هجمات متعددة ضد أهداف صينية بباكستان.. هل تصبح بكين العدو الجديد للجماعات المسلحة بالمنطقة؟

تصاعدت الهجمات ضد الأهداف الصينية في كثير من مناطق باكستان، التي تشهد تمردات محلية، ما يُنذر بأن تتحول بكين إلى العدو الجديد للجماعات العرقية والدينية بمنطقة جنوب ووسط آسيا.

فمع الوعي باضطهاد الإيغور، والغضب من المشاريع الاستثمارية لبكين، من المُحتَمَل أن يعاني المواطنون والشركات الصينية جرَّاء ذلك، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

إذ تقول المجلة “مع القوة الكبيرة تأتي مسؤوليةٌ كبيرة، لكن القوة العظمى تجتذب أيضاً الحقد والغضب والأعداء”.

هذا شيءٌ تتعلَّمه الصين في وقتٍ متأخِّر -وهو أمرٌ يثير استياءها كثيراً- في باكستان، حيث تواجه مشاريعها الاستثمارية تعقيداتٍ، ويُستهدَف مواطنوها ومنشآتها بشكلٍ متزايد من قِبَل المنظمة الإرهابية المحلية، من الجماعات الجهادية، من حركة طالبان باكستان، إلى الانفصاليين العرقيين في بلوشستان والسند.

لدى الصين احتياجات استراتيجية في الحفاظ على الاستقرار في آسيا الوسطى وجنوب آسيا، واستمرار الأنظمة المستبدة في هذه المنطقة التي ترتبط عرقياً ودينياً بالإيغور؛ حيث إن معظم قوميات دول آسيا الوسطى من المسلمين المنتمين للعرق التركي مثل الإيغور، ويطلق كثير من الإيغور على منطقتهم اسم تركستان الشرقية؛ امتداداً لاسم تركستان الذي يطلق على الجزء الذي خضع لحكم موسكو قبل أن يستقل عنها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وكلمة تركستان تعني وطن أو أرض الأتراك.

يمكن أن يكون لعدم الاستقرار والعنف من قبل الجماعات الراديكالية في أفغانستان تأثير الدومينو ليلقي بتبعات على الإيغور الذين يعانون من حملة اضطهاد صينية واسعة، وقد يحصل المنشقون الإيغور أيضاً على قاعدة في أفغانستان من طالبان.

تصاعُد وتيرة الهجمات ضد الأهداف الصينية في باكستان

لطالما كانت الصين في مرمى النشطاء الباكستانيين، لكن في الآونة الأخيرة يبدو أن وتيرة الهجمات آخذةٌ في الازدياد، فقد شهد يوم الجمعة الماضي المحاولة الأخيرة من ضمن هذه الهجمات، هذه المرة من قِبَلِ جيش تحرير بلوشستان ضد وسائل النقل الصينية في مدينة جوادر الباكستانية.

وكانت الجماعة قد استهدفت مراراً أهدافاً صينية في باكستان، بما في ذلك القنصلية الصينية في كراتشي في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حسب تقرير مجلة Foreign Policy.

وتباينت التقارير فيما يتعلَّق بضحايا هذا الهجوم الأخير، حيث زعم جيش تحرير بلوشستان أنه قَتَلَ ستة مواطنين صينيين وثلاثة حرَّاس أمن، بينما تزعم السلطات الصينية والباكستانية أن مواطناً صينياً أُصيبَ وطفلين صينيَّين قد قُتِلا (يزعم جيش تحرير بلوشستان أن الطفلين قُتِلا بسبب إطلاق نار عشوائي من القوات الباكستانية).

وها هي تحاول التواصل مع طالبان لتجنب مصير أمريكا

أصبحت باكستان نموذجاً مُصغَّراً لواقعٍ أكبر سيتعيَّن على بكين مواجهته عالمياً. والقوة العالمية على المسرح العالمي تجتذب غضب المنظمات الإرهابية. قد يكون استعداد بكين للتعامل مع طالبان محاولةً لاستباق مثل هذه المشكلات في أفغانستان الجديدة، لكن التاريخ يُظهِر أن هذه مقامرةٌ محفوفةٌ بالمخاطر بالنسبة لبكين.

حاولت الصين إبرام صفقةٍ سابقة مع طالبان قبل 11 سبتمبر/أيلول، لحملهم على فعل شيءٍ حيال جماعات الإيغور، التي لاحظ الصينيون تجمُّعها في أفغانستان، لكن من غير المُرجَّح أن طالبان فعلت أيَّ شيءٍ حيال تلك الجماعات.

ولكن هذه المرة تبدو طالبان هي الحريصة على التقارب مع الصين، حيث قال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم حركة طالبان، إن الصين هي شريكتهم الرئيسية، وتمثل “فرصة أساسية ورائعة ومستعدة للاستثمار وإعادة بناء البلاد”، مضيفاً في حواره لصحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية، أن “الصين هي بوابتنا للأسواق حول العالم”.

