هل تنقذ الصين سفينة الاقتصاد الروسي من الغرق؟ بكين تمتلك الأدوات اللازمة لذلك ولكن هذه المخاطر المحتملة

حين أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون حربهم الاقتصادية على روسيا في أعقاب هجومها على أوكرانيا؛ اتجهت أنظار العالم صوب الصين لرؤية ما ستفعله. إذ أقامت بكين علاقاتٍ مالية وثيقة مع الدول غير الراغبة في اتباع القواعد التي تمليها الولايات المتحدة والقوى الغربية، باعتبارها إحدى وسائل بسط نفوذها كقوةٍ عالمية متنامية. وكان من البديهي أن تفعل الصين ذلك مع روسيا.

هل تنقذ الصين سفينة الاقتصاد الروسي من الغرق؟

لكن هناك مشكلة واحدة كبيرة فقط: المال. أو المال الصيني تحديداً، كما تقول صحيفة New York Times الأمريكية. حيث إن مساعدة روسيا في التهرب من العقوبات تعني أن على الصين تقديم بديلٍ فعّال للدولار الأمريكي.

لكن العملة الصينية- الرنمينبي- لا تُستخدم خارج حدود الصين تقريباً. إذ لا تتعامل سوى 3% فقط من شركات العالم بهذه العملة. لدرجة أن التجارة الثنائية بين روسيا والصين تجري في الغالب بالدولار أو اليورو. علاوةً على أنّ مخاطر مساعدة روسيا في التهرب من العقوبات قد تكون أكبر من أي مكاسب محتملة بالنسبة للصين.

تقول نيويورك تايمز إنه في حال قررت بكين مخالفة العقوبات المفروضة ضد روسيا؛ فقد يُعرّض ذلك الاستقرار المالي الصيني للخطر في وقتٍ شدّد فيه قادتها على ضرورة توخّي الحذر. فضلاً عن أن شرايين الحياة التي يمكن لقادة الصين أن يقدموها لروسيا لن تكون قويةً بما يكفي لمساعدة البلاد على تجاوز تداعيات الانقطاع المالي من الولايات المتحدة والحلفاء.

إذ قال إسوار براساد، الاقتصادي بجامعة كورنيل الأمريكية: “لن تُنقذ الصين سفينة الاقتصاد الروسي الغارقة، لكنها قد تسمح لها أن تطفو لفترةٍ أطول قليلاً، قبل أن تغرق بشكلٍ أبطأ قليلاً”، بحسب تعبيره.

روسيا الصين أوكرانيا فرنسا ماكرون
شي جين بينغ وفلاديمير بوتين أعلنا معاً قبيل اندلاع الحرب في أوكرانيا، أن الرابط الذي يجمع بلديهما “لا حدود له”، أرشيفية/ رويترز

“روابط لا حدود لها” بين الصين وروسيا

وحين التقى الزعيمان شي جين بينغ وفلاديمير بوتين عشية أولمبياد بكين، أعلنا معاً أن الرابط الذي يجمع بلديهما “لا حدود له”. جاء هجوم روسيا على أوكرانيا بعد نهاية الأولمبياد بأيام ليدفع بالولايات المتحدة وغيرها من الدول الصناعية إلى فرض موجاتٍ من العقوبات التي تستهدف تدمير الاقتصاد الروسي.

وقد انتقدت الصين تلك الخطوات مراراً. حيث أكّد رئيس الوزراء لي كه تشيانغ على ذلك في مؤتمره الصحفي السنوي يوم الجمعة 11 مارس/آذار، حين قال إنّ “العقوبات ذات الصلة ستؤذي انتعاشة الاقتصاد العالمي، وهذا ليس في مصلحة أحد”.

لكن انتقاد العقوبات هو أمرٌ يختلف تماماً عن مخالفة النظام المالي العالمي والمخاطرة بفرض العقوبات على الصين نفسها. وقد ألمحت بكين بالفعل إلى أنها ليست مستعدةً للخيار الأخير. إذ قال البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي تقوده الصين وتراه واشنطن منافساً للبنك الدولي، الأسبوع الماضي إنّه سيُعلّق إقراضه لروسيا وبيلاروسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. كما خفضت بعض البنوك الصينية تمويلها للسلع الأساسية الروسية.

حيث قال رايموند يونغ من بنك ANZ الأسترالي للصحيفة الأمريكية: “تحاول البنوك الصينية تقليل تعاملاتها مع روسيا. ومن الواضح أن نظرية قيام الصين بتوفير بديلٍ مالي لروسيا لا تزال محل تساؤل”.

حفاظ الصين على علاقتها الاقتصادية الوثيقة مع روسيا يزداد صعوبة

مع ذلك فقد صرحت لجنة تنظيم المصارف والتأمين الصينية الأسبوع الماضي بأن البنوك الصينية ليست ملزمةً بقطع علاقاتها مع نظيرتها الروسية.

