ها قد وقعت الإمارات والبحرين وإسرائيل اتفاق “أبراهام” فهل سيتحقق السلام؟
توصلت الإمارات والبحرين إلى سلام مع إسرائيل التي لم تكن في صراع معها في يوم من الأيام، فيما ظلت الحروب الأساسية في الشرق الأوسط دون حل مثل الأزمة في اليمن وليبيا مروراً بسوريا التي ما زالت تنزف من 9 أعوام دون حل.
السلام بين إسرائيل ودول الخليج والمسمى “اتفاق أبراهام” ينقصه الكثير حتى يصبح سلاماً ذا جدوى، وهو البحث عن حل للأزمات المزمنة في الشرق الأوسط، كما يقول تقرير لمجلة The American Prospect الأمريكية.
وتدور الصراعات الأكثر تدميراً وخراباً في هذا القرن في الشرق الأوسط، في سوريا واليمن وليبيا. في الوقت الذي أُقيمَت فيه مراسم توقيع سلام في البيت الأبيض للاحتفال بـ”فجر شرق أوسط جديد”، على حدِّ تعبير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. إذاً، هل من عروض أملٍ لسوريا أو اليمن أو ليبيا؟ عذراً، لم نحصل على أيِّ شيءٍ من هذا القبيل (رغم أن الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل نشطون في ما بينهم بخصوص مناطق الصراع الثلاث هذه).
منذ قيامها، خاضت إسرائيل ما لا يقل عن ست حروب شاركت فيها دولٌ عربيةٌ مختلفة، وربما خمس حروب أخرى إذا حسبنا الحملتين ضد الانتفاضتين الفلسطينيتين والتصعيدات الدورية مع غزة والدمار الذي حدث هناك. أدَّت هذه الحروب بشكلٍ تراكمي إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا.
هل التوقيعات الاحتفالية يوم الثلاثاء الماضي على المعاهدة من شأنها أن تهدِّئ على الأقل من ذلك؟ الدمار الواقع في المنطقة كما تقول المجلة الأمريكية.
سلام دون حرب سابقة!
وقَّعت الإمارات والبحرين ما أُطلِقَ عليه اتفاق أبراهام في حديقة البيت الأبيض، حيث تلتزم الدولتان بتطبيع وإجراء علاقاتٍ ممتدة مشتركة مع إسرائيل تتجاوز بكثير التبادلات المحدودة الجارية بين إسرائيل ومصر والأردن. لكن الإمارات والبحرين لم تكونا قط في حالة حربٍ مع إسرائيل؛ لم تُطلَق رصاصةٌ من أيٍّ منهما ضد إسرائيل؛ ليس لديهم أيُّ نزاعٍ إقليمي أو أيُّ نزاعٍ آخر لم يصل إلى حل، وعواصمهم تبعد 1260 ميلاً و1000 ميل على التوالي عن القدس.
نعم، إنهما دولتان عربيتان، لكنهما أيضاً دولتان عربيتان تربطهما علاقات تعاونٍ طويلة الأمد مع إسرائيل. إنهم متحالفون جغرافياً وسياسياً. والاحتجاج على أن مثل هذا التشخيص هو تشخيصٌ فج، لهو تظاهرٌ بالجهل. إنه لخطأٌ في فهم واقعٍ قائم على أنه تقدُّمٍ نحو صياغة واقع جديد. والأهم من ذلك أنه يسيء استخدام فكرة حلِّ النزاعات والسلام، ويطبِّقهما على تنميةٍ لا تقدِّم أياً منهما، بحسب المجلة الأمريكية.
جعجعة فارغة
إن قدرة دونالد ترامب على حزم وتسويق تقدُّم العلاقات الثنائية بين الدول التي ليست طرفاً في أيِّ نزاعٍ على أنها “سلام” لهو أمرٌ مثيرٌ للقلق، وأن يردِّد الديمقراطيون البارزون هذا الأمر لهو أمرٌ مُربِك.
إن تعزيز الحوار وتحسين العلاقات بين الدول أمرٌ جيِّد بشكلٍ عام وينبغي تشجيعه. ومن المؤكَّد أن إسرائيل والإمارات والبحرين لهم الحرية في القيام بذلك. ولكن بالإضافة إلى الإسراف المُفرِط الذي ضُخِّمَ به حدث ذو عواقب محدودة كهذا، فإن الاستخدامات المُعلَنة التي تعتزم بها الأطراف الرئيسية وضع هذه العلاقات الجيِّدة على أساسها هي التي ينبغي أن تكون مدعاةً للقلق.
