واشنطن متهمة بإجراء عمليات استئصال رحم لمهاجرات..كيف يعد تعقيم نساء الأقليات في أمريكا عملية قانونية ؟
تعقيم نساء الأقليات في أمريكا كان سياسة رسمية لوقت قريب ويبدو أنها لم تنته تماماً.
فقد تلقَّى المفتِّش العام بوزارة الأمن الداخلي الأمريكي، خلال الأسبوع الماضي، شكوى رسمية تزعم إخضاع بعض المهاجرات لاستئصال الرحم غير الضروري داخل مركز احتجاز مقاطعة إيروين التابع لإدارة الهجرة والجمارك في ولاية جورجيا.
حينما تُستهدف مجموعة معيّنة استهدافاً مُمنهجاً، مثلما تفيد التقارير بشأن معاملة الصين لمسلمي الإيغور، يتسّق التعقيم القسري مع التعريف الذي وضعته المحكمة الجنائية الدولية للإبادة الجماعية، حسبما ورد في مقال بصحيفة Washington Post الأمريكية كتبه ستيفن مور: أستاذ مساعد بجامعة وسيليان الأمريكية.
يقول مور إن بلاغ التعقيم القسري الذي تلقّته السلطات الأمريكية مؤخراً يذكِّر بتاريخٍ طويل من استخدام الولايات المتحدة لهذه الممارسة لمنع نساء المجموعات الموصومة من إنجاب الأطفال. وتوصّلت دراستي البحثية إلى أن كثيراً من الأمريكيين ما زالوا يدعمون تعقيم السجينات.
تعقيم نساء الأقليات في أمريكا كان سياسة رسمية
منذ أوائل القرن العشرين، خضع آلاف الأمريكيين للتعقيم القسري. إذ تواجدت مجالس لتحسين النسل تتمتّع بسلطة طلب التعقيم في 33 ولاية أمريكية. وقد وافق مجلس تحسين النسل بولاية أوريغون على آخر عمليات التعقيم التي أقرّها في عام 1981. واستهدفت تلك المجالس الأشخاص ذوي الإعاقة أكثر من غيرهم، وهي ممارسة أيّدتها المحكمة العليا في عام 1927.
وتفيد الدراسة البحثية بأن ذلك لم يكن التحيّز الوحيد الذي انطوت عليه عمليات التعقيم، إذ استهدف مجلس تحسين النسل في نورث كارولينا النساء السود أكثر من البيض في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وبخلاف هذه البرامج التي تديرها الدولة، خضعت الناشطة الشهيرة في مجال الحقوق المدنية، فاني لو هامر، لعملية استئصال الرحم قسراً ودون داع في عام 1961، وقالت إن نحو ثلثي النساء السود في مقاطعة هيندز، بولاية ميسيسيبي، قد خضعن لهذا الإجراء، الذي عُرِف بالعامية باسم “استئصال الزائدة الدودية في ميسيسيبي”.
ورغم اعتذار ولاية كارولينا الشمالية لضحايا برنامج تحسين النسل وتعويضهم، استمرّت عمليات التعقيم القسري حتّى هذا القرن. فعلى سبيل المثال، أخضعت سجون كاليفورنيا 148 سيدة على الأقل للتعقيم في الفترة بين 2006 إلى 2010.
من هم داعمو التعقيم القسري؟
إن الذين يدعمون ممارسات التعقيم هذه لا يرونها بالضرورة إجراءات قاسية أو عنيفة، ولا يشعرون بالضرورة بعداء تجاه المجموعة التي تستهدفها الممارسة. فعلى سبيل المثال، وُبِخ القاضي سام بينينجفيلد رسيماً في عام 2017، حينما عرض على المدّعى عليهم تخفيض مدّة العقوبة 30 يوماً مقابل الموافقة على التعقيم. وزعم القاضي إنه كان يحاول منح هؤلاء الماثِلين أمام المحكمة “فرصة.. للفلاح”.
أردت معرفة ما إذا كانت هذه المحاولة لحرمان الأشخاص من قدرتهم بغرض مساعدتهم نوعاً من الأبوية (التي تعني انتهاج سياسات وممارسات على يد من في السلطة لتقييد حرية التابعين بغرض المصلحة المزعومة للتابعين). وحتّى حينما لا يكون الدافع وراء هذه الممارسات هو العداء، قد تظل نتائجها تمييزية. إذ عادة ما تستهدف تلك الأبوية غير البيض، لا سيّما السود الأمريكيين.
يقول كاتب التقرير ستيفن مور “لقد أعددت مقياساً أصلياً لقياس هذه النزعة، وحُدِد عبر اقتران موقفين؛ أحدهما الرغبة في تحسين حياة السود، والثاني هو الاعتقاد بأن المجموعات الخاضعة لهذه الممارسة لا يمكنها الفلاح بمفردها دون مساعدة راعٍ أكثر كفاءة. وما أسمّيه مقياس الأبوّة التي تُمارس بحق السود.
يتضمّن المقياس سلسلة من الأسئلة الهادفة إلى المفاضلة بين الرغبة في مساعدة السود من ناحية ومنحهم حق اتخاذ القرار وتقرير مصيرهم من ناحية أخرى. وركّزت تركيزاً خاصاً على تبنّي هذه المواقف من الأمريكيين البيض نحو الأمريكيين السود، ومع ذلك، يمكن إيجاد ديناميكيات مماثلة في المقياس ترتبط بعدد من المجموعات المُصنَّفة على أساس العِرق.
كيف أجريت الدراسة؟
في يوليو/تموز 2019، أجريت استطلاعاً وطنياً عبر منصّة Amazon Mechanical Turk، بمشاركة 1756 أمريكياً أبيض اللون. وطُلب من المشاركين الإجابة على أسئلة ينطوي عليها مقياس خضوع السود للأبوية، وسُئِلوا ما إذا كانوا يدعمون منح القضاة خيار الأمر بالتعقيم كعقاب للنساء اللائي يتعاطين مخدّر الكراك كوكايين أثناء الحمل.
وسألت عن هذه الحالة بالتحديد لعدّة أسباب؛ أولها ارتباط مخدر الكراك ارتباطاً وثيقاً بالأمريكيين من أصول إفريقية، إذ إن ذكره سيبيّن على الأرجح مواقف أكثر ارتباطاً بالعِرق. وثانياً، أن السخط الأخلاقي إزاء ما يُعرف بـ”أطفال الكراك” -المتأثر على الأرجح بطبيعة المخدر المصطبغة بصِبغة العرق- أدى إلى تجريم هذه الولادات تجريماً لم يُفرض إثر أنشطة أخرى ضارة قبل الولادة. وقد دعم حوالي 30% من المستجيبين انتهاج هذه السياسة.
رغم الدعم الذي تبيَّن إزاء ممارسة التعقيم القسري، لا يعبّر البيض الذين سجلت إجاباتهم درجات عالية في مقياس إخضاع السود للأبوية عن العداء تجاه الأمريكيين من أصول إفريقية. بل في الواقع، كانوا أكثر تعبيراً عن المشاعر الإيجابية تجاه السود مقارنة بمن تضاءلت درجات إجاباتهم على أسئلة المقياس. وبالمثل، كان الديمقراطيون أكثر إبداءً لدرجة عليا من تلك النزعة مقارنة بالجمهوريين.
ليس لدينا دليل على أن العنصرية كانت دافعاً وراء تعقيم إدارة الهجرة والجمارك للنساء المهاجرات المحتجزات، ولكن يبدو أن المحتجزين لدى الحكومة هم المستهدفون عادةً. مع ذلك، بالنظر إلى التحيزات العنصرية التي تشوب أرجاء منظومة العدالة الجنائية، يُحتمل أن يتأثر ذوو البشرة غير البيضاء أكثر من غيرهم -كما حدث في جورجيا.