هل خسر ترامب معركة ولم يخسر الحرب، ولماذا القلق من تأسيس “مكتب الرئيس السابق”؟
إذ أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب، الإثنين 25 يناير/كانون الثاني، عن إنشاء “مكتب الرئيس السابق” الخاص به في ولاية فلوريدا، وذلك في إطار أول تحرك علني له منذ مغادرته البيت الأبيض بعد أن خسر الانتخابات لصالح الرئيس الحالي جو بايدن.
وفي حين أن الاسم الذي اختاره ترامب للمكتب قد قوبل ببعض من الارتياب، إلا أن المفهوم نفسه أو الإجراء في واقع الأمر بعيدٌ كل البعد عن أن يكون جديداً أو غير مسبوق.
وقال بيان الإعلان عن تأسيس المكتب: “سيكون المكتب مسؤولاً عن إدارة مراسلات الرئيس [السابق] ترامب وبياناته العامة ومناسبات ظهوره وأنشطته الرسمية، لتعزيز مصالح الولايات المتحدة، والعمل على تنفيذ جدول أعمال إدارة ترامب من خلال المناصرة والتنظيم وأنشطة التأييد العام. والرئيس ترامب سيظل دائماً وأبداً بطلَ الشعب الأمريكي”.
مكتب ترامب ليس بدعة
وتعليقاً على تلك الخطوة من جانب الرئيس السابق، قال جيفري إنجل، مدير مركز التاريخ الرئاسي الأمريكي في جامعة ساوثرن ميثوديست، إن إنشاء الرئيس السابق مكتباً له ليس أمراً استثنائياً أو غير شائع فيما يتعلق بالرؤساء الأمريكيين السابقين.
وأضاف إنجل لموقع Business Insider: “هذا أحد أكثر الأشياء تقليدية بين الأمور التي قام بها ترامب. فكل رئيس يحصل على أموال من الكونغرس لتأسيس مكتب ما بعد رئاسي لغرض التنظيم والتعامل مع جداولهم الخاصة، لكن الأهم من ذلك التعامل مع المراسلات المتعلقة بالمهام غير الرسمية للقائد الأعلى السابق”.
لكن تود بيلت، مدير برنامج ماجستير الإدارة السياسية في جامعة جورج واشنطن الأمريكية قال للموقع الأمريكي إنه من غير المعتاد أن يضيف ترامب كلمة “رئيس” إلى اسم مكتب ما بعد الرئاسة.
وأوضح بيلت أن “الشيء الذي يحدث عادة هو أن [الرؤساء السابقين] لا يسمونه (مكتب الرئيس السابق)، بل يطلقون عليه أسماءهم بالأساس، على سبيل المثال، مكتب جورج دبليو بوش الابن، أو مكتب جورج بوش الأب، ومكتب الرئيس السابق كلينتون هو مؤسسة كلينتون. وأيضاً هناك مكتب باراك وميشيل أوباما، ومؤسسة أوباما، في الموقع نفسه”.
ووفقاً لقانون الرؤساء السابقين الأمريكي لعام 1958، يمكن إنشاء مكتب لما بعد الرئاسة من وقت مغادرة الرئيس للبيت الأبيض حتى ستة أشهر بعد وفاته، بتمويل من دافعي الضرائب. وعلى سبيل المثال، أُغلق مكتب الرئيس الراحل جورج بوش الأب أبوابه في عام 2019، بعد وفاته.
ما المشكلة إذاً بشأن مكتب ترامب؟
منذ ظهور ترامب المتأخر على مسرح السياسة في واشنطن وترشحه للرئاسة عن الحزب الجمهوري وفوزه عام 2016 على هيلاري كلينتون، وحتى خسارته أمام جو بايدن وانتهاء رئاسته سريعاً بعد فترة واحدة، أصبح ترامب أكثر رؤساء أمريكا وربما سياسييها إثارة للجدل على الإطلاق.
وكان رفضه لنتيجة الانتخابات وقرارات العفو الرئاسي التي أصدرها في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، وقبل ذلك تعرضه لمحاكمة العزل من جانب الكونغرس بسبب فضيحة أوكرانيا واتهامه باستغلال منصبه لتحقيق مصالح شخصية، ثم اتهامه الآن بالتحريض على اقتحام الكونغرس، يوم 6 يناير/كانون الثاني، بغرض الانقلاب على نتيجة الانتخابات، كلها مؤشرات جعلت إقدامه على تأسيس “مكتب الرئيس (السابق)” مدعاة للقلق من الكيفية التي قد يوظف بها ذلك المكتب.
إذ إن مكتب ما بعد الرئاسة يفترض به أن يُتيح للرئيس السابق أن يواصل دفاعه عن نفسه رسمياً، ونقل رسائله إلى الجمهور الأمريكي، وهو أحد الامتيازات العديدة التي يتمتع بها الرؤساء السابقون بمجرد تركهم لمناصبهم، لكن بيلت قال لبيزنيس إنسايدر إن المكتب قد يصبح مشكلة إذا قرر ترامب استخدامه لدفع أجندة سياسية.
“لا أحد يعرف ما إذا كان ترامب يعتزم استخدام المكتب لدفع أجندة سياسية معينة أو حزب سياسي، أو على الأقل بعض لجان العمل السياسي. ولست متيقناً تماماً مما إذا كان هذا المكتب يمكن استخدامه لذلك، لأنه ليس من المفترض أن تُستخدم أموال دافعي الضرائب في أي عمل يخص الحملات الدعائية، لأن ذلك يعني تضارباً محتملاً في المصالح”.
وفي السياق ذاته، يلفت إنجل، من مكتب التاريخ الرئاسي الأمريكي، إلى أن تجربة “رئاسة ترامب تُرينا أن الرئيس بإمكانه العيش بسهولة في المناطق الرمادية ( من القانون) إذا أراد ذلك. وليس لدي شعور بأن ترامب كان لديه في أي وقت من الأوقات اهتمام خاص بالنظرة إليه من الناحية الأخلاقية أو أن يبدو سيئ السلوك”.
ومن ثم، يشير إنجل إلى أن “هناك مساحة متاحة بكل الطرق، لشخص مثل ترامب، لاستخدام هذا المكتب لأجندة سياسية خاصة به، وليس لمهمة الخدمة العامة التي صُمَّم من أجلها”.
في المقابل، ليس من الواضح حتى الآن ما الرسائل التي سيختار ترامب بثَّها من المكتب الفيدرالي التابع له، ولا ما هي نواياه في فترة ما بعد الرئاسة. كما تباينت التوقعات، بين من يقول إن ترامب يستعد لاستئناف الترشح على الرئاسة في انتخابات عام 2024، أو العودة إلى مسيرته التلفزيونية، أو جمع الأموال لتمويل إنشاء مكتبة رئاسية.
وبحسب ما ورد، فقد طرح ترامب فكرة الانفصال عن الجمهوريين وإنشاء حزب سياسي ثالث –“الحزب الوطني”– لإبقاء نواب الحزب الجمهوري على انحيازهم له قبيل محاكمته الوشيكة. ومع ذلك، فإن حملته أنكرت أي ارتباط لها بالحزب بعد أن تقدم رجل من جورجيا بأوراقه إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية لتشكيل الحزب، في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وختم بيلت كلامه بالقول: “أعتقد أن دونالد ترامب سيكون انحرافاً فارقاً على المدى الطويل. فليس ثمة كثيرون يرغبون في أن يحكموا مثله، ولا أرى أي شخص يمكن أن يحكم مثله، بتلك القوة المطلقة للشخصية، على النحو الذي دفع كثيراً من الناس إلى الالتفاف حوله”.
غالبية الحزب الجمهوري لا تزال تدعم ترامب
إذ على الرغم من أن زعماء ومشرعي الحزب الجمهوري قد بدا وكأنهم قرروا التخلص من ترامب بعد “فضيحة” اقتحام أنصاره للكونغرس وتعريض حياة المشرعين المجتمعين فيه للتصديق على فوز بايدن للخطر، أظهرت الأيام الأخيرة أن الغالبية الأكبر بين المشرعين الجمهوريين ما زالوا ينظرون إلى ترامب على أنه رمز الحزب الجمهوري وقائده.
ففي مجلس النواب الأسبوع الماضي صوت 10 نواب جمهوريين فقط لصالح عزل ترامب للمرة الثانية، والثلاثاء 26 يناير/كانون الثاني في مجلس الشيوخ صوت 45 عضواً لصالح عدم دستورية عزل ترامب بعد انتهاء رئاسته رسمياً، مقابل 5 فقط انضموا للديمقراطيين، وصوتوا ضد مشروع القرار، ما أكد على استكمال محاكمته في مجلس الشيوخ، لكن تبرئته أصبحت شبه محسومة، في ظل الحاجة لتصويت 17 سيناتوراً جمهورياً، إضافة لخمسين سيناتوراً ديمقراطياً لإدانة ترامب “بالتحريض على العصيان” في أحداث اقتحام الكونغرس.
لكن هذه ليست القصة كاملة، فقد شهد الحزب الجمهوري في أوريجون وأريزونا وأركنساس في الأيام القليلة الماضية قرارات اتخذتها القيادات المحلية للحزب في تلك الولايات، تظهر مدى الدعم الذي يتمتع به ترامب في أوساط الحزب. ليس هذا وحسب، بل إن نظرية المؤامرة التي روج لها ترامب بشأن أنه فاز في الانتخابات، وتمت سرقتها منه، هي الشعار الذي ترفعه قواعد الحزب في تلك الولايات وغيرها، بحسب تقرير لشبكة CNN.
الخلاصة هنا هي أن إعلان ترامب عن تأسيس “مكتب الرئيس (السابق)” تشير إلى أن الرجل الذي تسببت سياساته المثيرة للجدل في أعمق انقسام تشهده البلاد منذ الحرب الأهلية، بحسب منتقديه، على الأرجح ليس مجرد تقليد للرؤساء السابقين في أن تكون لهم مكاتب أو مؤسسة تحمل اسمهم وتقوم بأعمال خيرية أو أنشطة مدنية تقليدية، بعيداً عن السياسة والانتخابات وجماعات الضغط محلية وأجنبية، وإنما قد يوظف ترامب المكتب لمواصلة دعم أجندته السياسية، رغم أن ذلك مخالف للدستور والقوانين.
وهذه المخاوف تعني أن الرئيس السابق، الذي بدا في أعقاب اقتحام الكونغرس وكأن مشواره السياسي قد انتهى بلا رجعة، وأن الحزب الجمهوري في طريقه للتخلص منه بعد ذلك الحريق الضخم، الذي كاد أن يعصف بالحزب نفسه، سيستمر في الوجود على المسرح السياسي الأمريكي، رافعاً راية المعارضة الشرسة للرئيس الحالي جو بايدن، الذي لا يعتبره ترامب وأنصاره رئيساً شرعياً.