وعيد الفصائل الفلسطينية.. والجعجعة دون طحن
سليم يونس الزريعي
ما أن أُعلن عن اغتيال ثلاثة مقاومين في عرابة الأحد الماضي من قبل قوة خاصة من جيش الاحتلال الصهيوني، حتى باشرت بعض الفصائل قصفا إعلاميا ردا على عملية الاغتيال، وهي إحدى السنن الحميدة للمتحدثين الرسميين باسم الفصائل. في حين أن هذه العدوانية الصهيونية تمارس عمليات استهداف الشعب الفلسطيني بكل فئاته. وعلى مدار الساعة.
ومن ثم فإن قصر جرائم الاحتلال على الاغتيال وحسب هو عسر سياسي وفكري وخلط مفاهيمي إما عن جهل أو هي سياسية شعبوية تهمها اللحظة دون أن تفكر في الضرر المعنوي والنفسي والاجتماعي بعيد الأثر جراء حالة الإحباط وفقدان الثقة في تلك القوى باستثناء قطيعها الحزبي والمستفيدين منها، كون وجود الاحتلال في ذاته هو المشكلة الأساس وهذا الوجود هو التصعيد الذي يؤسس لكل جرائم الاحتلال التي تطال كل مظاهر الحياة في الضفة الفلسطينية.
لكن التجربة للأسف فيما يتعلق ببيانات الفصائل لمن يعمل العقل هي دعائية بامتياز ، وهي منفصلة عن الأفعال، خاصة تلك التي تأتي بعد اعتداءات صهيونية تستهدف الأشخاص أو الأماكن الفلسطينية، التي هي اعتداءات متواصلة على مدار الساعة، ونأمل ألا تكون البيانات التي أعقبت عملية عرَّابة مثل سابقاتها.
غير أن التجربة لا تزكي مثل هذا التمني، كون هذا القصف الإعلامي الذي لا مفعول له سوى إرضاء الذات لا يتعدى مفعوله لحظة إصداره، فهو وفق ما تخبرنا التجربة، هو نوع من إبراء الذمة، مثال ذلك، قول المتحدث باسم حركة حماس، حازم قاسم، إن “العدو الصهيوني يرتكب جريمة جديدة باغتياله لثلاثة من أبناء شعبنا الفلسطيني في جنين، في تصعيد لعدوانه وإرهابه المتواصل على شعبنا”.
وأضاف: “الاحتلال لن يفلت من دفع ثمن جرائمه، فشعبنا الفلسطيني ومقاومته الباسلة لن يمرروا عدوان الاحتلال دون تدفيعه الثمن”.
والسؤال هل دفع الاحتلال الثمن عن جرائمه واحدة بواحدة ؟ وماذا عن الجرائم المتراكمة التي أعلنت الفصائل لمئات المرات أنها سترد عليها ولم تفعل ؟ ثم إذا كانت الفصائل قادرة على تدفيع الكيان الثمن فماذا تنتظر، أليس الاحتلال هو أصل العدوان ؟ ثم أليس الاحتلال في ذاته هو الجريمة والعدوان المستمر وكل جرائمه بعد ذلك هي نتائج هذا العدوان الأساس؟ أليس استباحة قطعان مستوطنيه عدوانا؟. أليست الاعتقالات عدوانا؟ ألا يندرج هدم البيوت وحرق واقتلاع المزروعات في سياق العدوان؟ أليس الحصار عدوانا يفوق استشهاد بعض المقاومين لأن ذلك العدوان يستهدف شعب بأكمله؟
وفي تقديري أن متحدثي الفصائل يصدحون بما لا يعرفون فمتحدث حماس يقول” لن يمرروا عدوان الاحتلال؟ فالسؤال أليس الاحتلال عدوانا يا متحدث حماس، وهل يمكن القول إن إذا كان هناك احتلالا دون عدوان يمكن التعامل معه، سواء بالتهدئة أو الهدنة وتبادل المصالح، وأن هناك احتلالا يمارس العدوان يمكن قصفه بصورايخ إعلامية بالغة الدقة.
ومع ذلك لا ينتهي خلط متحدث حماس في المفاهيم عبر الحشو اللغوي، وهو يتحدث عن استمرار الانتفاضة المجيدة والثورة العظيمة، فإذا كان صحيحا أن إرادة شعبنا لم تكسر منذ قرن من الهجمة الصهيونية على فلسطين ، فإن هذه الإرادة تحتاج قوى بمستوى هذه الإرادة، وقوى تعي ما تقول ولا تمارس هذا الخلط الضار في المفاهيم، ولا تعتبر إرادة هذا الشعب العظيم سلما تتسلقه لتحقيق مصالحها الذاتية، ذلك أن متحدث حماس يوصِّف ما يجري في الضفة بأنها انتفاضة مجيدة وثورة عظيمة؟ مع أن هناك فرقا بين الانتفاضة والثورة؟
وهنا نتساءل هل هناك انتفاضة حقا في الضفة تعرفها حماس فيما لا علم لنا بها، ثم أليست الانتفاضة هي “مقاومة شعبية مستمرة، ومواجهة حضارية شاملة، بكافة الوسائل المدنية أو العنيفة أو كلاهما معاً، فهل والحال هذه، هناك انتفاضة بهذه المواصفات كالانتفاضتين السابقتين في الضفة ؟ ـأم هو مجرد توصيف ليس له أساس وهو ضار بالمعنى الكفاحي، ثم إذا لم تكن هناك انتفاضة، فهل هناك ثورة كما يقول متحدث حماس، فهل هناك ثورة بمعنى وحدة العمل والبرنامج والقيادة والأهداف المحددة فيما الانقسام هو المظهر العام وكل له برنامجه وأجندته؟ ومع ذلك إذا جاز القول مجازا ارتباطا بإرث الثورة الفلسطينية التي لم تكن حماس جزءا منها نعم، لكن هل توجد ثورة بالمعني الكفاحي والسياسي والشعبي ممثلة في وحدة الأداة والقيادة والخطة واتجاه البوصلة ، فيما الانقسام سيد الموقف والفاعل الأساس في ذلك هي حماس، ولذلك لا يمكن القول إن هناك ثورة تجمع الكل الفلسطيني، وهذا هو ما نسميه الخلط الضار والمضلل في المفاهيم.
وهنا سأهمس في إذن متحدث حماس ومتحدثي الفصائل لا يمكن استغفال أو تضليل الشعب ، فهو يراقب ويتابع أقوالكم وينتظر أن تترجم إلى أفعال وإذا لم تكونوا قادرين على ذلك فلم تَعِدون بما لا تستطيعون فعلة ، ألم تتعلموا من وعيد يحيى السنوار مسؤول حماس في غزة، بقصف الكيان الصهيوني في أول رشقة حسب تعبيره بـ 1111 صاروخ، اذا ما اقتحم الصهاينة الأقصى وهو التهديد الذي بقي جعجعة دون طحن، ويمكن القول إن التوصيف الصحيح لذلك هو الكذب .. ونربأ بأي قوة فلسطينية أن تكون كذلك .