هل باتت الحرب النووية أقرب إلينا مما نظن؟ تعرف على الدول الأقرب لاستخدام هذا الخيار الانتحاري
فلقد ذكَّرت الحرب في أوكرانيا والمفاوضات المتعثرة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران العالم بمدى أهمية الحد من التسلُّح وحظر الانتشار النووي للأمن والسلم الدوليين. وأكَّدتا أيضاً مدى الصعوبة التي سيكون عليها التفاوض حول أي اتفاقيات للحد من التسلُّح وحظر الانتشار النووي في المستقبل المنظور، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
النادي النووي- أي الدول التي تمتلك أسلحة نووية- يضم 9 أعضاء، على رأسها روسيا والولايات المتحدة، وتمتلكان معاً نحو 90% من الترسانة النووية العالمية، تليهما الصين وفرنسا وبريطانيا، ثم باكستان والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية.
وقالت الحكومة الروسية الأسبوع الماضي إنها منفتحة على بدء مباحثات جديدة بشأن الاستقرار الاستراتيجي وحظر الانتشار النووي، لكنَّ العدوان الروسي على أوكرانيا قد دمَّر تقريباً الدعم السياسي الغربي لمفاوضات الحد من التسلُّح في الوقت الذي تُعَد فيه الحاجة إلى تلك المفاوضات أشد ما يكون.
خطر الحرب النووية تصاعد بعد أزمة أوكرانيا
والفوائد المتبادلة لاستعادة الاتفاق النووي واضحة للجميع تقريباً، لكنَّ الجوانب الداخلية في الولايات المتحدة التي تخص السياسة تجاه إيران تجعل البقاء طويل المدى لأي اتفاق مع إيران غير مُرجَّح في أفضل الأحوال.
كما أن الأزمة الأوكرانية صعدت احتمال الحرب النووية بين أمريكا وروسيا.
يبدو مستقبل الحد من التسلُّح وحظر الانتشار النووي قاتماً في الوقت الراهن، لكنَّ هذا هو السبب في أنَّه يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها رفض الإغراءات السهلة للقيام بمزيد من التحشيدات العسكرية والحروب غير الضرورية، حسب الموقع الأمريكي.
ومع أنَّ هالة الحظر (التابو) الموجودة حول استخدام الأسلحة النووية لم تنكسر حتى الآن، فإنَّ خطر التصعيد في أوكرانيا خلق مخاوف شرعية من إمكانية لجوء الحكومة الروسية لاستخدام الأسلحة النووية.
بوتين يلوح بالأسلحة النووية
وبعد فترة وجيزة من غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، قال الرئيس فلاديمير بوتين إنه سينقل أسلحته النووية إلى وضع الاستعداد للقتال. ومع استمرار الغرب في إمداداته من الأسلحة إلى أوكرانيا، صعّد بوتين خطابه عن الهجوم النووي بوتيرة مذهلة.
وبعد أشهر، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى تشريد الملايين وقتل الآلاف وتدمير مدن متعددة. لكن أوكرانيا لم تسقط رغم عدم امتلاكها قنبلة نووية. وقد أثار هذا مخاوف من أن بوتين المحبط قد يستخدم سلاحاً تكتيكياً (منخفض القوة ولكنه لا يزال مدمراً بشكل لا يمكن تصوره).
وللأسلحة النووية التكتيكية نطاقات قصيرة ولا تؤدي إلى حرب شاملة. ويمكن وضعها على الصواريخ أو إطلاقها كقذائف مدفعية على مسافات قصيرة نسبياً. كما تم تطوير أسلحة نووية تكتيكية للطائرات والسفن لاستهداف الغواصات.
وتمتلك روسيا 2000 قنبلة نووية تكتيكية مقابل 200 فقط لدى أمريكا، أما وسائل توصيل وإطلاق تلك الأسلحة فتتفوق فيها موسكو بنسبة 4 إلى واحد، فكيف انقلبت معادلة الردع النووي؟ وماذا يعني ذلك؟
قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في 22 مارس/آذار 2022، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يلجأ إلى السلاح النووي في حال تعرض روسيا لـ”خطر وجودي”، دون توضيح المقصود بذلك.
والعقيدة النووية الروسية لا تشترط أن تقوم دولة معادية باستخدام مثل هذه الأسلحة ضد روسيا أولاً، أي أنها تتيح إمكانية أن تبدأ روسيا باستخدام الأسلحة النووية.
والآن دولة من الناتو تحاصر إقليماً روسياً
كان هذا الخطر كامناً بشكل أكبر في بداية الحرب، بعدما تعثر الجيش الروسي في محيط العاصمة كييف، ولكن الآن فإنه يتقدم في إقليم دونباس بشرق أوكرانيا، حتى لو كان ببطء، ولكن تظل هناك مخاطر ماثلة بشأن إمكانية الوصول لهذا الخيار المهلك، في ظل حصار ليتوانيا عضو الناتو والاتحاد الأوروبي لجيب كالينيغراد الروسي، الذي هو إقليم تابع لموسكو معزول عن باقي أراضي روسيا، لأنه محاط بليتوانيا وبولندا.
وهدّد رئيس مجلس الأمن في الكرملين نيكولاي باتروشيف “سكان ليتوانيا” بعواقب وخيمة، بعد رفض خط السكة الحديد الليتواني السماح لبعض البضائع بالعبور إلى جيب كالينينغراد.
وشدد رئيس لجنة حماية سيادة الدولة في الغرفة العليا للبرلمان الروسي، أندريه كليموف، على أهمية أن يحل الاتحاد الأوروبي المشكلة المتعلقة بإعاقة نقل السلع إلى منطقة كالينينغراد، وتوعد قائلاً: “وإلا ستحل روسيا المشكلة بنفسها”.
وحتى الآن، وقف حلف شمال الأطلسي المسلح نووياً إلى جانب أوكرانيا، ولكن ليس في قتال مباشر لأنه ليس جزءاً من التحالف العسكري الغربي.
ولكن خلال الحرب الباردة كان المعنيون يخشون أن تقع الحرب النووية بطريق الخطأ أو نتيجة سوء فهم، أو أن يبادر طرف باستخدامها لأنه يفترض أن قد ينهي على الخطر الذي يمثله خصمه أو لاستباق القضاء على هذا الخطر، ورغم أن الغواصات النووية القادرة على التملص من الرصد، قد قللت من هذا الاحتمال، لأن الأسلحة النووية التي تحملها يمكن أن تدمر البلد المعادي حتى لو تعرضت بلادهما للتدمير، مما جعلها خياراً انتقامياً لا يمكن تحييده، إلا أن المخاوف من تصاعد الأمور عادت بقوة بعد الحرب الأوكرانية تحديداً.
الولايات المتحدة أقرب للحرب النووية من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة
على الجانب الآخر، يؤدي التأكيد في الولايات المتحدة على “تنافس القوى الكبرى” والاستعداد في بعض الأوساط للتفكير في الصراع المباشر مع الدول النووية إلى جعل الولايات المتحدة أقرب إلى حافة الحرب النووية مما كانت عليه طوال عقود، حسب موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
فالولايات المتحدة الآن على حافة سباقَي تسلُّح جديدين ومدمرين مع كل من روسيا والصين في نفس الوقت، وهما سباقان ينبئان بأن يمثلا هدراً وخطراً بقدر ما كان يمثله سباق التسلُّح إبَّان الحرب الباردة. ويجعل ذلك العمل من أجل نزع السلاح أمراً أكثر أهمية بكثير.
وقد ارتفعت، وانخفضت، حظوظ الحد من التسلُّح بحسب الدعم الأمريكي لهذين الاتفاقين. وأنشأت الولايات المتحدة هيكل الحد من التسلُّح الذي قيَّد في البداية ثم قلَّص الترسانتين النوويتين الأمريكية والسوفييتية، واضطلعت بدور ريادي في وضع أساس عدم الانتشار النووي من خلال “معاهدة حظر الانتشار النووي”. ودمَّرت الولايات المتحدة في العقود الأخيرة أيضاً العديد من الإنجازات الكبرى من تلك الحقبة السابقة من خلال الانسحاب، ومن ثَمَّ القضاء على “معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية”، و”معاهدة القوى النووية متوسطة المدى”، و”معاهدة السماوات المفتوحة”.
كانت اتفاقية “نيو ستارت” على بُعد أيام من انقضائها حين جددها الرئيس بايدن العام الماضي، 2021، وهي المعاهدة الوحيدة المتبقية من معاهدات الحد من التسلُّح دون وجود اتفاق بديل قيد التطوير. وقد أصبحت الولايات المتحدة والعالم بالفعل أقل أمناً مما كانا قبل انقضاء هذه المعاهدات، وإذا لم تعمل الولايات المتحدة على التوصل إلى معاهدة جديدة تحل محل معاهدة “نيو ستارت”، سيكون الوضع أكثر خطورة بالنسبة لنا جميعاً.
واشنطن تتحمل مسؤولية تدهور جهود حظر الانتشار النووي
ولن ينجح أي اتفاق للحد من التسلُّح ما لم يكن ممكناً الاعتماد على التزام الولايات المتحدة به على المدى الطويل. فلن تتحمَّل أي دولة أخرى عناء التفاوض والتصديق على معاهدات جديدة إذا كان من المحتمل أن تمزقها الولايات المتحدة بكل سهولة في غضون سنوات قليلة.
وما لم تتم إعادة بناء إجماع أكبر على كون الحد من التسلُّح أمراً مهماً وضرورياً للأمن الأمريكي، فعلى الأرجح لن يجري التصديق على أي معاهدة جديدة.
سيكون ذلك صعباً للغاية الآن، بالنظر إلى العداء الأيديولوجي القوي والمتوقع لأي وكل اتفاق للحد من التسلُّح في أوساط الصقور الجمهوريين.
سيناريو الحرب النووية بين أمريكا والصين يتصاعد مع تقليد الأخيرة لروسيا
أدى اكتشاف الأقمار الصناعية التجارية مؤخراً لثلاثة مواقع بناء صينية لصوامع كبيرة، إلى قلق أمريكي بشأن توسيع بكين لترسانتها النووية، حسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
يعتقد قائد عسكري نووي أمريكي كبير سابق أنَّ الصينيين بإمكانهم خلال عامين إلى أربعة نشر عدد أكبر من الرؤوس الحربية– بما يصل إلى 3500 رأس- في وقتٍ من المقرر أن يبدأ فيه التحديث النووي الأمريكي في عام 2028 /2029، وسيصل حينها إلى 1550 رأساً حربياً فقط.
من ناحية أخرى، تُعَد القوات النووية الأمريكية محدودة بـ1550 رأساً حربياً رسمياً بموجب الالتزامات التعاهدية، ولو أنَّ الأرقام الرسمية من الحكومة الأمريكية تشير إلى أنها تحتفظ بقوة نووية تتألف من رؤوس حربية أقل بقليل بصفة يومية، كما تقول مجلة The National Interest الأمريكية.. وذلك بسبب حقيقة أنَّ القاذفات الأمريكية ليست في حالة تأهب وليست مُسلَّحة نووياً بصفة يومية.
يجادل نائب رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة جون هايتن بأنَّ الولايات المتحدة تظل ضمن هيكل “بطيء” (للحصول على الأسلحة النووية) لا يسمح لها بالرد بصورة أسرع على التهديدات الناشئة تجاه أمنها.
لذا، في حين تبدأ الخطوط العريضة للتهديد النووي الصيني الجديد في الظهور، فإنَّ الخطط والقوة النووية الصينية واتساعها ببساطة غير معروفين بصورة كاملة. إضافة إلى ذلك، لا تخضع تلك القوات لأي تفتيش أو تدقيق من الممكن أن ينتج عن اتفاق ضبط تسلح أو تقديم صيني لمعلومات نووية.
فكما أوضح قائد القيادة الاستراتيجية الأمريكية الأدميرال تشارلز ريتشارد، لا يسعى الصينيون للحصول على قوة ردع محدودة أو صغيرة فحسب، بل قوة ردع مشابهة لروسيا.
الحرب النووية المحتملة بين واشنطن وكوريا الشمالية
هددت كيم يو جونغ، شقيقة زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، في مطلع أبريل/نيسان 2022، بأن بلادها ستضرب جارتها الجنوبية بأسلحة نووية، إذا تعرضت لضربة استباقية من قبل سيول، وذلك رداً على تصريحات لوزير الدفاع الكوري الجنوبي اعتبرتها بيونغ يانغ تلويحاً بشن هجوم استباقي على الشمال، حيث قال إن جيش بلاده لديه مجموعة متنوعة من الصواريخ ذات مدى إطلاق ودقة وقوة تحسنت كثيراً، مع “القدرة على إصابة أي هدف بدقة وسرعة في كوريا الشمالية”.
