آخر الأخبارتحليلات و آراء

هل ينجح اتفاق بكين في إحباط مشاريع الوصاية؟

سليم الزريعي

ربما على ضوء فشل كل اتفاقات المصالحة السابقة بين حماس وفتح يستمر الشك في صدقية نوايا الطرفين في تنفيذ ما اتفق عليه في بكين، ومع أن وزير الخارجية الصيني وانغ بي عبر عن التفاؤل بترجمة الاتفاق إلى وقائع ملموسة عندما اعتبر أن “أهم نقطة في اتفاق مصالحة بكين هي ” الاتفاق على تشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة حول إدارة غزة بعد الحرب”. كونها كما قال إحدى النقاط التي يدور النقاش بشأنها من أطراف مختلفة منذ أشهر.

وهو تفاؤل يتجاهل حسب مصدر شارك في الاجتماعات نقل عنه تلفزيون الشرق، أن الخلافات الجوهرية بين الحركتين بشأن إنهاء الانقسام، ما تزال قائمة، وهي تتعلق بالسلطة والقانون والسلاح الشرعي الواحد، وأساليب النضال”..

ففي الوقت الذي “ترى فيه فتح أن السلطة يجب أن تكون موحدة، والسلاح موحداً بيد رجال الأمن فقط، ترى حماس أن المرحلة هي مرحلة تحرر وطني تتطلب من الفصائل حمل السلاح والمقاومة”.

كما أن هناك حسب نفس المصدر ” خلافات سياسية جوهرية تتعلق بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل، وتتمسك بها فتح، بينما تطالب حماس بالتخلي عنها بعدما ثبت فشلها في تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية خاصة إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس”.
وربما تضيف عمومية صياغة البيان ظلالا من الشك قد تجعله يلحق بغيره من اتفاقات المصالحة التي بقيت مجرد بيان للذكرى، ذلك أن التفاهمات السياسية العامة في اتفاق بكين، تنقصها الآليات التنفيذية والجداول الزمنية، وهذه وصفة من شأنها أن تجعل منه واحداً من التفاهمات السابقة في غياب الإرادة السياسية المشتركة لتطبيقه.

لكن السؤال هو: هل واقع فتح وحماس هو نفس واقعهما عند عقد المصالحات السابقة؟ أكاد أجزم أن الوضع مختلف جذريا في ظل المتغيرات التي أحدثتها الحرب على غزة، كون حماس الآن، ليست هي حماس ما قبل الطوفان، وهي تدرك أن سيطرتها على غزة باتت من الماضي في ظل التوافق الأمريكي الأوروبي الصهيوني على ذلك، فيما نوايا استهداف السلطة من قبل حكومة الصهيونية الدينية تتعاظم يوما بعد يوم، وربما آخرها تصويت الكنيست الصهيوني على رفض قيام الدولة الفلسطينية، في استهداف مباشر للقضية الفلسطينية ، وهذا يضع كلا من فتح وحماس محل استهداف مباشر، يضاعف من الخوف لدى الطرفين من المستقبل التوقعات العالية بعودة ترامب إلى البيت الأبيض بكل مواقفه المعادية للشعب الفلسطيني. ليكون السؤال هل حقا الاتفاق بين الطرفين وبقية الفصائل هو خيار فلسطيني واعي ينطلق من إرادة سياسية يغادر مربع المصالح الحزبية الضيقة سعيا للخلاص الفردي وأيضا الجمعي، في ظل تهديد الكيان الصهيوني بأن اتفاق بكين لن يرى النور؟

إن اتفاق بكين قد يكون الفرصة الأخيرة للطرفين لاختبار مدى إحساسهما بالمسؤولية الوطنية، في ظل ما يحضر إلى غزة، الذي يبدأ بتجريم حماس، ثم الشروع في هندسة وضع قطاع غزة تحت الوصاية لفترة من الزمن، بترتيب من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني وربما بعض العرب، في حين أن اتفاق بكين يقدم مقاربة فلسطينية من شأنها قطع الطريق نظريا وعمليا على كل تلك المحاولات. وربما اللافت ويحمل دلالات ذات أبعاد سياسية وأيديولوجية هو البند الثالث من اتفاق بكين الفقرة( أ) التي تنص على: الالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، طبقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وخصوصا قرارات 181، 2334 وضمان حق العودة طبقا لقرار 194.

وهي رسالة بالغة الدلالة من حماس والجهاد بتوقيعهما على البيان الذي يعني بشكل غير مباشر بالموافقة على قرار الجمعية العامة الصادر في 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين أحدهما يهودية والأخرى عربية، وهو ما كان الرئيس الفلسطيني قد اشترط الموافقة على ما سماها قرارات الشرعية الدولية وتطبيقها بالكامل على حماس والجهاد لدخول منظمة التحرير الفلسطينية، وبالضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية ستقدم نفسها للعالم على أنها حكومة تمثل الكل الفلسطيني، وعندما تطالب بدولة فهي تستند في مطالباتها إلى قرارات الأمم المتحدة ومنها القرار 181.

إن أيا من الطرفين سيخسر الكثير بمفردة، ولكن الوحدة هي خشبة الخلاص للجميع، ليس أمام القوى المعادية، وإنما أمام الشعب الفلسطيني الذي قد تعيد له الوحدة، بعض الثقة في القوى السياسية، وهذه قيمة مضافة من شأنها أن تساهم في تعزيز القدرة على مواجهة كل المؤامرات التي تستهدف القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، الذي هو أكبر من كل الفصائل..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى