيلة إصابات اليوم السابق التي كانت رقماً قياسياً جديداً، وقالت وزارة الصحة إن عدد الإصابات الإجمالي منذ بدء الجائحة ارتفع إلى 619190 حالة، وسجلت فرنسا ما يقرب من 17000 حالة إصابة جديدة يوم السبت، وزاد إجمالي عدد حالات الوفاة إلى 32230 بعد وفاة 32 بالمرض، وهناك 4264 حالة إصابة جديدة خضعت للعلاج بالمستشفيات في الأيام السبعة الماضية من بينهم 893 في وحدات العناية المركزة.
وفي ضوء ذلك أعلنت فرنسا اليوم عن إغلاق البارات والمقاهي وصالات الألعاب الرياضية في العاصمة باريس بدءاً من الثلاثاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول ولمدة أسبوعين، وستظل المطاعم مفتوحة بشرط الالتزام الصارم بقواعد النظافة والتعقيم والتباعد الاجتماعي بين روادها وإلا فالإغلاق سيكون البديل، بسبب الزيادة الكبيرة في أعداد الإصابات بالفيروس.
وفي روسيا، قالت وزارة التعليم إن المدارس في موسكو ومنطقتي أوليانوفسك وساخالين ستتحول إلى التعلم عن بعد عبر الإنترنت قريباً بسبب الارتفاع الحاد في عدد حالات الإصابة بالفيروس، فقد ارتفع العدد اليومي لحالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في روسيا اليوم الإثنين إلى أعلى مستوياته منذ 12 مايو/ أيار إذ أعلنت السلطات 10888 إصابة جديدة على مستوى البلاد، منها 3537 حالة في موسكو.
وتشهد بريطانيا إجراءات أكثر صرامة وسط تحذيرات من الحكومة برئاسة بوريس جونسون الذي أصيب بالعدوى ونجا منها من أن الإغلاق التام للبلاد ربما يصبح أمراً واقعاً إذا ما استمرت حالات الإصابة في الارتفاع القياسي الذي تسجله هذه الفترة، وذلك رداً على الاحتجاجات المتكررة التي تشهدها البلاد اعتراضاً على إجراءات مكافحة التفشي.
هل يجد العالم نفسه مضطراً لإغلاق آخر؟
في الولايات المتحدة، الدولة الأكثر تأثراً بالوباء حيث أصاب أكثر من 7 ملايين و644 ألفاً وأصاب أيضاً الرئيس دونالد ترامب أكثر زعماء العالم استهانة بالفيروس، سجلت تسع ولايات أمريكية ارتفاعات قياسية في حالات الإصابة في الأيام السبعة الماضية، خاصة في مناطق الغرب الأوسط والغرب حيث أجبرت برودة الطقس السكان على القيام بمزيد من الأنشطة في الأماكن المغلقة.
وفي يوم السبت وحده سجلت أربع ولايات هي كنتاكي ومينيسوتا ومونتانا وويسكونسن ارتفاعات قياسية في حالات الإصابة، وعلى مستوى البلاد تم تسجيل نحو 49 ألف حالة إصابة جديدة وهو أعلى رقم في يوم سبت منذ سبعة أسابيع وفقاً لتحليلات رويترز.
كما سجلت ولايات كانساس ونبراسكا ونيو هامبشاير وساوث داكوتا ووايومينغ أرقاماً قياسية للحالات الجديدة في الأسبوع الماضي، وتبلغ درجة الحرارة العظمى في أغلب هذه الولايات حالياً نحو عشر درجات مئوية، وهو ما يؤكد تحذيرات خبراء الصحة منذ فترة طويلة من أن انخفاض درجات الحرارة سيدفع الناس للأماكن المغلقة مما قد يزيد من انتشار الفيروس.
هذه الحقائق، على قسوتها، تنصف العلم في مواجهة السياسة؛ فهناك إجماع على أن الوباء سيظل يمثل خطراً داهماً على البشرية حتى يتم التوصل للقاح له ويتحول إلى فيروس موسمي مثل الإنفلونزا لكنه في كل الحالات لن يختفي، وفي ظل عدم وجود لقاح واقتراب فصل الشتاء تصبح قصة الموجة الثانية أمراً واقعاً يفرض سؤالاً أكثر قسوة وهو: هل يجد العالم نفسه مضطراً لإعادة الإغلاق مرة أخرى رغم التكلفة الاقتصادية الكارثية؟