لكن الحفاظ على تلك العلاقات الاقتصادية سيزداد صعوبةً ويستوجب مخاطرةً أكبر مع تراكم العقوبات، كما أنّ خيارات الصين لمساعدة روسيا ستصبح محدودةً أكثر. إذ فصلت الدول الغربية روسيا عن نظام مدفوعات السويفت، مما منع البنوك الروسية فعلياً من إجراء المعاملات الدولية.

يُذكر أن الصين تعمل على تطوير نظام تراسل بديل للمؤسسات المالية، حتى تتمكن من إجراء المعاملات العابرة للحدود. لكن النظام يعمل على نطاقٍ صغير ويعتمد جزئياً على تقنيات تدخل تحت بند العقوبات.

وبعد أن أوقفت شركات Visa وMastercard عملياتها في روسيا؛ لجأت العديد من البنوك الروسية إلى شركة UnionPay الصينية، التي تقدم خيارات الدفع في نحو 180 دولة. لكن تقديم الصين خدمات الدفع الخاصة بها يستوجب عدم إجراء المعاملات بالدولار لتجنب العقوبات.

أعلام روسيا والصين في موسكو، أرشيفية/ رويترز

ثم تأتي مسألة الأموال الروسية الموجودة في الصين. حيث يمكن لروسيا أن تستفيد من احتياطيات البنك المركزي والاستثمارات الحكومية واتفاقيات القروض طويلة الأمد في الصين لتجمع سريعاً مبلغاً يتجاوز الـ160 مليار دولار، أي ما يُساوي قيمة 16 شهراً من مبيعات النفط والغاز الطبيعي الروسية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

والشطر الأعظم من ذلك المبلغ (140 مليار دولار تقريباً) مربوطٌ بسندات مُقوّمة بالرنمينبي. أما الجزء المتبقي فسيأتي من الاتفاقيات بين البنوك المركزية للبلدين، والتي تلزم كلاً منهما بتقديم قرضٍ قصير الأجل بدون فوائد بقيمة 24 مليار دولار في حالات الطوارئ.

هل تخاطر الصين كثيراً لأجل إنقاذ الاقتصاد الروسي؟

أما الخيار الأكثر مخاطرةً من الناحية الدبلوماسية، فهو أن تقوم الصين بغسيل الأموال لروسيا من خلال بنكٍ صيني صغيرة يجري إنشاؤه خصوصاً للتهرب من العقوبات. وهذا هو ما فعلته مؤسسة البترول الوطنية الصينية في عام 2009 حين اشترت بنكاً صغيراً في مقاطعة سنجان الصينية وغيرت اسمه إلى Bank of Kunlun. وقد ساعد ذلك البنك إيران على إجراء معاملات بقيمة مئات الملايين من الدولارات.

وفي سيناريو مشابه ستقوم شركة نفطٍ صينية بدفع “رسوم استشارة” ضخمة لشركةٍ وهمية ومسؤوليها من أجل تداول النفط نيابةً عنها، بدلاً من شراء النفط الخام من شركةٍ روسية مباشرةً. لكن عمليةً من هذا النوع ستُكشف في نهاية المطاف على الأرجح.

وفي سيناريو آخر، قد تقتنص الشركات الصينية المدعومة من الحكومة حصص الغرب في أكبر شركات النفط والغاز الروسية. إذ أعلنت شركاتٌ أمريكية وأوروبية عملاقة مثل Shell وBP أنها ستنسحب من مشاريعها المشتركة في روسيا بسبب الهجوم، ولكن ليس هناك الكثير من المشترين المحتملين باستثناء الشركات الحكومية الصينية.

إذ قال تايلور لوب، محلل الشأن الصيني في شركة الاستشارات Trivium: “أمامك الآن مجموعة من أكبر شركات النفط قيمةً في العالم ويجري تداول أسهمها بكسورٍ عشرية من قيمتها الحقيقية. لكن الدول النامية لن تقترب من تلك الشركات. وبالتالي لا يتبقى أمامنا سوى الصين. وربما تكون خطوةً مضرة على صعيد العلاقات العامة، لكن السعر قد يكون مغرياً للغاية”.

وبينما تفكر بكين في حجم الخطوات التي قد تكون مستعدةً لقطعها من أجل الحفاظ على صداقتها التي “لا حدود لها” مع روسيا؛ تظل هناك حقيقةٌ مريرة واحدة وهي أن الرنمينبي لن يستطيع إنقاذ الروبل. إذ غرق الروبل ماحياً معه الكثير من ثروات البلاد. والحل الوحيد أمام روسيا لإنقاذه هو شراء الدولارات الأمريكية، كما تقول نيويورك تايمز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى