هواء سامٌّ يصيب 20 مليون شخص بمدينة واحدة.. نسوا شكل السماء، وحياتهم توقفت، ويعيشون على الكمامات
بدأ سكان مدينة دلهي ينسون شكل السماء حين تكون صافيةً في الصباح. فبعد نحو أسبوع من عيد ديوالي، لم تظهر أي مؤشراتٍ على اقتراب زوال الضباب الدخاني البني الكثيف الذي غطى المدينة بعد العيد.
يقول تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، إنه مع ازياد نسبة الهواء السام وظهور صعوباتٍ في التنفس لدى 20 مليون شخص، شهد الجمعة 1 نوفمبر/تشرين الثاني إعلان حالة طوارئ صحية عامة، في حين أعلن آرفيند كيجريوال، رئيس وزراء دلهي، أنَّ المدينة أصبحت أشبه بـ «غرفة غاز».
قال ساشين ماثور، وهو أحد سكان المدينة وعمره 31 عاماً ويعمل سائق عربةٍ ثلاثية (توك توك) في شمال غربي دلهي، إنه مضطرٌ إلى البقاء خارج المنزل بسبب طبيعة عمله، لكنَّه يواجه صعوبةً كبيرة بالتنفس في أثناء يومه، وبالكاد يستطيع إبقاء عينيه مفتوحتين على الطرق، لأنَّ التلوث يسبب له ألماً ودموعاً في عينيه.
وأضاف: «أقود عربتي الثلاثية على طرق دلهي منذ ثلاث سنوات، وفي كلِّ عامٍ بعد عيد ديوالي، تصبح دلهي هكذا. أعاني التهاباً في الحلق، وأشعر بحرقانٍ في عيني. والتلوث لا يجعلني أستقبل كثيراً من الركاب، لذا لا أستطيع تحمُّل تكلفة الذهاب إلى الطبيب».
ويبدو أنَّ أزمة تلوث الهواء أصبحت تقليداً سنوياً بدلهي في هذا الوقت من كل عام، وذلك بسبب مزيجٍ سامٍّ من الدخان المنبعث من الألعاب النارية الاحتفالية وبقايا المحاصيل التي يحرقها المزارعون في منطقتي بنجاب وهاريانا المجاورتين، وانخفاض درجات الحرارة الذي يؤدي إلى انحباس الأدخنة.
ولكن على الرغم من وعود المسؤولين بأنَّ القوانين واللوائح الجديدة، وضمن ذلك حظر الألعاب النارية، ستحافظ على نظافة الهواء، ارتفع مؤشر جودة الهواء في الأسبوع الجاري، إلى أكثر من 500 درجة، ليكون بذلك أعلى 20 مرةً من المستوى الذي تعتبره منظمة الصحة العالمية صحياً.
هذا وأُغلِقَت المدارس حتى يوم الثلاثاء القادم 5 نوفمبر/تشرين الثاني، وصدرت أوامر بإيقاف أعمال البناء، وطرحت الحكومة 5 ملايين كمامةٍ لتوزيعها على السكان. واعتباراً من يوم غدٍ الإثنين 4 نوفمبر/تشرين الثاني، ستبدأ المدينة كذلك في تطبيق نسخةٍ تجريبية من مخططٍ مروري يُخصِّص أياماً للسيارات التي تحمل لوحاتٍ ذات أرقامٍ زوجية، وأياماً أخرى للسيارات ذات الأرقام الفردية. لكنَّ كثيرين في المدينة قالوا إنَّ هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير أقوى، لا سيما منع السبب الرئيسي في التلوث، وهو الأدخنة المتصاعدة من حرق بقايا المحاصيل بالولايات المجاورة.
وقالت راشيل راو، نائبة مدير مدرسة كوين ماري في دلهي، إنها اضطرت إلى الحد من الأنشطة الطلابية بفناء المدرسة. وأضافت: «على مرِّ السنوات العشر الماضية، كان الوضع يزداد سوءاً، لم نعتد رؤية هذا المستوى من التلوث قط. لقد كانت الأيام القليلة الماضية فظيعة للغاية، إذ رأينا عديداً من طلابنا يمرضون ويشتكون من صعوبة التنفس».
وأردفت: «قبل عيد ديوالي، حاولنا نشر الوعي بين طلابنا بشأن عدم إشعال الألعاب النارية؛ على أمل أن ينقلوا هذه الرسالة إلى أهاليهم في المنازل. لكنَّ حكومة دلهي، وحكومة بنجاب، وحكومة هاريانا والحكومة المركزية يجب أن تتوصل إلى حلولٍ أفضل بدلاً من إلقاء اللوم بعضها على بعض في المشكلة».
في حين قال نيراج شارما، وهو رجل أعمالٍ عمره 45 عاماً، إنَّ ابنه البالغ من العمر 16 عاماً، رياضيٌّ محترف لكنَّه اضطر إلى التوقف عن التدريب في الأسبوع الجاري، لأنَّ مستويات التلوث جعلت ممارسة الرياضة مستحيلة.
وقال شارما: «من الصعب للغاية التنفُّس في هذا الجو، فهناك مذاقٌ مُرٌّ بالهواء. أعتقد أن الحكومة سطحية للغاية في النهج الذي تتبعه للسيطرة على التلوث. فعلى مرِّ السنوات الخمس الماضية، لم تفعل حكومة دلهي شيئاً، ولكن الآن، مع اقتراب الانتخابات، يتظاهرون بأنَّهم مهتمون. لقد قالت حكومة دلهي إنَّها حظرت المفرقعات والألعاب النارية في مدينة دلهي، فكيف رأينا اشتعال هذا الكمِّ الكبير منها بجميع أنحاء المدينة في عيد دوالي؟».
ثم تنهَّد شارما بعمق قائلاً: «إذا سألتني، فسأقول لك: لن يتغير شيء، بل سيستمر الوضع في التفاقم من سيئ إلى أسوأ».
وفي السياق نفسه، شهدت مستشفيات دلهي، في الأسبوع الجاري، ارتفاعاً كبيراً في عدد المرضى الذين يعانون مشكلاتٍ في الجهاز التنفسي. وقال الطبيب ساي كيران تشودري، رئيس قسم أمراض الرئة بمستشفى Delhi Heart & Lung Institute، إنَّ السكان أصبحوا أفضل وعياً بمخاطر التلوث في العامين الماضيين، إذ أصبح استخدام الكمامات شائعاً بالمدينة في الأسبوع الجاري، في حين لزم عديد من المواطنين منازلهم. وقال تشودري: «زيادة أعمال البناء، وزيادة معدلات التحضُّر، وزيادة عدد السيارات على الطرق، والحد من المساحات الخضراء، كلها عوامل تجعل هذه المشكلة أسوأ كل عام. كثيرون يموتون بسبب ذلك».
وفي الواقع، كشفت دراسةٌ أجراها معهد Energy Policy بجامعة شيكاغو، وصدرت يوم الخميس الماضي 31 أكتوبر/تشرين الأول، عن التداعيات الصحية بعيدة المدى للعيش في هذا التلوث. ووجدت الدراسة أنَّ متوسطالعمر المتوقع للأشخاص الذين يعيشون في ولايات بهار وشانديغار ودلهي وهاريانا وبنجاب وأوتار براديش وبنغال الغربية، ينخفض بمعدل سبع سنوات بسبب التلوث.