وأمر الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون في مطلع يونيو/حزيران 2022، بتعزيز القدرات الدفاعية للبلاد وسط مخاوف دولية من إجراء بيونغ يانغ أول تجربة نووية لها منذ 5 سنوات.
وكان قد تم تسريب خطة عسكرية أمريكية وضعت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، تشمل إسقاط 80 قنبلة نووية على كوريا الشمالية من جانب الجيش الأمريكي.
ورداً على المناقشات حول التدريبات العسكرية الثلاثية التي أجراها الرئيس الكوري الجنوبي “يون سيوك-يول” مع نظيره الأمريكي “جو بايدن” والياباني “فوميو كيشيدا” على هامش قمة الناتو التي عقدت مؤخراً بإسبانيا، قالت كوريا الشمالية إن: “السلام والأمان العالميين أصبحا في أخطر حالاتهما بعد نهاية الحرب الباردة، حيث قد تندلع الحرب النووية فجأة في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ”.
الاتفاق النووي الإيراني في مرحلة حرجة
الوضع الحالي للاتفاق النووي مع إيران ليس مشجعاً كذلك. ففي حين يظل الاتفاق عملياً قائماً لأنَّ معظم أطرافه لم تتنصل منه بعد، فإنَّ الاتفاق النووي في حالة حرجة. وهناك شكوك أن يتجاوز الاتفاق عتبة هذا العام، وإذا ما فعل، فإنَّه سيكون عبارة عن قشرة من الاتفاق السابق ما لم يتغيَّر شيءٌ ما قريباً.
وحتى لو جرت استعادة “خطة العمل الشاملة المشتركة” وعادت جميع الأطراف إلى الامتثال الكامل، فمن المرجح أن تتراجع عنه أي إدارة أمريكية مستقبلية مجدداً. وإذا انهار الاتفاق النووي في وقتٍ أبكر حتى من ذلك، فسيمثل ذلك ضربة لقضية حظر الانتشار النووي. وإذا ما انسحبت إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي رداً على انسحاب أمريكي ثانٍ، فستكون تلك انتكاسة أخطر بكثير.
منذ تولي إدارة بايدن السلطة قبل نحو عامين، فإن الدبلوماسيين الغربيين ما انفكوا يرددون بأن إيران أمامها بضعة أشهر قبل أن تكون قادرة على صنع قنبلة نووية، ولكن مرت هذه الأشهر دون حدوث ذلك.
في عام 2018 عرضت إسرائيل ما قالت إنها أرشيفات أخذتها سراً من إيران والتي أظهرت أن إيران تواصل السعي وراء المعرفة بالأسلحة النووية بعد عام 2015- على الرغم من أن إيران وصفت الاتهام بأنه “سخيف”.
وتعتقد وكالات الاستخبارات الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كان لديها برنامج أسلحة نووية أوقفته. وهناك أدلة تشير إلى أن إيران حصلت على تصميم لسلاح نووي ونفذت أنواعاً مختلفة من الأعمال ذات الصلة بصنعها.
قبل الاتفاق النووي كان لدى إيران كمية كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% وعدد من أجهزة الطرد المركزي، وقد قُدر الوقت اللازم لإنتاج القنبلة النووية الإيرانية من قبل البعض بحوالي شهرين إلى ثلاثة أشهر.
أدى الاتفاق إلى إبطاء “وقت الاختراق” إلى عام على الأقل. لكن تخلي إيران عن التزاماتها بشأن التخصيب يمكن أن يسرّع ذلك.
على الرغم من أنه ظل غير مؤكد ما إذا كانت طهران ستتخذ القرار النهائي لبناء أسلحة نووية، فقد طورت مجموعة من التقنيات، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم وتصميم الرؤوس الحربية وأنظمة الإطلاق، والتي من شأنها أن تمنحها هذا الخيار في إطار زمني قصير نسبياً.
بعد هذه الخروقات يقول العديد من الدبلوماسيين والخبراء النوويين إن القول بأن الوقت اللازم لإنتاج القنبلة النووية الإيرانية هو “سنة” هو تقدير مبالغ به وإن إيران ستحتاج إلى وقت أطول لتحقيق ذلك.
إذا جمعت إيران كمية كافية من المواد الانشطارية، يمكنها تجميع قنبلة واحدة وربما تكون صغيرة بما يكفي لتحملها صواريخها الباليستية.
كم من الوقت سيستغرق ذلك بالضبط غير واضح، لكن تخزين ما يكفي من المواد الانشطارية يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أكبر عقبة في إنتاج سلاح.
ولكن اللافت هنا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية سبق أن قالت إن إيران لا تمضي قدماً في عملها النووي بالسرعة التي تتيحها لها إمكانياتها.
يشير تقييم الوكالة إلى أن الطرفين يسيران على حبل مشدود، تحاول إيران التلويح بأنها تقترب من الوصول للقنبلة الذرية ولكن بمعدل بطيء لا يستفز الغرب ويدفعه لعمل متهور مع إحاطة الجدول الزمني تحديداً بالغموض.
النبأ الجيد هو أنَّ كل الدول تقريباً، بما في ذلك إيران، لا تزال ملتزمة بمعاهدة حظر الانتشار النووي ولا تسعى لصناعة أو حيازة أسلحة نووية. وبالمقارنة مع حقبة الحرب الباردة، بالكاد توجد أي قضايا تخص دولاً محتملة ساعية لحيازة الأسلحة النووية.
احتمالات الحرب النووية بين الهند وباكستان
المكان الذي يحتمل أن تندلع فيه حرب نووية مدمرة أكثر من غيره، لا يلقى الاهتمام الكافي، إنه منطقة جنوب آسيا.
فلقد أصبح خطر احتمال حرب نووية بين الهند وباكستان ماثلاً أكثر من ذي قبل.
وفي عام 2019، حذر رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان من وقوع حرب بين بلاده والهند، بعد أن قامت الأخيرة بإلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة.
ولم يكن تحذير عمران خان من وقوع حرب بين بلاده والهند بسبب قرار الأخيرة مبالغاً فيه، فقد نشبت أربع حروب بين البلدين ثلاثة منها بسبب كشمير.
وازدادت الاحتمالات ليس فقط بسبب توسع نيودلهي في اضطهاد المسلمين في كشمير وغيرها من الولايات فقط، ولكن أيضاً بسبب تجرئها في سياستها العدوانية مع باكستان.
ففي فبراير/شباط 2019، نفذت الهند أول ضربة جوية داخل باكستان منذ الحرب الهندية الباكستانية عام 1971، رداً على هجوم مسلحين يطالبون باستقلال كشمير، أسفر عن مقتل 40 من أفراد الشرطة الاحتياطية المركزية الهندية.
وفي مقابل التفوق العسكري والسكاني والاقتصادي الكبير للهند، تُصِرُّ باكستان على أنَّها قد تستخدم أسلحة نووية كسلاحٍ للضربة الأولى، ومن بين الأسباب التي قد تدفع إلى هذا تعرُّض جزء كبير من الجيش الباكستاني للتدمير، أو توغل القوات الهندية عميقاً داخل الأراضي الباكستانية. وتقول إسلام آباد كذلك إنَّها قد تأذن بشن ضربة في حال فرض حصار هندي مدمر، أو تزعزع الاستقرار السياسي لديها بتحريضٍ من الهند.
يُقدَّر ما تملكه الهند وباكستان بأكثر من 260 رأساً حربياً. وعلى الأرجح تصل القوة التدميرية لبعض تلك الرؤوس الحربية إلى ما يتجاوز 15 كيلوطناً، وهي القوة التدميرية الضئيلة نسبياً بالمقارنة مع الرؤوس الحربية الاستراتيجية الحديثة.
ولكن أي حرب بين البلدين ستكون لها تأثيرات مدمرة على مناطق واسعة من العالم خاصة تأثيرات الغبار النووي.
الخريف النووي
قد تتسبب معركة نووية بين نيودلهي وإسلام آباد- وهما قوتان نوويتان صغيرتان أو متوسطتان- في “خريف نووي”، وهو سيناريو أقل سوداوية من الشتاء النووي الذي يمكن أن يحدث بسبب حرب بين روسيا وأمريكا أو الأخيرة والصين، ولكن يظل شديد السوداوية أيضاً إلى درجة مرعبة.
لو قامت كل دولة من هذين البلدين اللذين ينتميان للعالم الثالث، بتفجير 50 قنبلة ذرية بحجم هيروشيما، يمكن أن تنتج الكثير من الدخان بحيث تنخفض درجات الحرارة أقل من تلك التي كانت موجودة في العصر الجليدي الصغير في القرنين الرابع عشر والتاسع عشر، مما أدى إلى تقصير موسم النمو في جميع أنحاء العالم وتهديد الإمدادات الغذائية العالمية.
فأي حرب نووية بين الهند وباكستان بهذا الحجم يمكن أن ينبعث منها ما لا يقل عن 5 ملايين إلى 6 ملايين طن من الدخان الأسود في الستراتوسفير.
وسينتج عنها مثلاً انخفاض الإنتاج الزراعي الأمريكي والصيني، خاصة في الذرة والقمح، بنحو 20 إلى 40% في السنوات الخمس الأولى.
من المحتمل أن يستمر التبريد لعقد من الزمان على الأقل، مما يؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة إلى مستويات “أكثر برودة من أي شيء شهدناه على الأرض خلال الألف عام الماضية”.
هذا السيناريو سيؤدي إلى تعرض ما يصل إلى ملياري شخص لخطر المجاعة، ومعظمهم في جنوب شرقي آسيا وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية وأوروبا، حسب تقديرات إيرا هيلفاند، مدير مجلس إدارة منظمة أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية المناهضين للحرب النووية.
وقال هيلفاند: “إن موت ملياري شخص لن يكون نهاية الجنس البشري، لكنه سيكون نهاية الحضارة الحديثة كما نعرفها”.
يمكن أن تزداد الآثار سوءاً. سيؤدي نقص الغذاء إلى ارتفاع أسعار ما تبقى من الغذاء.
بالتأكيد ستكون هناك مناوشات عالمية- وربما حروب- على الموارد المتبقية. قد يصبح الوضع سيئاً للغاية، لدرجة أننا قد نشهد حرباً نووية أخرى، حيث تحاول الدول السيطرة على مزيد من الطعام والماء، كما يخشى هيلفاند.
تراكم الأسلحة النووية لا يوفر أي حماية لأي طرف
في العقود التي أعقبت تأسيس معاهدة حظر الانتشار النووي، استكشفت العديد من الدول إمكانية تطوير أسلحة نووية، وسعى بعضها بنشاط لتحقيق ذلك، لكن في كل الحالات تقريباً خلُصت حكومات تلك الدول إلى أنَّ تكاليف بناء ترسانتها الخاصة تزيد بكثير عن أي فوائد أمنية قد تتحصل عليها من تلك الأسلحة. مع ذلك، قد تبدأ هذه المعادلة في التغيُّر إذا لم تضبط الدول النووية الرئيسية نفسها.
كان جزءاً أساسياً من الصفقة الواردة في معاهدة حظر الانتشار النووي هو أن تعمل الدول الخمس النووية المُعترَف بها على نزع السلاح النووي، لكن على مدار العقد الأخير، تحركت الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصين في الاتجاه المعاكس من خلال بناء ترسانات أكبر وأكثر تطوراً.
وبقدر ما يضعف نظام حظر الانتشار النووي، يكون الخطأ على كاهل الدول النووية المُعتَرَف بها التي تجاهلت أو تخلَّت عن التزاماتها بموجب المعاهدة للسعي نحو نزع السلاح النووي. لا يوجد الكثير من الساعين لحيازة السلاح النووي حالياً، لكن إذا استمرت الأمور في مسارها الحالي قد يكون هنالك عدد من هؤلاء في غضون عقد أو اثنين.
وهناك حاجة واضحة لتجديد مباحثات الاستقرار الاستراتيجي ولمعاهدة تهدف للحد من التسلُّح من أجل البناء على معاهدة “نيو ستارت”، التي من المقرر أن تنقضي عام 2026، لكنَّ الغزو الروسي لأوكرانيا جعل فكرة التفاوض مع موسكو خطرة جداً في واشنطن.
وهذا رد فعل مفهوم، لكن لأنَّ العلاقات الأمريكية الروسية بالغة السوء ومخاطر التصعيد عالية جداً، هنالك حاجة لوجود ضمانات في صورة قيود على حجم ونشر أكثر الأسلحة النووية تدميراً. إنَّ الأمور بالفعل سيئة بما يكفي في ظل وجود معاهدة متعلقة بالحد من التسلُّح، وستسوء أكثر دون وجود هذه المعاهدة.
علينا أن نتذكر كم كان العالم أخطر قبل أن تكون لدينا معاهدات للحد من التسلُّح بين أكبر دولتين نوويتين. ولا نريد أن نعود للعيش في ذلك العالم، لا سيما أنَّ هنالك الآن دول نووية أكثر بكثير مما كان قبل ستين عاماً.