وسبق أن التقى وفد من طالبان وزير الخارجية الصيني وانغ يي، لكن وجود المقاتلين الأجانب في البلاد سوف يعيق فرص الاستقرار إلى “حل سلمي للصراع”. إذ يوجد في ولاية بدخشان الأفغانية، مقاتلون من الشيشان والإيغور من سنغان، وذلك وفقاً لعدد من المسؤولين من بينهم نائب حاكم الولاية السابق، أختر محمد خيرزادة.

قال مسؤول أمني في الحكومة الأفغانية السابقة: “تدَّعي طالبان أن (أعضاءها) أبطال عظماء للمسلمين، لكنهم لم يشتكوا قط بشأن ما يحدث للسكان الإيغور في سنغان. يستمر لعبهم على الوجهين، في الوقت الراهن، باستضافة من وصفهم بالـ”متطرفين من الإيغور”.

من المُحتَمَل ألَّا تختلف الصفقة الجديدة التي أبرمتها بكين وطالبان عن سابقتها في المخاوف المحيطة بها، ولكن أصبح هناك الآن سؤالٌ إضافي يتعلَّق بالعدد الكبير من المواطنين الصينيين الذين يمكن العثور عليهم في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك العديد من روَّاد الأعمال الجريئين في كابول، الذين قد لا يلتزمون بالقوانين العديدة التي سوف تفرضها طالبان. لن يساعد أيُّ من ذلك بكين في التغلُّب على المشكلة الأكبر، المتمثِّلة في الأعداء الحتميين الذين تجتذبهم باعتبارها قوةً عظمى.

الصين تتهم حركة تركستان الشرقية

جاء هجوم ميناء جوادر الباكستاني يوم الجمعة الماضي في أعقاب مقتل تسعة مهندسين صينيين كانوا يعملون في مشروع داسو للطاقة الكهرومائية في مقاطعة خيبر بختونخوا الباكستانية، وهو هجومٌ غير معلوم من يتحمَّل مسؤوليته.

بعد وقتٍ قصيرٍ من هذا الهجوم، أُطلِقَت النار على مواطنين صينيين وأُصيبَ آخر في كراتشي من قِبَلِ جماعةٍ انفصالية أخرى في بلوشستان (جبهة تحرير البلوش). وفي مارس/آذار، أصابت جماعة انفصالية من السند مواطناً صينياً في هجومٍ في كراتشي أيضاً. وجاء ذلك في أعقاب واقعتين مماثلتين في ديسمبر/كانون الأول.

الهجمات ضد الأهداف الصينية في كثير من مناطق باكستان
الصين تحتجز عدداً كبيراً من الإيغور في معكسرات اعتقال:

الواقعة الخطيرة أيضاً أن سفير الصين في باكستان، نونغ رونغ، كان قد نجا بأعجوبةٍ من هجومٍ من قِبَلِ طالبان باكستان، في أبريل/نيسان، في فندق سيرينا في مدينة كويتا. وتأتي مسؤولية هذه القائمة القاتمة من الهجمات من مجموعةٍ متزايدة من الأطراف، ما يسلِّط الضوء على الطبيعة المتصاعدة للمشكلة التي تواجهها الصين في باكستان.

كان الهجوم في داسو أخطر هذه الهجمات، وقد نسبته المصادر الصينية إلى حركة تركستان الشرقية الإسلامية، وهي جماعةٌ يُستخدَم اسمها في الغالب للإشارة إلى الحزب التركستاني الإسلامي، وتعمل في انسجامٍ مع حركة طالبان باكستان. وانتهزت باكستان والصين الفرصة لإلقاء اللوم على الهند، وهو اتِّهام دائم يُلقى عليها في الهجمات الإرهابية التي تقع في باكستان، حسب المجلة الأمريكية.

وبكين قد تربط اعترافها بطالبان بالتصدي لهذه الجماعة

وبشكلٍ أكثر رسميةً يبدو أن بكين وسَّعت دائرة اللوم خلال زيارة طالبان الأفغانية للصين التي استمرَّت يومين، حسب المجلة الأمريكية.

إذ طالَبَ وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، طالبان بفصل نفسها عن حركتي تركستان الشرقية الإسلامية وطالبان باكستان، واتِّخاذ إجراءاتٍ ضدهما في أفغانستان باعتبارهما “تهديداً مباشراً للأمن القومي الصيني”.

ورغم عدم ذِكر الأمر صراحةً، بدا البيان وكأنه طلقةً تحذيرية، ما يشير إلى شرطٍ لاعتراف بكين بحكومة طالبان أثناء تولِّي الجماعة السلطة في أفغانستان. واصلت بكين التركيز على الجماعة باعتبارها مصدر قلقٍ بارزاً قد يتجذَّر أكثر، ومن المُحتَمَل أن ينبع من عدم الاستقرار الذي من المُرجَّح أن يتبع سيطرة طالبان على أفغانستان، وليس من الواضح مدى ثقة بكين في تأكيدات طالبان بشأن هذه التهديدات.

لكن الزيادة المُفاجِئة في الهجمات الإرهابية على المواطنين الصينيين والمشاريع الصينية في باكستان تؤكِّد كيف يتطوَّر التشدُّد المناهض للصين على خلفية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

الأمر قد يكون أكبر من قدرة الحركة

ربما تعمل الصين على تطوير علاقتها مع طالبان جزئياً للتخفيف من هذه المخاوف، لكن المشكلة أكبر بكثيرٍ مِمَّا يمكن لقادة طالبان السيطرة عليه. في السابق، كانت الجماعات الجهادية متناقضةً إلى حدٍّ كبيرٍ بشأن الصين.

ونُقِلَ عن أسامة بن لادن قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001، قوله إن بكين قد تكون حليفاً استراتيجياً للجماعات الجهادية، نظراً لعدائها إزاء الولايات المتحدة، لكن في ذلك الوقت كان يُنظَر إلى الصين باعتبارها دولةً نامية، بينما هي الآن ثاني أكبر اقتصادٍ في العالم، وأصبحت بشكلٍ متزايد فاعلاً أهم في الساحة الأفغانية، وهذا يغيِّر النظرة السائدة عن الصين، ويجلب توتُّراً مع هذا التغيُّر.

يتجلَّى هذا التوتُّر بشكلٍ واضحٍ في باكستان، ورغم أن بكين وإسلام آباد صديقان حميمان وشريكان استراتيجيان، فإن باكستان كانت على الدوام موقعاً لأكبر عددٍ من الهجمات الإرهابية على المواطنين الصينيين من أيِّ بلد.

قد يسوء هذا الوضع بصورةٍ أكبر بالنسبة لبكين، فعلى مدار العقدين الماضيين أبقى الوجود الأمريكي في أفغانستان التهديد الإرهابي القادم من تلك الدولة تحت السيطرة، ما كان يعني أن الصين لم تكن بحاجةٍ إلى الانشغال كثيراً بالتحديات الأمنية، لكن مع مغادرة الولايات المتحدة تلاشى هذا الحاجز الأمني.

سعت الصين إلى تعزيز دفاعاتها المباشرة مع أفغانستان من خلال بناء قواعد وتقديم الدعم للقوات الطاجيكية والباكستانية على جانبي ممر واخان، إلى جانب بناء قواعدها المباشرة في طاجيكستان، وقواعد لقوات الحكومة الأفغانية السابقة في بدخشان (وضعها الحالي غير معروف ولكن من المُفتَرَض أنها تحت سيطرة طالبان الآن).

جرى هذا الجهد المحدود إلى حدٍّ ما عندما كانت الولايات المتحدة لا تزال هناك وتقدِّم تأكيداتٍ نهائية لإبقاء الجماعات المسلَّحة تحت السيطرة، وحتى المساعدة في استهداف الجماعات المعادية للصين. في فبراير/شباط 2018، استهدف الجيش الأمريكي سلسلةً من المعسكرات في بدخشان، التي كانت تُستخدَم من قِبَلِ طالبان وحركة تركستان الشرقية الإسلامية.

الجماعات الدينية تنضم إلى القوميين المتشددين في العداء للصين

قد تتفاقم مشكلة الصين، فبينما كانت الولايات المتحدة هي الطرف المتلقي للهجمات الجهادية لتدخُّلها في أفغانستان، ولما كان يُنظَر إليه باعتباره حملةً صليبيةً أوسع ضد المسلمين نتيجة الحرب العالمية على الإرهاب، فإن الصين تواجه غضب الجهاديين والجماعات العرقية الانفصالية الإسلامية في المنطقة.

تنظر الجماعات السندية والبلوشية الانفصالية إلى الصين باعتبارها قوةً استعمارية جديدة تغتصب مواردها وتتشارك مع خصمها الأساسي؛ الدولة الباكستانية، لتفاقم من تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية بالفعل. تجلَّى ذلك بوضوح في إعلان جبهة تحرير البلوش مسؤوليتها عن إطلاق النار على المواطنين الصينيين في كراتشي؛ إذ قالت: “تحت عباءة مشاريع التنمية لا تتواطأ الصين فقط مع الدولة الباكستانية في نهب الموارد البلوشية، بل تساعد أيضاً في اضطهاد البلوش”.

كانت الجماعات الجهادية أقل تركيزاً في غضبها ضد الصين، وظلَّت ترى الولايات المتحدة والغرب باعتبارهم الخصوم الخارجيين الأساسيين، لكن في الوقت نفسه هناك تصاعدٌ ملموسٌ في روايات الدعاية المُوجَّهة ضد الصين. وغالباً ما يرتبط هذا باضطهاد بكين لمجتمع الإيغور المسلم المُحاصَر في منطقة شينجيانغ الصينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى