هل يكون بابا خلفيا للتطبيع… 4 بلديات تونسية تنضم لمنظمة إسرائيلية

لم يمضِ على نفي السلطات التونسية توجه بلادهم نحو توطيد العلاقات مع إسرائيل سوى أيام، حتى عاد الجدل مرة أخرى بشأن عودة التطبيع داخل مؤسسات الدولة بشكل خفي، بعد انضمام عدد من البلديات التونسية إلى منظمة إسرائيلية.

وكانت بلديات كل من سوسة وصفاقس وبنزرت والقيروان قد أعلنت مؤخرا عن انضمامها إلى منظمة “رؤساء بلديات من أجل السلام” التي تضم مسؤولين إسرائيليين محليين، والتي أقيمت بهدف تعزيز سبل التعاون والسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وأثارت هذه الخطوة غضبا واسعا في الشارع التونسي، حيث اعتبرها حقوقيون وسياسيون انحيازا إلى الصف الإسرائيلي وخرقا للموقف الرسمي التونسي ومحاولة لجعل التطبيع أمرا عاديا، مما ادى لتجدد المطالب بسن قانون يجرم التطبيع مع إسرائيل ويعتبره خيانة.

مدخل لقبول التطبيع

من جهته اعتبر الأمين العام لحزب التيار الشعبي زهير حمدي في حديث صحفي، أن انضمام هذه البلديات إلى منظمة إسرائيلية هو اختراق جديد في مؤسسات الدولة التونسية، قائلا إن الحزب نبه مرارا من تحول الحكم المحلي كونه سلطة معزولة عن السلطة المركزية إلى مدخل لقبول ما لم تقبل به السلطة المركزية بما في ذلك رفض التطبيع.

وشدد حمدي على أن الموقف الرسمي لرئاسة الجمهورية وللخارجية التونسية ما يزال رافضا للانخراط في مسار التطبيع الذي وافقت عليه سبع دول عربية.

وقال إن “الشعب التونسي سيظل مقاوما لمسألة التطبيع لسببين، أولهما اعتبار الكيان الصهيوني خطر على كامل الإقليم وأن مقاومته ورفض التطبيع معه حماية للسيادة التونسية وللأمن القومي، وثانيهما التزام تونس بواجب التضامن مع الشعب الفلسطيني ودعم كفاحه من أجل الحصول على حقوقه وتقرير مصيره”.

ويرى الأمين العام للتيار الشعبي أن المسار الذي اتبعته البلديات الأربع يندرج ضمن مساعي إدخال التطبيع من أبواب أخرى غير السلطة المركزية، قائلا إن هذا السبب استدعى تنديد الحزب بهذه الممارسات وتنظيمه وقفات احتجاجية أمام البلديات المطبعة للتذكير بأن التطبيع خط أحمر.

وأضاف “سنعمل مع كل القوى الوطنية من أجل الاستمرار في مقاطعة هذا الكيان وعدم السقوط في شرك التطبيع الذي تحاول القوى الكبرى المهيمنة فرضه على شعوب المنطقة بالترغيب والترهيب مثلما فعلت مع أنظمة الخليج والسودان والمغرب.

ضرب لمبدأ المقاطعة

وقال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، محمد علي البوغديري، في تصريح صحفي، إن موقف الاتحاد واضح بشأن التطبيع مع إسرائيل والوقوف دائما إلى جانب القضية الفلسطينية وفي صف الشعب الفلسطيني.

وتابع “بشكل عام، أي مشاركة لمؤسسات في المجتمع التونسي في منظمات أو هياكل تضم صهاينة تعتبر ضربا في العمق لمبدأ المقاطعة ومبدأ مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي شرد العائلات ودمر الأرض”.

واستدرك، “لكن مسألة الانضمام إلى منظمات يتواجد فيها الصهاينة يمكن النظر إليها من وجهات مختلفة”، موضحا أن تونس عضو في عدة منظمات تظم إسرائيليين على غرار الأمم المتحدة والمنظمة العالمية للشغل ومنظمة التجارة العالمية.

وأضاف أنه بإمكان المؤسسات التونسية أن تتواجد في هذه المنظمات وأن تدافع عن القضية الفلسطينية في نفس الوقت، قائلا: من المهم أن يتم التعريف بالقضية الفلسطينية في المحافل الدولية.

ولا يستبعد البوغديري أن يكون قرار انضمام البلديات التونسية إلى منظمة “بلديات من أجل السلام” عن حسن نية على اعتبار أن مكونات الشعب التونسي تجمع على مسألة اعتبار التطبيع خيانة.

تجريم التطبيع ضرورة

وجدد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل مطالبة الاتحاد بسن قانون من البرلمان يجرّم التطبيع، لرفع الحرج عن مثل هذه الملابسات.

ويرى البوغديري أن تأخر سن هذا القانون رغم الاجماع الشعبي والحقوقي على تجريم التطبيع، مردّه وجود أطراف سياسية تأتمر لأوامر جهات أجنبية متعاونة مع الكيان الصهيوني، مضيفا أن هذه الأطراف تخشى إغضاب آمريها الذين يمثلون مصدر رزق لهم.

وأكد أن هذه الأطراف لا تشكل وزنا مقارنة بالإرادة الشعبية الواسعة الرافضة للتطبيع.

من جانبه، اعتبر رئيس الرابطة التونسية للتسامح صلاح الدين المصري في تصريح لـ”سبوتنيك”، أن انتقال التطبيع من الحكم المركزي إلى الحكم المحلي ممثلا في البلديات “هو نتيجة للخلل الكامن في عدم وجود قانون يجرم التطبيع”.

وقال المصري إن هناك فرقا شاسعا بين الانضمام إلى منظمات تم تأسيسها من أجل تبرير التطبيع مثل منظمة “بلديات من أجل السلام” التي تأسست سنة 2006 بهدف شرعنة التطبيع، وبين منظمات تأسست بمعزل عن الكيان الصهيوني مثل منظمة الأمم المتحدة.

ويرى الحقوقي أن أي منظمة تهدف إلى التطبيع مع إسرائيل أو بناء علاقات مع الكيان الصهيوني فهي مدانة من الرابطة التونسية للتسامح ومن طرف الشعب التونسي، مضيفا أن الإدانة الواسعة لانضمام البلديات الأربع إلى منظمة اسرائيلية والتحرك الاحتجاجي لمتساكني هذه المناطق يؤكدان رفض الشعب التونسي لأي شكل من أشكال التطبيع.

ودعا المصري نواب البرلمان التونسي إلى إيقاف هذه الفوضى والتسريع بسن قانون يجرم التطبيع وينهي الجدل بشأن قضية لطالما كانت محل إجماع بين مكونات الشعب التونسي، خاصة في ظل وجود محاولات تسويق للتطبيع بشكل غير رسمي من خلال منظمات رياضية.

وقال النائب عن حزب صوت الفلاحين فيصل التبيني لـ “سبوتنيك”، إن البرلمان تقدم بمبادرة تشريعية لتجريم التطبيع سابقا، لكن حركة النهضة تمكنت مع حلفائها من اسقاطها أثناء التصويت.

وأضاف النائب أن “هذا الإجراء أثبت الانفصام في المواقف التي تتبناها بعض الأطراف السياسية ممن تتبجح في العلن برفض التطبيع وبدعم القضية الفلسطينية وتفعل عكس ذلك في الواقع”.

وتعليقا على مسألة انضمام البلديات إلى منظمة اسرائيلية، اعتبر التبيني أن القضية الفلسطينية خط أحمر وأن أي تقارب مع الكيان الصهيوني مرفوض مهما كانت الأسباب والمبررات، وأن  كل تطبيع هو خيانة للقضية الفلسطينية.

يشار إلى أن بلدية بنزرت، وهي إحدى البلديات المنضمة، قد علقت على الانتقادات الموجهة إليها بالقول إن “المجلس البلدي تداول في المراسلة التي تلقاها من وزارة الشؤون المحلية والبيئة عن طريق وزارة الشؤون الخارجية وعن طريق السفير التونسي بطوكيو للنظر في الانضمام لمنظمة رؤساء بلديات من أجل السلام، ولم يجد مانعا في الانضمام للمنظمة المذكورة خاصة وأنها لا تعنى بالتطبيع”، مستشهدة بأن تونس مشاركة في عدة منظمات دولية.

وتداولت مواقع إعلام أجنبية في الآونة الأخيرة معلومات عن سعي تونس إلى الانضمام إلى ركب التطبيع العربي مع إسرائيل، غير أن وزارة الخارجية التونسية نفت هذا الأمر وأكدت تضامنها مع الشعب الفلسطيني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى