هل يستسلم المحافظون لمصيرهم في الانتخابات البريطانية بالاستمرار تحت قيادة سوناك؟
“هذه هي اللحظة المواتية” هكذا قال أحد قادة حزب المحافظين البارزين، قبيل ساعات من بدء الانتخابات البريطانية.
ويعني بذلك اللحظة التي يتم فيها اختبار جدوى قيادة رئيس الوزراء ريشي سوناك في قيادة الحزب.
ولو كانت النتائج النهائية للانتخابات بنفس درجة السوء التي توقعتها استطلاعات الرأي، فسيتعين على أعضاء الحزب الدفع باتجاه تغيير القيادة.
وخسر المحافظون بالفعل مقاعدهم في قيادة بعض المقاطعات ومنها ميدلاندز، وهو ما اعتبروه بمثابة أمر محبط.
ولا تزال عمليات إحصاء الأصوات جارية في عدة مقاطعات، التي تشهد تقاربا شديدا بين المرشحين، وتسبب رعبا لقيادات حزب المحافظين.
وقال لي أحد قيادات الحزب “هناك الكثير من الدوائر الانتخابية التي قد تشكل مصدر رعب لنا”.
ورغم كل ما يجري إلا أن قيادة ريشي سوناك قد تستمر – لكن لماذا؟
لقد كانت قيادة الحزب تطالب نوابها في مجلس العموم، وأنصار الحزب بالتركيز على التصويت في الدوائر الانتخابية التي تشهد منافسين مخضرمين.
وقد أظهرت هذه السياسة جدوى في الدوائر التي كان يتوقع المحافظون الفوز بها بسهولة، لأنهم يمتلكون مرشحين أقوياء.
لكن في الوقت نفسه أظهرت استطلاعات الرأي أنه إذا صوت جميع الناخبين يوم الخميس الماضي، لكان حزب المحافظين تفوق على حزب العمال المعارض بفارق لا يصل إلى 9 بالمائة من الأصوات، وهي من الناحية النظرية، ليست فجوة لا يمكن التغلب عليها.
وقال أحد الوزراء في الحكومة إنه بعد أشهر من توقع النهاية السيئة، ربما نصل إلى برلمان معلق، “أي لا يمتلك فيه أي حزب أغلبية كافية لتمرير قراراته”.
لقد كان حزب العمال متأخرا بشكل كبير عن حزب المحافظين عام 2019، وكان بحاجة لاجتذاب ملايين الأصوات للعودة إلى المنافسة من جديد.
وهذا يفسر لماذا يبدو المحافظون في قمة الرعب بسبب النتائج القادمة من الكثير من المقاطعات والدوائر الانتخابية عبر البلاد.
وهنا يبرز السؤال، لو كانت الحكومة جزءً من المشكلة فكيف يمكنها أن تحلها إذا؟
ويقول وزير سابق: “ليست هناك قوة كافية لجولة أخرى من إدارة الأمور”.
ويضيف ليست لدينا أي فكرة أوفلسفة يمكنها أن تعدل الوضع المأساوي، ورغم ذلك من الواضح أننا يجب أن نفعل شيئا ما أو نستسلم لفقدان الأغلبية.
وهنا يبرز مرشحون محتملون لقيادة الحزب بدلا عن سوناك، منهم سويلا بريفرمان وزيرة الداخلية السابقة التي كتبت في الصانداي تليغراف إنه رغم إيمانها بضرورة تغيير توجهات الحزب إلا أن تغيير القيادات ليس الحاجة الضرورية.
وبالعودة إلى فترة حكم رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، كان سبب تغييرها هو ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي، وكان معارضوها يمتلكون مرشحا بديلا جاهزا وهو بوريس جونسون.
لقد كانوا يدفعون باتجاه مسار سياسي جديد مرسوم مسبقا، لكن الآن ليس هذا الأمر متوفرا كما يقول أحد أعضاء الحزب البارزين واصفا الوضع بانه يشبه رواية “أليس في بلاد العجائب” على اعتبار أن بعض الانتصارات الجانبية، مع دعم قوي من قيادة الحزب تكفي لتسيير الأمور.
الأمر يبدو كما لو كان حزب العمال المعارض يستعد لإعلان الفوز في مقاطعات كثيرة وكذلك حزب الأحرار الديمقراطيين، وكل ذلك على حساب حزب المحافظين، الذي يبدو متجها لأسوأ خسارة انتخابية في تاريخه منذ عام 1996.
وقال أحد الوزراء السابقين في حكومة المحافظين: “لقد كانت ليلة شديدة القسوة، ولا يمكن لشيء أن يخفي أننا في وضع شديد التدهور”.
وأغلب المناطق التي يتجه المحافظون لخسارتها حاليا كانوا قد فازوا بها مع وصول دافيد كاميرون لرئاسة الوزراء، لكن يبدو أن الأحرار الديمقراطيين يستعيدونها مرة أخرى.
وربما سيقول البعض إنه أمر طبيعي أن يحدث ذلك في الانتخابات النصفية لفترة الحكومة لكنها ليست كذلك، فتحن نستعد للانتخابات العامة، وفقدان المحافظين 500 دائرة في الانتخابات المحلية، يعني أن شعبيتهم تتراجع بشكل سريع.
وكان أنصار سوناك يطالبون بمزيد من الوقت العام الماضي، لكن يبدو أن الوقت لم ينفعهم بشيء منذ تولى سوناك إدارة شؤون البلاد بعد ليز تراس.
وكان هؤلاء يعولون على تحسن اقتصادي لكن 12 شهرا لم تسفر عن هذا الأمر منذ الانتخابات المحلية الماضية.
ولا يبدو أن أنصار سوناك قادرين على الاستمرار في مناصبهم الحكومية وغير قادرين في الوقت نفسه على تركها، ويشعرون بأنهم عالقون في أماكنهم.
أليس من الغريب أن بعض السياسيين الأكثر شهرة بالمنفعية، والتنافسية يستمرون في مناصبهم رغم معرفتهم أن الحزب متجه لخسارة الانتخابات؟
ورغم ذلك تتزايد المخاوف من أن تغيير قيادة الحزب الآن قد سبب أضرارا أكثر مما ينفع.
ويرى البعض أن سوناك لا يزال أفضل القادة المتاحين وأن حزب العمال المعارض رغم انتفاضته إلا أنه لن يتمكن من السيطرة على الأغلبية.
وأيضا ينتظر البعض أن يتلقى سوناك وحكومته كل الغضب واللوم على الخسارة قبل أن يقدموا بديلا جديدا.
ويقول وزير سابق “سوناك مستمر دون تحدي على زعامة الحزب فقط لأنه ليس هناك أحد يسعة لتلقي اللوم على الخسارة”.
وبهذا يتضح أن حزب المحافظين قد توصل إلى قرار وهو التعلق بالسلطة والوضع القائم، الذي يتوقع أن يكون أكثر صعوبة خلال الأشهر المقبلة، ويفضل ذلك على إجراء تغييرات سريعة يمكن أن تردي إلى فوضى داخلية.
لكن لو تعرض الحب لخسارة كبيرة ربما تتغير عندها الأمور.
وقال عضو بارز في البرلمان: ” لو لم يحدث ذلك فالحزب قد اتخذ قراره بالاستمرار وتحمل الأعباء”.
ومع خسارة هذا العدد من المقاطعات لم يعد هناك من يقبل بالتضحية بمستقبله السياسي، ولهذا يبتعد الطامحون إلى قيادة الحزب عن انتقاد سوناك حاليا.
وسيبقى مصير سوناك معلقا حتى الاجتماع القادم لمجلس العموم، وحتى صدور النتائج النهائية للانتخابات المحلية، وحتى ذلك الحين سيبقى سوناك في أمان من الهجوم من أعضاء حزبه، لكن هل سيبقى المحافظون في أمان من قرار الأمة؟ بالطبع لا.