هل منح كورونا الصين فرصة العمر لقيادة العالم؟ تبعات الكارثة توحي بذلك
تواجه البشرية خطراً داهماً ربما لم تواجهه منذ عقود طويلة، ومن المبكر معرفة كيف ستأتي نهاية ذلك الخطر ومتى، والمقصود وباء كورونا، لكن المؤكد هو أن الحياة على الكوكب ستتغير بصورة درامية، والسؤال الآن: هل يشهد العالم حالياً تشكّل نظام عالمي جديد تقفز فيه الصين إلى مقعد القيادة بديلاً من الولايات المتحدة.
مجلة فورين أفيرز الأمريكية نشرت مقالاً بعنوان: “كورونا ربما يعيد تشكيل النظام العالمي”، أعده الكاتبان كورت م. كامبل وروش دوشي، تناول كيف أن الصين تناور حالياً لتحظى بقيادة العالم في الوقت الذي تفشل فيه الولايات المتحدة مع تحوّل وباء كورونا المستجد إلى حدث عالمي.
حدث واحد قد يغير النظام العالمي
أوضح الكاتبان أنه في الوقت الذي تُعتبر فيه النتائج الجيوسياسية لكورونا ثانوية مقارنة بالنتائج على صعيد الصحة والسلامة، فإن النتائج الجيوسياسية ستأخذ أهمية كبيرة على المدى الطويل، خاصة بالنسبة للوضع الدولي للولايات المتحدة.
وأشارا إلى أن النظم العالمية تميل إلى التغيّر التدريجي بداية الأمر، ثم تتغيّر بالكامل في لحظة واحدة. ففي عام 1956 كشف تدخل فاشل في قناة السويس اضمحلال بريطانيا العظمى وسجل نهاية نفوذ المملكة المتحدة كقوة عالمية.
وقالا إن صُناع القرار في أمريكا يجب أن يعوا أن واشنطن إذا لم ترتق لمستوى التحدي الراهن، فإن وباء كورونا سيسجل “لحظة سويس أخرى”.
فقدان الثقة
وأضافا أنه من الواضح الآن أن واشنطن فشلت في استجابتها الأولية للوباء، فالمؤسسات الأمريكية الرئيسية من البيت الأبيض ووزارة الخارجية إلى وزارة الأمن الداخلي ومراكز السيطرة والوقاية من الأمراض قد هددت ثقة الناس بقدرة وكفاءة الحكم الأمريكي.
ودلف الكاتبان بعد ذلك إلى توضيح مظاهر الفشل الأمريكي مستشهدين بالتصريحات والتغريدات الرسمية ليقولا إنها زرعت الشكوك ونشرت عدم اليقين وسط عامة الناس، وإن القطاعين العام والخاص أثبتا أنهما غير مستعدَين لمواجهة الوباء بالمعدات الضرورية للفحص وما بعد الفحص.
وقالا أيضاً إن الوباء ضخّم، على المستوى الدولي، نزعات ترامب الفردانية المعروفة ورغبته في العمل بمعزل عن المجتمع الدولي وكشف عجز واشنطن في قيادة العالم.
فشل أمريكا
واستمرا يقولان إن وضع أمريكا كقائدة للعالم خلال العقود السبعة الماضية بُني ليس على الثروة والقوة فقط، بل أيضاً على الشرعية الناتجة من جودة الحكم الأمريكي، وتسهيل تزويد العالم باحتياجاته، والقدرة والرغبة في حشد وتنسيق الاستجابات الدولية للأزمات، وإن وباء كورونا يختبر حالياً العوامل الثلاثة للقيادة الأمريكية، وحتى اليوم فشلت واشنطن في الاختبار.
وقارن الكاتبان أداء أمريكا “الفاشل” بأداء الصين تجاه الوباء، حيث قالا إن الأخيرة تحركت بسرعة لتستفيد من الثغرات التي صنعتها الأخطاء الأمريكية وتملأ الفراغ وتضع نفسها في قيادة العالم لمواجهة كورونا.
وسرد كامبل ودوشي تفاصيل تعثر الصين في بداية التعامل مع الوباء بالتكتم وتزوير المعلومات خلال يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، ثم نجاحها في نهاية الأمر في مارس/آذار الجاري في السيطرة على كورونا وحصولها على اعتراف العالم بتجاوز كارثة وصفها البعض بـ”تشيرنوبل جديدة” و”تيانانمن”.
الصين قيادة صاعدة
وأشارا إلى أن الصين تعمل حالياً على تحويل هذا النجاح إلى قصة تحكيها للعالم بأجمعه وتقنعه بأنها لاعب رئيسي في هزيمة كورونا.
وقالا إن الرئيس الصيني شي جين بينغ يفهم أن توفير السلع العالمية يمكن أن يلمع قيادة الصين الصاعدة للعالم، فقد أمضى سنوات عديدة في دفع جهاز السياسة الخارجية الصيني إلى التفكير بجدية أكبر في قيادة إصلاحات “الحوكمة العالمية”. وقد وفر كورونا فرصة لوضع هذه النظرية موضع التنفيذ.
وضرب الكاتبان مثلاً بالعروض الصينية التي يتم الترويج لها بشكل جيد للمساعدة المادية للدول الأخرى بما في ذلك الأقنعة، وأجهزة التنفس والمراوح والأدوية.
وأشارا إلى أن الصين وفي بداية الأزمة، اشترت وأنتجت وتلقت كمساعدة كميات هائلة من هذه السلع. وهي الآن في وضع يمكنها من إعطائها للآخرين.
استجابة واسعة
وأضاف أنه عندما لم تستجب أي دولة أوروبية لنداء إيطاليا العاجل بشأن المعدات الطبية ومعدات الحماية، التزمت الصين علناً بإرسال الآلاف من أجهزة التنفس الصناعي وملايين الأقنعة وآلاف البدل الواقية وأجهزة الاختبار، كما أرسلت فرقاً طبية وأجهزة ومعدات مماثلة لإيران وصربيا. وتعهد رجل الأعمال الملياردير الصيني جاك ما، المؤسس المشارك لمحلات علي بابا، بإرسال كميات كبيرة من الأقنعة وأجهزة الاختبار للولايات المتحدة ولجميع الدول الإفريقية.
وأكد الكاتبان أن الولايات المتحدة، على النقيض من الصين، تفتقر للمعدات والقدرة على تلبية العديد من مطالبها، ناهيك عن تقديم المساعدة لمناطق الأزمات في أماكن أخرى، واصفين صورة الوضع الأمريكي بأنها قاتمة، وكشفا عن أن المخزون الوطني الاستراتيجي الأمريكي، وهو احتياطي البلاد من الإمدادات الطبية الحرجة، يحتوي على 1% فقط من الأقنعة وأجهزة التنفس وربما 10% من أجهزة التهوية اللازمة للتعامل مع الوباء.
صعود للصين
ولفت الكاتبان الانتباه إلى أن واشنطن حشدت وقادت الجهود الدولية لمساعدة الدول الإفريقية عامي 2014 و2015 إبان أزمة إيبولا، أما إدارة ترامب فقد ابتعدت عن هذا الدور لمواجهة وباء كورونا الحالي حتى مع الحلفاء، مشيرين إلى أنها لم تبلغ حلفاءها الأوروبيين مسبقاً بحظر سفر مواطني أوروبا إلى أمريكا.
وختم الكاتبان مقالهما بالقول إن العناصر الرئيسية لنجاح الصين في الحصول على قيادة العالم في مواجهة كورونا هي القصور الأمريكي والتركيز الداخلي للسياسة. وبالتالي، فإن النجاح النهائي لمسعى الصين سيعتمد بقدر كبير على ما يحدث في واشنطن كما يعتمد على ما يحدث في بكين.
وفي الأزمة الحالية -كما يقولان- ما زالت واشنطن قادرة على تغيير مسارها إذا أثبتت أنها قادرة على القيام بما هو متوقع من القائد، بإدارة المشكلة في الداخل، وتوفير المنافع العامة العالمية، وتنسيق الاستجابة الدولية.