هل نجح ترامب بتحقيق أهداف أمريكا القديمة بالشرق الأوسط أم جعلها معزولة أكثر من أي وقت مضى؟
اتبع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العموم سياسة خارجية تمتلئ بالتناقضات والتضارب، لكن ذلك لا ينطبق على نهج ترامب في الشرق الأوسط. فقد دأب على استهداف إيران بوصفها تهديداً، وشكّل تحالفاً عربياً إسرائيلياً مناهضاً لإيران للتصدي لطهران وحلفائها. فهل ستؤتي استراتيجيته ثمارها؟
ازدهر ترامب اعتماداً على سياسة “فرِّق تسُد” داخلياً وخارجياً. إذ يعد أول زعيم أمريكي ينجح في دفع بعض ممالك الخليج في وضع أيديها في أيدي إسرائيل لمواجهة “التهديد الإيراني”. ومن ثم جاءت وساطته للتوصل إلى اتفاقيات تطبيع العلاقات بين إسرائيل من جانب، والبحرين والإمارات من جانب، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
نهج ترامب في الشرق الأوسط.. بدايته الضغط الأقصى على إيران
يريد ترامب أن تعاود طهران التفاوض بشأن الاتفاقية النووية الشهيرة لعام 2015، المعروفة باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، التي انسحب منها ببلاده في عام 2018، ويريد منها تقليص قدراتها العسكرية ونفوذها الإقليمي تماشياً مع المصالح الأمريكية.
وقد أخضع طهران لسياسة “الضغط القصوى” كي يجعلها تتراجع تحت وطأة ثقل العقوبات الأمريكية المتزايدة في وقت تعرضت إيران لضربة شديدة كذلك بسبب انتشار مرض كوفيد-19 فيها.
وبينما ظلت طهران متحديةً، رفع ترامب درجات الضغط عن طريق المطالبة بتفعيل بند “عودة العقوبات” الوارد في قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي يكمل خطة العمل الشاملة المشتركة في يوليو/تموز 2015، برغم أن الولايات المتحدة لم تعد طرفاً في الاتفاقية بعد انسحاب ترامب.
برغم توبيخ طهران للتنصل من بعض التزاماتها بموجب الاتفاقية رداً على أفعاله، تجاهل ترامب الحق القانوني المكفول لإيران بأن تفعل ذلك تحت نفس بند “عودة العقوبات” ما دامت لا تزال طرفاً في الاتفاقية.
من أصبح معزولاً إيران أم أمريكا؟
وليس من المثير للدهشة أن الموقعين الآخرين على خطة العمل المشتركة -بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والصين، وروسيا- يقولون إن أي محاولة من جانب ترامب لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة “ليست قانونية” وأكدت هذه الدول مرة أخرى دعمها للحفاظ على الاتفاقية بوصفها أحد التدابير المهمة من أجل الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي.
ويقول ترامب إن تحركاته السياسية ضرورية لبناء شرق أوسط سلمي ومستقر. لكنها تجلب على ما يبدو نتائج عكسية على عدد من الجبهات.
إذ إن سياسة الرئاسة الأمريكية الرامية إلى فرض ضغوط على النظام الإيراني الإسلامي من أجل أن يستسلم أو يزول، تسببت في أقصى درجات الدمار الذي عانى منه المجتمع الإيراني، بدون أن يصاحب ذلك بالضرورة خطر على بقاء النظام. علمت طبقة رجال الدين الحاكمة كيف تراوغ العقوبات الأمريكية وتتعايش معها في أغلب الأوقات منذ إعلان الجمهورية الإسلامية عام 1979. وقد طورت جميع الآليات الضرورية البراغماتية منها والقومية، التي تستند إلى الدين، وكذلك التدابير التي تكفل لها الحفاظ على نفسها، وفي وجود قدرات على احتواء المعارضة الداخلية والصمود أمام التحديات الخارجية.
ورداً على الضغوط الأمريكية، عززت هذه الطبقة الحاكمة العلاقات بين إيران وخصوم أمريكا الرئيسيين، مثل الصين وروسيا، وحافظت على حلفائها الإقليميين بتكلفة هائلة -بما فيها حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، والميليشيات الشيعية العراقية، وحزب الله اللبناني، والحوثيون في اليمن- في إطار هيكلة أمنية أوسع.
قد يرى ترامب أن من مصلحته استفزاز إيران لخوض مواجهة ضد بلاده، لكن نهج طهران يستند إلى الانتظار حتى تتضح نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني. أشار المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى أنه إذا فاز بالانتخابات سوف يُعيد بلاده إلى المشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة – برغم أن ترامب يبذل قصارى جهده ليجعل هذه الخطوة مستحيلة على بايدن.
صارت إدارة ترامب اليوم أكثر عزلة دولياً من طهران. وليس الأمر مقصوراً على حلفاء أمريكا الأوروبيين التقليديين، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بل إن أغلب المجتمع العالمي اصطف خلف إيران نظراً إلى أنها تقف في الجانب الصحيح من ناحية الامتثال للقانون الدولي. ويعرف ترامب على نطاق واسع بأنه شخص ينتهك باستمرار الأعراف والقوانين الدولية بإرادته.
اتفاقات السلام السابقة لم تغير شيئاً وهكذا سيكون مصير صفقة القرن
لا يستطيع الهدف الظاهري لترامب لتشكيل جبهة إقليمية معارضة لإيران، أن يخدم قضية الأمن والاستقرار الإقليمي. فلم تؤد اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 ونظيرتها الأردنية الإسرائيلية عام 1994، إلى التساهل والاسترخاء على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وليس من المرجح كذلك أن تنجح الاتفاقيتان الإماراتية والبحرينية مع إسرائيل في التوصل إلى مثل هذه الحالة من التساهل والاسترخاء مع القضية الفلسطينية.
وإذا انضمت السعودية إلى جوقة الموقعين على اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وهي خطوة يُرجح أنها ستحدث في مرحلة ما، يمكن أن ينظر إلى هذا بوصفه تحالفاً يهودياً مسيحياً- إسلامياً سنياً، بالنظر إلى الادعاء التاريخي للرياض بوصفها قائدة الإسلام السني. ولا تقتصر نتائج هذا على صعود خطر تعميق الشقاق مع الإسلام الشيعي، الذي تدافع عنه إيران، بل يوقع المنطقة في شرك جماعات التطرف الإسلامي العنيفة، مثل القاعدة وما يعرف بتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
فإذا نظرنا إلى تحركات ترامب السياسية المتسارعة في الشرق الأوسط، عندما تُقترن بصنع السلام مع حركة طالبان الذين يعدون أعداء أمريكا السابقين، لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، سنجد أنها أكثر توجهاً نحو تمكين ترامب من تحقيق انتصار داخلي وأبعد عن كونها تمثل بزوغ فجر السلام في المنطقة. إذ إنها سوف تؤدي بالتأكيد إلى تعميق خطوط الخصومة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، وبين إيران وأنصارها من جانب آخر.
سوف ينتقص هذا من فرص خلق تعاون إقليمي ذي معنى، يمكنه أن يحول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع من منطقة “عداوات” إلى منطقة سلمية ومستقرة.