غير مصنف

وقف إطلاق النار في لبنان.. مقاربات

سليم الزريعي

دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وحزب الله تحت مظلة الدولة اللبنانية موضع التنفيذ كون السيادة على الأرض والسكان في الجنوب هي للدولة اللبنانية وليس لحزب الله، وبذلك فإن إبرام هذا الاتفاق من شأنه أن يضع حدا لارتباط ما يجري في لبنان بمحرقة غزة، فيما يسمى بوحدة الساحات، بعد أن اضطر حزب الله إلى البحث عن الخلاص الذاتي، لإنفاذ ما بقي من الحزب والتخلي عن موقفه المعلن من أن أي اتفاق لوقف الحرب على لبنان يجب أن يشمل وقفها على غزة، بعد ما تعرض له الحزب من استهداف بالغ الأثر لقياداته التنظيمية والعسكرية، وما لحق بحاضنة الشعبية في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية من تجربف ممنهج من قبل العدو، شكل حدوثه الدراماتيكي صدمة لأصدقاء الحزب وجمهوره، قبل أن يستعيد توازنه نسبيا رغم خسارته غير المسبوقة التي كان عنوانها الأبرز رمزه الروحي والسياسي والشخصية الكاريزمية بالغة التأثير والحضور المتعدي للمشهد اللبناني ممثلة في أمينه العام حسن نصرالله.

هدف العدوان
وفي ظل كل ما جرى وأمام ثقل بعض بنود المشروع الأمريكي لوقف إطلاق النار، الذي هو اتفاق أمني وليس سياسي، هناك من يوصف أن عقد اتفاق وقف إطلاق النار، أنه انتصار لحزب الله والمقاومة، وهذا التوصيف الذهني في تقديري، له علاقة برفض هذا البعض، رؤية الوقائع الملموسة التي نتجت عن العدوان، وكرسها اتفاق النقاط الثلاثة عشرة، ورسالة الضمانات المشتركة الصهيونية الأمريكية.
وأستدرك فأقول أنه من حق حزب الله أن يوصف الحفاظ على الذات في مواجهة العدوانية الصهيونية هو انتصار، لكن من المهم أيضا في مجرى أخذ العبر مما جرى، ربط ذلك بهدف التدخل العسكري البري في منطقة جنوب الليطاني واستباحة الضاحية الجنوبية ومناطق أخري في لبنان، الذي لم يكن هدفه القضاء على حزب الله، وإنما تفكيك بنيته العسكرية جنوب الليطاني، وإعادة تمركز عناصره شمال النهر وفق قرار مجلس الأمن 1701، ظنا منه أن ذلك كفيل بتأمين مستوطنات شمال فلسطين المحتلة. ليكون السؤال من بعد؛ وبعيدا عن العواطف والرغبات الذاتية ولكن بشكل موضوعي، أين كان حزب الله قبل الحرب؟ وأين أصبح في ظل هذا الاتفاق الذي استحضر أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا بكل مواقفها الإمبريالية المعادية للحقوق العربية؟

نص الاتفاق
يقول الاتفاق أن ” حزب الله وجميع الجماعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية لن تقوم بأي عمل هجومي ضد إسرائيل.
وأن “إسرائيل، بدورها، لن تنفذ أي عملية عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان، بما في ذلك من البر والجو والبحر”.
تعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.
هذه الالتزامات لا تنفي حق إسرائيل أو لبنان في ممارسة حق الدفاع الذاتي.
القوات الأمنية والعسكرية الرسمية للبنان ستكون الجهة المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو استخدام القوات في جنوب لبنان.
كل بيع أو توريد أو إنتاج للأسلحة أو المواد المتعلقة بالأسلحة إلى لبنان سيكون تحت إشراف وسيطرة الحكومة اللبنانية.
سيتم تفكيك جميع المنشآت غير القانونية المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد المتعلقة بها.
سيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، وستتم مصادرة أي أسلحة غير قانونية لا تتماشى مع هذه الالتزامات.
سيتم تشكيل لجنة مقبولة على إسرائيل ولبنان للإشراف والمساعدة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.
ستقوم إسرائيل ولبنان بالإبلاغ عن أي انتهاك محتمل لهذه الالتزامات إلى اللجنة وقوة “يونيفيل” (القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان).
ستنشر لبنان قواتها الأمنية الرسمية وقوات الجيش على طول جميع الحدود، ونقاط العبور، والخط الذي يحدد المنطقة الجنوبية وفقاً لخطة الانتشار.
ستقوم إسرائيل بسحب قواتها تدريجيًا من الجنوب باتجاه الخط الأزرق خلال فترة تصل إلى 60 يومًا.
ستدفع الولايات المتحدة لمفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل ولبنان من أجل التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البرية.

الدور الأمريكي
وربما المفارقة هنا أن من سيكون مراقبا وحكما على تنفيذ الاتفاق هو الولايات المتحدة الأمريكية، بموقفها المعادي لحزب الله والمقاومة، التي عقب أحد مسؤوليها على بدء تنفيذ القرار، بأن كشف عن وجود آليات رقابة دولية تشمل الولايات المتحدة وفرنسا، بالتعاون مع الجيش اللبناني، لضمان التزام الأطراف بالاتفاق. وأضاف أن لجنة عسكرية مشتركة ستوفر دعمًا تقنيًا وماديًا للجيش اللبناني لضمان تنفيذ المهام.
وأن الولايات المتحدة وفرنسا ستنضمان إلى آلية موجودة بالفعل تشمل اليونيفيل وإسرائيل ولبنان، وبالتأكيد لبنان الرسمي وليس الحزب، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ستقود هذه الآلية. وأضاف “ستُرفع تقارير عن أي خروقات، وستعمل الولايات المتحدة مع الجيش اللبناني على معالجتها”.
وشدد على أن “الآلية لا تتضمن وجود قوات أميركية على الأرض، لكنها ستوفر دعمًا عسكريًا للجيش اللبناني بالتعاون مع فرنسا”. لكن صحيفة “يسرائيل هيوم ذكرت” أن التسوية تشمل نشر قوة أميركية على الأرض في الجنوب اللبناني على المدى القصير لمراقبة تنفيذ الاتفاق، وأفاد المسؤول الأمريكي بأنه “سيتم تشكيل لجنة عسكرية مشتركة تضم دولًا أخرى (بريطانيا وألمانيا)، ستوفر معدات للجيش اللبناني وتعمل على تدريبه ودعمه ماليًا”.
وقال: “على عكس حرب لبنان الثانية، نحن ملتزمون بالبقاء على الأرض لمتابعة ما يحدث، خصوصًا في ما يتعلق بحزب الله أو أي تنظيمات أخرى”، واعتبر أن الاتفاق يمثل فرصة للبنان لاستعادة سيادته، مع دعم جهود إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.

هدف أمريكا.. هدف الكيان
ربما جاء التركيز على حزب الله، كون هدف الحرب، كان عنوانه إضعاف حزب الله وليس تصفيته، وإنجاز ذلك من الممكن أن يحقق أكثر من هدف، وهو في نفس الوقت، قد يكون وسيلة لعزل ما يجري في غزة عن سياقه العربي، كعامل إسناد ودعم عسكري، ولبنان بدرجة خاصة لمكانة ودور حزب الله ، كونه أوقف الحياة في مستعمرات شمال فلسطين، ومدى تأثير ذلك على الكيان.
ولذلك رأي وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن نجاح وقف إطلاق النار في لبنان حرم حماس التي كانت تعول على فتح جبهات عدة لدعمها، من ما سماه هذا الدعم.”
في حين أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، برر أن عقد الاتفاق يهدف إلى التركيز على ما سماه التهديد الإيراني، ثم تعزيز قدرات الجيش، وعزل حركة حماس وفصل الساحات العسكرية.
فيما ذكر مسؤولون يهود أن الحافز الأساسي إسرائيليا للتوصل لوقف إطلاق النار، هو حاجة الجيش إلى “إنعاش قواته” بعد أكثر من عام على الحرب، وتجديد مخازنه بالذخيرة، وتجنب قرار في مجلس الأمن يدعو لوقف الحرب على جبهتي غزة ولبنان، وكذلك حصولها على تعهد أميركي يدعم حرية العمل العسكري ضد حزب الله على الحدود السورية – اللبنانية، إضافة إلى أن الجيش أعلن أنه استنفد أهدافه الإستراتيجية في الحرب بضرب القيادة السياسية والعسكرية لحزب الله ومخازن الصواريخ طويلة المدى. كذلك أن وقف الحرب سيوفر لنتنياهو منفذا من مواجهة قضية إعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية في ظل استنزاف قوات الاحتياط على الجبهتين. فهو قد يحقق وقف إطلاق نار على جبهة تجنيد الحريديين.

وأخيرا..
لقد بات واضحا أن الضغط عل حماس سيتضاعف، في ظل أن الإدارة الأمريكية الجديدة، أكثر عدوانية ووقاحة في موقفها من الحقوق الفلسطينية، ومما يجري في غزة، فهل تستوعب حماس الدرس اللبناني.. ؟ نأمل ذلك..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى