هل يستوعب بايدن درس أفغانستان القاسي ويجد حلاً لـ”الرقم الصعب” هناك؟
والمقصود بالرقم الصعب هو حركة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان عام 2001 ورفضت أن تسلم إلى واشنطن قيادات تنظيم القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول الدموية في الولايات المتحدة والتي تبناها التنظيم، فقامت أمريكا بغزو البلاد في إطار ما سمته “الحرب على الإرهاب”، والآن تواجه إدارة بايدن تحدياً ضخماً يتمثل في رغبتها المعلنة في إنهاء الحرب الأطول بالتاريخ الأمريكي أو “الحرب الأبدية” دون وجود خيار جيد أمامها.
ففي اتفاقٍ وُقِّع مع حركة طالبان في فبراير/شباط 2020، وافقت الولايات المتحدة على سحب قواتها من أفغانستان بحلول مايو/أيار من العام الجاري، وتحاول إدارة بايدن التمسُّك باتفاق السلام هذا، لكنها تواجه بعض التحديات الصعبة، حيث لا يزال العنف مرتفعاً ولم يُحرَز تقدُّم يُذكَر في المحادثات الأفغانية-الأفغانية.
هل تنجح خطة إدارة بايدن بأفغانستان؟
ومن أجل جعل الانسحاب الأمريكي أكثر جدوى ولعدم التخلي تماماً عن اتفاق الولايات المتحدة وطالبان، طَرَحَ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خطة سلام مُنقَّحة مع صيغةٍ مؤقَّتة لتقاسم السلطة، واقتراحاً لإشراك الدول الرئيسية بالمنطقة. وستحدِّد التطوُّرات خلال الأسابيع المقبلة، ما إذا كان بإمكان إدارة بايدن الالتزام بالموعد النهائي للانسحاب، ومع ذلك، فمن الواضح، بعد 20 عاماً، أنه لا يمكن لأيِّ حكومةٍ في أفغانستان أن تنجح بدون مشاركة طالبان، وأنه لا يمكن أن تنجح أيُّ عملية سلام في أفغانستان بدون دعم باكستان الكامل، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
لعبت كلٌّ من باكستان والمملكة السعودية والولايات المتحدة دوراً فعَّالاً في مساعدة الأفغان على طرد السوفييت من أفغانستان وإنهاء الحرب الباردة. لكن أفغانستان تمزَّقَت، بسبب الاقتتال الدموي بعد الانسحاب السوفييتي عام 1989. وسمحت الفوضى لـ”القاعدة” بالازدهار، ولزعيمها أسامة بن لادن بتنفيذ أجندته الإرهابية العالمية.
وتدفَّقَ مخدِّر الهيروين إلى البلدان المجاورة، لا سيما إيران. وحين سيطرت طالبان على كابول في عام 1996، تمكَّنَت الجماعة من الحدِّ من إنتاج الأفيون، لكنَّ حكمهم كان قمعياً بلا رحمة، خاصةً ضد النساء. بينما تراجَع الصراع، واصلت الهند وإيران الانخراط في حروبٍ بالوكالة ضد طالبان. وعندما تعرَّضت الولايات المتحدة للهجوم في 11 سبتمبر/أيلول 2001، رفض زعيم طالبان، الملا عمر، تسليم بن لادن إلى الولايات المتحدة، واستغرق الأمر شهرين فقط للإطاحة بـ”طالبان”. لكنهم لم يُهزَموا بعد.
عقدان من الحرب دون جدوى
على مدار العقدين التاليين، سيطر الوضع في أفغانستان على العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان، وغالباً ما ابتُلِيَت بالعداء والاتِّهامات بالازدواجية. وكان الأمريكيون غاضبين من أن الباكستانيين لن يتَّخِذوا إجراءاتٍ صارمة ضد مخابئ طالبان باكستان، لاسيما شبكة حقاني سيئة السمعة، وجادَلَ الأمريكيون بأن الملاذات الآمنة في باكستان حالت دون تحقيق نصرٍ عسكري أمريكي بأفغانستان، واعتقد الأمريكيون خطأً أن أموال دعم التحالف التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات للجيش الباكستاني ستشتري لهم النفوذ الكافي لتأمين الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة.
لكن سرعان ما اتَّهَمَ الأمريكيون باكستان بعدم القيام بما يكفي للقضاء على مشكلة الإرهاب لديها. وفي المقابل، رأت باكستان المناقشات الجارية في الولايات حول حجم القوات، والتقلُّبات العنيفة، والانقسامات في كابول، دليلاً على أن سياسة الولايات المتحدة كانت غير مُتوقَّعة وتهدِّد بتوسيع مسرح الحرب إلى باكستان. وإذا كانت طالبان هناك على أيِّ حال، فإن باكستان كانت مضطرةً إلى مواصلة التواصل معهم.
ولطالما جادلت القيادة الباكستانية بأن عدم قدرتها على ملاحقة طالبان الأفغانية، التي تبحث عن ملاذٍ على أراضيها، لم تكن مسألة إرادة، بل تتعلَّق بالقدرة على ذلك. كان الجيش الباكستاني في الوقت نفسه يتصارع مع الهند المعادية بشكلٍ متزايد، علاوة على تهديد المتمرِّدين في إقليم بلوشستان، أولئك الذين يُشتَبَه في دعم الهند لهم. وعلاوة على ذلك، رغم احتفاظ باكستان بنفوذها على طالبان، فإنَّ دفع الجماعة بقوةٍ أكبر كان يمكن أن يجعلها أقرب إلى الدول الأخرى التي أقامت أيضاً علاقاتٍ معها بعد الغزو الأمريكي.
خطايا أمريكا في أفغانستان
من منظورٍ باكستاني، ارتكبت الولايات المتحدة خطأين أساسيَّين: الأول عدم التفريق بين القاعدة وطالبان، والثاني هو القرار الأمريكي بمنع طالبان من عملية تشكيل الحكومة بعد اتفاقية بون عام 2001، التي سعت إلى إعادة تأسيس المؤسَّسات الحكومية بعد الغزو الأمريكي.
في العام الماضي، كانت باكستان اللاعب الرئيسي في جلب طالبان إلى طاولة المفاوضات. ومع تعرُّض اتفاقية الانسحاب الأمريكية للخطر، من المُتوقَّع الآن أن تضغط باكستان على طالبان؛ من أجل الامتثال لالتزاماتها. لكن الحقيقة هي أنه في كلِّ يومٍ تتأخَّر فيه تسويةٌ سياسية، يتآكل نفوذ باكستان على طالبان.
وتُعَدُّ عملية السلام هشَّة، والجيش الأفغاني وحلف الناتو لا يزالان يقاتلان طالبان. على الرغم من عدم استهداف أيِّ قواتٍ أمريكية مؤخَّراً، يهدِّد انهيار محادثات السلام بزيادة الهجمات ضد الأمريكيين، مِمَّا سيزيد من تعقيد الانسحاب الأمريكي. ومن شأن استمرار زعزعة الاستقرار داخل أفغانستان أن يؤدِّي إلى تدهور حالة الأمن الداخلي لباكستان ويدفع بموجةٍ أخرى من اللاجئين الأفغان. ولا يزال لدى باكستان ما يُقدَّر بـ2.5 مليون لاجئ أفغاني داخل حدودها، ولدى استقرارها سوف تمنحهم أفغانستان خيار العودة أخيراً إلى ديارهم. أما تجدُّد عدم الاستقرار في أفغانستان، فمن شأنه أن يجلب العنف إلى البدات الحدودية الباكستانية ويقضي على أيِّ احتمالاتٍ للتجارة الثنائية.
وفي السنوات الأخيرة، أحرزت باكستان تقدُّماً في مواجهة التهديد الإرهابي الداخلي وتجنُّب توحيد طالبان في كلا البلدين: أفغانستان وباكستان. والأهم من ذلك أن المؤسَّسة الأمنية الباكستانية أيضاً واصلت تحديث عمليات القيادة والتحكُّم النووي وتحسين تصنيف البلاد على مؤشِّر الأمان النووي.
ولباكستان دورٌ إستراتيجي واقتصادي مهم في آسيا، وسيكون من المهم للولايات المتحدة أن تركِّز اهتمامها على باكستان لهذا السبب وحده. لكن تجدُّد القتال في أفغانستان سيجعل ذلك أصعب. ولا تخدم زعزعة الاستقرار في أفغانستان لا باكستان ولا المصالح الحيوية للولايات المتحدة. والسؤال الآن هو: ما الخطوات العملية التي يمكن اتِّخاذها لتحسين فرص السلام في أفغانستان؟
وتقترح خطة بايدن للسلام أن تستضيف تركيا حوارات السلام الأفغانية. وأعلنت روسيا خططاً لعقد مؤتمر سلام آخر في 18 مارس/آذار. وبينما يحاول لاعبون إقليميون مختلفون تأكيد علاقتهم بالتطوُّرات الجارية في أفغانستان، تظلُّ الحاجة إلى تسوية تفاوضية بين الأفغان أولويةً قصوى. ولم تلق خطة بايدن التي تدعو إلى استبدال الحكومة الأفغانية وإحلال إدارة مؤقتة لتقاسم السلطة محلها، في انتظار الانتخابات بموجب دستورٍ جديد، استقبالاً جيِّداً من الرئيس الأفغاني. ومع ذلك، تظلُّ الحقيقة هي أنه يجب استيعاب طالبان في ترتيبٍ جديدٍ لتقاسم السلطة، وأن تشكيل حكومة انتقالية وسيلةٌ جيِّدة للقيام بذلك حتى يمكن إجراء جولةٍ أخرى من الانتخابات.