في منطقةٍ من النزاع والصراعات، التي تنخرط أطراف اتفاق الثلاثاء في الكثير منها (البحرين بدرجةٍ أقل)، لا تقدِّم هذه الصفقات الجديدة شيئاً يُذكَر على صعيد دفع السلام في أيِّ ساحة، الأمر الذي يمكن وصفه “بجعجة فارغة”.
تحالف إسرائيلي – إماراتي لقتل الديمقراطية
شنَّت الإمارات وإسرائيل في السنوات الأخيرة هجماتٍ عسكرية، ودعمت أو قادت انقلاباتٍ وثوراتٍ مضادة، وقوَّضتا التحوُّلات الديمقراطية في 10 دولٍ أخرى على الأقل مُعتَرَف بها كأعضاء في جامعة الدول العربية (اليمن وليبيا وسوريا والعراق وفلسطين والسودان وتونس، بالإضافة إلى البحرين نفسها وربما قطر). ولا تجد الإمارات وإسرائيل نفسيهما في طرفين متعارضين في أيٍّ من هذا. ولن تستفيد أيٌّ من هذه الدول المذكورة من الاتفاقات المُوقَّعة.
يمكن فهم اتفاق أبراهام بأفضل صورة باعتباره انعكاساً وإضفاءً للطابع الرسمي، لا باعتباره تغييراً للواقع في المنطقة. من هذا المنظور، فإن الانعكاسات الناشئة عن هذا الاتفاق ضئيلة. لكن بقدر ما يمكن الشعور بالتأثير على نطاقٍ أوسع، فمن المُحتَمَل أن يكون هذا التأثير سلبياً، سواء في ما يتعلَّق بخطوط الصدع المُتعمِّقة والصراعات في المنطقة ككل، أو في ما يتعلَّق بمعاملة إسرائيل للفلسطينيين.
وليست علاقات إسرائيل مع بعض دول الخليج حديثة العهد. عند إطلاق محادثات مدريد العربية الإسرائيلية في عام 1991، كان هناك وجودٌ خليجي، وأضافت عملية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية المزيد من الزخم. وفي التسعينيات، كانت دول الخليج جزءاً من مجموعات عملٍ إقليميةٍ مشتركة، واستضافت وفوداً رسمية من إسرائيل.
أقامت إسرائيل والإمارات علاقات عمل وثيقة بشكلٍ خاص، وإن كانت سريَّةً في الغالب. وزادت هذه العلاقات إلحاحاً وظهوراً عرضياً خلال الأزمات الإقليمية، لا سيما في أعقاب انتفاضات عام 2011 التي وضعت إسرائيل والإمارات (بالإضافة إلى البحرين وغيرها) في المعسكر نفسه المعادي للثورة، وعلى الأخص في دعم وحتى المساعدة في هندسة انقلاب 2013 في مصر.
وتجري إسرائيل عمليات بيع مباشرة للمعدات العسكرية إلى الإمارات منذ ما يقرب من عقدٍ من الزمان. وكانت نشطةً في تزويد قيادة الدولة الإماراتية بأحدث برامج التجسُّس (التي تُستخدَم بصورةٍ حيوية ضد كلٍّ من المعارضين المحليين والخصوم الأجانب). وأجرت الدولتان تدريباتٍ عسكرية مشتركة بالفعل في عام 2016 كما في العامين الماضيين، قبل إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتهما، وقام ثلاثة وزراء في حكومة حزب الليكود الإسرائيلية بزعامة نتنياهو بزياراتٍ رسمية للإمارات.
انهيار النهج القومي العربي
لذلك فإن الاتفاق المُوقَّع حديثاً لا ينبغي أن يمثِّل مفاجأةً لأيِّ شخص، لا سيما الفلسطينيين. قد يُسدَّد الاتِّهام الذي يتردَّد في الغالب بالخيانة العربية من منظور معاناةٍ حقيقية، لكنه ينطوي أيضاً على شرطٍ موجود مُسبَّقاً للتضامن العربي الساعي إلى بلوغ الحقوق الفلسطينية.
لطالما كان النهج القومي العربي تجاه فلسطين ضعيفاً، وانهار بشكلٍ نهائي على الأقل منذ أربعة عقود حين ذهبت مصر، أهم دولة على خط المواجهة، منفردةً للتوصُّل إلى معاهدة سلامٍ مع إسرائيل. منذ ذلك الحين، تمثَّلَ أسلوب العمل الأساسي لمجموعةٍ من الدول العربية في الاختباء وراء الإجماع الشفهي في جامعة الدول العربية، وبكثافةٍ أكبر خاصةً بعد 11 سبتمبر/أيلول ومرةً أخرى بعد 2011، بينما يتَّبِعون نهجاً مزدوجاً تجاه العلاقات مع إسرائيل.
وبمجرد أن بدا من الواضح أن الجبهة العربية ليست مستعدة أو قادرة على تمثيل تهديد على إسرائيل للضغط عليها من أجل منح الحريات للفلسطينيين، استُخدِمَ تكتيكٌ آخر. تمثَّل هذا التكتيك في تقديم حوافز لإسرائيل حول التطبيع مقابل إنهاء الاحتلال، وحُدِّدَ في نهاية المطاف في مبادرة السلام العربية في مارس/آذار 2002. وأثبت ردُّ الفعل الإسرائيلي تجاه هذه المبادرة أن التطبيع لم يكن حافزاً كافياً لإسرائيل من أجل أن تدفع الثمن في صورة حقوقٍ وحرياتٍ للفلسطينيين.
لا شك في أن هذه الاتفاقات الجديدة بين إسرائيل والخليج تُشعِر الفلسطينيين بالضعف وتحمل خطر تدخُّل أكثر تخريبية في الشؤون الداخلية الفلسطينية. ولكن إذا ساعدت هذه الاتفاقات عن غير قصدٍ في التخلُّص من سياسة الزومبي العربية في القرن الماضي، فقد يساعد ذلك في رعاية إستراتيجيات سياسية فلسطينية أكثر فاعلية في المستقبل.
إن نضالاً فلسطينياً يركِّز على الحقوق والمساواة يمكن أن ينجح حيث لم ينجح مشروع بناء دولة تكنوقراطية في ظلِّ أوسلو. وبينما من غير المُحتَمَل أن يحظى ذلك بتأييدٍ من الأنظمة الإقليمية التي تتعارض مع القيم العالمية، فإن مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة تلقى صدىً واسع لدى الجمهور العربي، تماماً مثلما تلقى صدىً في مناطق أخرى في عالمنا، بما في ذلك لدى الفلسطينيين، بحسب المجلة الأمريكية.
مقامرة عالية المخارط
إن تواطؤ إسرائيل مع المستبدين العرب يجمع بين إنكار منح حقِّ الانتخاب للفلسطينيين الخاضعين للاحتلال وفي مخيَّمات اللاجئين مع حرمان قطاعاتٍ واسعة من السكَّان العرب من حرياتهم. وكما تُظهِر حركة “حياة السود مهمة” في الولايات المتحدة، فإن الأنظمة القائمة على الظلم هي بطبيعتها عُرضةً لمواجهة التحديات والاضطرابات. وهذا ينطبق بالقدر نفسه على الشرق الأوسط وعلى الواقع الفلسطيني-الإسرائيلي. ولا شك في أن القيادة الفلسطينية مُنقسِمة وتفتقر إلى الرؤية والاستراتيجية. لكن لا ينبغي خلط ذلك برغبة الفلسطينيين في قبول وضعٍ دائمٍ يعيشون فيه باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية. إن الصمود الفلسطيني أمرٌ حقيقي، وهو ما يجعل تجريد إسرائيل من خيار الدولتين مقامرةً عالية المخاطر.
إن تأجيل إسرائيل لعمليات الضم في الضفة الغربية مقابل التطبيع الإماراتي لا يُشار إليه باعتباره التزاماً بمعاهدة بأيِّ حال. فلا شأن للاتفاق بالتعامل مع الترسيخ المستمر للسيطرة الإسرائيلية الدائمة والفعلية، والتطبيق غير المتكافئ للقوانين، والحرمان من الحقوق الفلسطينية الأساسية. ببساطة، ليست هناك مُخرَجات إسرائيلية لتحسين الوضع الفلسطيني، والتاريخ لا يدعم فكرة أن الدول العربية التي تقيم علاقاتٍ سلمية مع إسرائيل تكون في وضعٍ أفضل للضغط على القضية.