هل ينجح السياسيون في إنقاذ الاتفاق الليبي من الانهيار؟

وصل الخلاف على القاعدة الدستورية التي ستجرى عليها الانتخابات الليبية إلى طريق مسدود، قبيل نحو 3 أسابيع من انتهاء المهلة التي حددتها مفوضية الانتخابات لتسلُّمها، كمؤشر لاحترام موعد الانتخابات (24 ديسمبر/كانون الأول المقبل).

بالموازاة كثفت الأمم المتحدة وعدة دول معنية بالملف الليبي على غرار تركيا وروسيا وفرنسا والجزائر، جهودها الدبلوماسية لإنقاذ المسار السياسي، الذي رسمه مؤتمر برلين الأول.

إذ من المقرر أن ينعقد مؤتمر برلين الثاني في 23 يونيو/حزيران الجاري؛ لبحث “سبل استقرار ليبيا، ومناقشة التحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وخروج الجنود الأجانب والمرتزقة من ليبيا”، وفق الخارجية الألمانية.

الرئاسيات تجمد القاعدة الدستورية

تشهد ليبيا في هذه الأيام مرحلة حاسمة، بعد تصادم المواقف وتعقُّدها في أكثر من ملف، وعلى رأسها فشل ملتقى الحوار في حسم الخلافات التي رفعتها اللجنة القانونية، خاصةً ما تعلق بانتخاب رئيس الدولة بشكل مباشر أو عبر البرلمان.

فخلال اجتماع أعضاء ملتقى الحوار افتراضياً في 26 و27 مايو/أيار الماضي، والذي بُث على الهواء مباشرة، كان التوجه الأغلب للأعضاء المتدخلين هو تأييد انتخاب الرئيس عبر الاقتراع السري المباشر، بينما فضَّل البعض انتخاب الرئيس من خلال البرلمان.

ولم تعلن البعثة الأممية بعدُ موعداً جديداً لانعقاد جلسة ملتقى الحوار، أو الآلية التي سيتم بها حسم هذا الخلاف سواء عبر الانتخاب أو البحث عن توافق لم يتحقق بعد.

ليبيا خليفة حفتر
رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبدالحميد الدبيبة/ رويترز

لكن في خضم هذا الخلاف، عاد رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) خالد المشري، لتأكيد ضرورة إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور قبل الانتخابات.

ويشدد المشري على أن قانون الاستفتاء على الدستور جاهز، وتم تسليمه لمفوضية الانتخابات منذ فبراير/شباط 2019، متهماً المفوضية بالتلكُّؤ، دون أي أسباب، في إجراء الاستفتاء، مؤكداً القدرة على إنجاز الاستفتاء قبل يوليو/تموز أو أغسطس/آب المقبلين.

المشري لم يكتفِ بالهجوم على رئيس مفوضية الانتخابات عماد السايح، بل اتخذ قراراً مهماً وخطيراً، بأن “المجلس الأعلى للدولة لن يذهب في مسار المناصب السيادية حتى النهاية إلا إذا حدث تقدُّم واضح في توحيد المؤسسة العسكرية”.

وهي خطوة تعبر عن رفض المشري تسليم منصب محافظ “بنك ليبيا المركزي” إلى شخصية من الشرق، كما ينص على ذلك اتفاقُ بوزنيقة بين وفدي مجلسي النواب والدولة، في الوقت الذي يعرقل فيه اللواء  خليفة حفتر عملية توحيد الجيش، والخضوع التام للقائد الأعلى للجيش ممثلاً في المجلس الرئاسي بأعضائه الثلاثة.

عقيلة صالح يناور

بينما يناور رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لعرقلة مشروع موازنة الدولة (مشروع قانون المالية) بهدف تخصيص ميزانية لميليشيات حفتر، وأيضاً الضغط على مجلس الدولة من أجل تقاسم المناصب السيادية وعلى رأسها محافظ البنك المركزي.

هذه المناورات السياسية والقرارات الانفرادية لصالح دفعت عدداً من النواب إلى التعبير عن استيائهم منها، على غرار نائب رئيس مجلس النواب فوزي النويري، الذي طالب المؤسسات السيادية بعدم الاعتداد بمراسلات صالح، على خلفية قيام الأخير بدعوة النواب لجلسة رسمية، الإثنين، بمدينة طبرق؛ لمناقشة بندَي مشروع قانون الموازنة، وتولي المناصب القيادية بالوظائف السيادية.

عقيلة صالح، أرشيفية/ مواقع التواصل

ويهدد الخلاف بين عقيلة ونائبه، بعودة الانقسام إلى مجلس النواب مجدداً، مما قد يعطل العملية الانتخابية برمتها، خاصةً أن البرلمان معنيٌّ بالمصادقة على القاعدة الدستورية وأيضاً اعتماد قوانين الانتخابات (البرلمانية والرئاسية والاستفتاء على مشروع الدستور)، قبل الذهاب إلى أي انتخابات.

 تحرك دولي

في خضم هذا الوضع الداخلي المتأزم والذي يوشك أن يتفجر، شهدت الأيام الأخيرة عدة تحركات دبلوماسية دولية، خاصةً تلك التي قادها وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الذي بحث مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، بباريس، الملف الليبي.

كما أجرى مباحثات مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، عبر تقنية التواصل المرئي، تناولت التنسيق والتشاور في عدة قضايا وعلى رأسها الملف الليبي.

وعقد نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، ونائب وزير الخارجية الروسي مبعوث بوتين إلى الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الأممي لدى ليبيا يان كوبيش، اجتماعاً في موسكو؛ لبحث الملف الليبي، بحسب بيان للخارجية الروسية 8 يونيو/حزيران الجاري.

حيث أكد المسؤولون الثلاثة “أهمية تعزيز الجهود الدولية في سبيل تقديم الدعم للانتخابات الليبية المزمع إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول القادم، برعاية الأمم المتحدة”.

وفي مايو/أيار الماضي، بحث وزير الخارجية التركي مع يان كوبيتش، الأوضاع في ليبيا خلال اجتماع بمدينة أنطاليا التركية.

المغرب من جهته، حاول جمع رئيس مجلس النواب مع رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبيَّين؛ لاستكمال تفاهمات بوزنيقة حول توزيع المناصب السيادية، لكن الرجلين لم يجتمعا وجهاً لوجه في الرباط، ما يعكس عمق الخلافات بين الطرفين.

الجزائر كذلك استقبلت مؤخراً رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة، الذي طلب من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إتمام المصالحة بين الليبيين في بلاده.

وفي هذا الصدد، زار نائبا رئيس المجلس الرئاسي الليبي، موسى الكوني وعبدالله اللافي، الجزائر، بعد أيام قليلة من زيارة الدبيبة؛ للطلب من الجزائر لعب دور أكبر في مؤتمر “برلين2” حول ليبيا.

وفي لقاء صحفي مع قناة “الجزيرة” القطرية، قال تبون إن الجزائر كانت ستتدخل “بصفة أو بأخرى، ولا نبقى مكتوفي الأيدي”، لمنع سقوط عاصمة مغاربية في يد المرتزقة، مشدداً: “لما قلنا (خط أحمر)، حقيقةً كان خطاً أحمر، فوصلت الرسالة ولم يتم احتلال طرابلس”.

وأجرت الجزائر تعديلاً دستورياً يسمح لجيشها بالتدخل خارج حدود البلاد، بعد أن كان ذلك ممنوعاً دستورياً.

وتشكل هذه التحركات الدولية، وضمنها زيارة الدبيبة لكل من إيطاليا وفرنسا، ومباحثات رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي مع الرئيس التونسي قيس سعيّد في تونس، مشاورات تحضيرية لما قد يفرزه مؤتمر “برلين2”.

إذ من المتوقع أن يتم تقييم ما تم إنجازه بعد مؤتمر “برلين1″، الذي عُقد في يناير/كانون الثاني 2020، بمشاركة الدول الخمس دائمة العضوية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) وألمانيا وتركيا وإيطاليا والجزائر ومصر والإمارات والكونغو، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي.

فالعملية السياسية مهددة بالتعثر، خاصة مع عدم الاتفاق على قاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات، وبطء عمل مجلس النواب في إصدار القوانين المتعلقة بالانتخابات، وعدم التقدم في ملف توحيد الجيش وإخراج المرتزقة وفتح الطرقات.

والتحدي الأبرز هو ما إذا كانت الدول المشاركة في مؤتمر “برلين2” ستفرض عقوبات على الأطراف التي تعرقل العملية السياسية وعلى رأسها ميليشيات حفتر، وهل تملك آليات لإخراج مرتزقة فاغنر والجنجويد من ليبيا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى