10 سنوات على حروب الساحل الإفريقي.. لماذا فشلت جميع العمليات العسكرية بإعادة الاستقرار للمنطقة؟

تخوض دول الساحل الإفريقي منذ نحو 10 سنوات حرباً لا نهاية لها لمواجهة التنظيمات الإرهابية والجماعات الانفصالية وشبكات التهريب العابرة للصحراء، لكن ذلك لم يكن كافيا لاستعادة الاستقرار في المنطقة. وجاء التدخل الفرنسي في الساحل عام 2013، عبر عدة عمليات عسكرية، ليزيد الطين بلة، فبدلًا من أن يعيد الاستقرار إلى المنطقة انتشرت التنظيمات على نطاق واسع وتوغلت في أكثر من بلد إفريقي وجندت عناصر من قبائل وقوميات مختلفة.

وبدل أن تطرد فرنسا الإرهابيين والانفصاليين من شمال مالي، انتشرت التنظيمات الإرهابية في بلدان الساحل حتى وصلت إلى حدود كوت ديفوار، المطلة على المحيط الأطلسي. فيها يتصاعد الرفض الشعبي لبقاء القوات الفرنسية في دول الساحل الخمس (مالي، النيجر، بوركينافاسو، تشاد، وموريتانيا) خشية أن يعزز ذلك من نفوذ باريس بمستعمراتها السابقة.

وتطرح حالة الاخفاق في إنهاء هذه الحرب تساؤلات عديدة حول الأسباب فشل العمليات العسكرية العديدة والتحالفات الدولية في إعادة الاستقرار لدول الساحل الإفريقي.

1- عملية “سرفال”.. نجاح تكتيكي وفشل استراتيجي في الساحل الإفريقي

بعد فترة قصيرة من اجتياح المتمردين الطوارق والأزواد لشمال مالي تغلبت عليها جماعات متطرفة مثل: “القاعدة في بلاد المغرب”، و”حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”، و”أنصار الدين” (أغلب عناصرها من الطوارق)، و”جماعة المرابطين”.

وفي 2013، أطلقت فرنسا عملية “سرفال” العسكرية وتمكنت من طرد الجماعات الإرهابية من غاو، وتومبكوتو، وكيدال. لكن العملية تسببت في تناثر عناصر الجماعات الإرهابية في مناطق واسعة، حيث تحالف “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب” مع “أنصار الدين” و”جماعة المرابطين” وانضمت إليهم “جماعة تحرير ماسينا” (من قبيلة الفولاني)، تحت اسم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”.

وبانضمام جماعة تحرير ماسينا إلى تحالف القاعدة، تمكن الأخير من اختراق الحاجز الطبيعي (نهر النيجر) الفاصل بين الصحراء الكبرى وإفريقيا السوداء، ليمتد نشاطهم إلى مناطق ودول أخرى في المنطقة. بينما انضمت حركة التوحيد والجهاد إلى تنظيم “داعش”، وأصبح يطلق عليها “ولاية داعش في الصحراء الكبرى”.

وأحد أسباب فشل “سرفال” الاستراتيجية، عدم قدرتها على منع تحالف أنصار الدين (الطوارق) بقيادة الدبلوماسي المالي السابق إياد آغ غالي، مع القاعدة، وأخطر من ذلك انضمام جماعة ماسينا القبلية بقيادة “الداعية” المحلي أمادو كوفا إلى هذا التحالف.

لكن أكبر الأخطاء ارتكبها الجيش المالي بعد إطاحته بالرئيس أمادو توماني توريه في 2012، خاصة بعد اتهامه بارتكاب جرائم انتقامية في حق مدنيين شمال البلاد، وهذا ما كان له تداعيات سلبية استغلتها الجماعات الإرهابية لصالحها.

2- عملية “برخان”.. من شمال مالي إلى مستنقع الساحل

انتقل نشاط الجماعات الإرهابية من احتلال المدن في شمال مالي إلى حرب العصابات في الساحل، وتوسع نشاطها ليشمل جنوبي مالي ثم النيجر وبوركينافاسو، وطالت عملياتها حتى كوت ديفوار.

وأمام هذا الوضع، أطلقت فرنسا عملية “برخان” في 2014، لتشمل كامل منطقة الساحل، بعد أن جمعت قواتها في المنطقة، الموزعة على عملية “سرفال” في مالي، وعملية “الباشق” في تشاد وعملية “السيف” في بوركينافاسو، بمجموع 4 آلاف و500 عنصر، قبل أن يتم رفعها إلى 5 آلاف و100 عنصر في 2020، بعد قمة “بو” الفرنسية، التي جمعت زعماء دول الساحل، بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

والأسوأ في هذه الفترة، انضمام جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا إلى “داعش” في 2015، وتشكيل “ولاية داعش في غرب إفريقيا”، ثم انهيار إمارة “داعش” في سرت الليبية مما أدى إلى فرار مئات من عناصرها إلى الساحل مطلع 2017.

وأصبحت منطقة الساحل من أكبر بؤر الإرهاب في العالم، وسقط بها أكبر عدد من القتلى بشكل مروع، سواء على يد الجماعات الإرهابية أو في مجازر انتقامية بين القبائل أو حتى انتهاكات جسيمة من الجيوش المحلية و”أخطاء” فادحة من القوات الفرنسية.

تحولت دول الساحل وخاصة المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو، إلى مستنقع دموي، وبؤرة خارج السيطرة بعدما غزاها عناصر تنظيم “داعش” في الصحراء الكبرى.

3- مجموعة دول الساحل الخمس.. تحالف ينتظر التمويل

تشكلت مجموعة دول الساحل الخمس (مالي، النيجر، بوركينافاسو، تشاد، وموريتانيا) في فبراير/شباط 2014، بقيادة فرنسا. وفي 2 يوليو/تموز 2017، أعلنت المجموعة بصفة رسمية تشكيل “القوة المشتركة العابرة للحدود” في باماكو، بتعداد 5 آلاف عنصر عند اكتمالها، مقسمة على 7 كتائب، وموزعة على ثلاث مناطق شرق وسط وغرب.

وكانت مهمة هذه القوات بشكل رئيسي تطهير منطقة الحدود الثلاثة من العناصر الإرهابية التي استولت على مناطق شاسعة منها. لكن أكبر ما واجه هذه القوة نقص التمويل، ففرنسا التي تحاول الظهور كقوة عظمى، لم تفِ بالتزاماتها المالية تجاه القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل.

وكان ذلك أحد الأسباب الذي دفع تشاد لعدم إرسال 1200 عنصر من قواتها إلى منطقة الحدود الثلاثة كما وعدت بذلك مراراً، إلى غاية قمة نجامينا لدول الساحل في 2021.

4- “التحالف من أجل الساحل”: فرنسا تدفع نحو تدويل النزاع

وجدت فرنسا نفسها غارقة في مستنقع الساحل الإفريقي، وعاجزة عن القضاء على الجماعات المتطرفة في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط عليها من الرأي العام الداخلي ومن شعوب الساحل، التي تتهمها بالسعي للبقاء في المنطقة واستغلال ثرواتها.

ومع مقتل 4 جنود أمريكيين في النيجر عام 2017، أصبحت واشنطن تميل إلى تخفيف تواجدها بالمنطقة، في ظل فشل حليفتها في ضبط الأوضاع الأمنية في منطقة تعتبر ضمن نفوذ فرنسا التاريخي.

الأمر الذي هدد بزيادة عزلة باريس، التي وجدت صعوبات في تمويل حلفائها المحليين في المنطقة، فلجأت إلى حلفائها الأوروبيين وخاصة الألمان، وتم تشكيل التحالف من أجل الساحل في 2017، “بغية تعزيز فعالية المساعدات التنموية” في المنطقة.

وتم تنظيم مؤتمر للمانحين في بروكسل عام 2018، التزموا فيه بتقديم أكثر من 400 مليون يورو لدعم مجموعة الخمسة ساحل، لكن لم يتم الوفاء إلا بجزء من هذه الوعود.

5- “تاكوبا”.. الأوروبيون في نجدة فرنسا الغارقة

تشكلت قوة “تاكوبا” في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بهدف تدريب ومواكبة الجيوش المحلية في عمليات خاصة، وهي تضم عشرات من القوات الخاصة الإستونية والسويدية، ووافقت بلجيكا والنرويج والدنمارك ولاتفيا وأيرلندا وهولندا على إرسال قوات خاصة في حين رفضت ألمانيا وبريطانيا المشاركة فيها.

ويبلغ حجم هذه القوة 600 عنصر منهم 300 من فرنسا و150 من السويد، وتسعى باريس لرفع تعداد هذه القوة إلى 2000 عنصر مستقبلاً منهم 500 عسكري فرنسي من القوات الخاصة.

ومن شأن هذه القوة دعم عملية “برخان”، وتحمل جزء من العبء العسكري والسياسي الواقع على فرنسا في حربها بالساحل، ضمن استراتيجيتها الجديدة المبنية على تدويل النزاع، مع الاحتفاظ بقيادة أي تحالف دولي في المنطقة.

6- القوات الأممية بمالي: الأكبر تعداداً والأقل فاعلية

تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار “مينوسما” في مالي، أكبر حجم من القوات والمقدرة بـ 13 ألف عنصر. وتنتشر هذه القوات في مناطق ساخنة شمالي مالي، وتعرضت لعدة هجمات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف عناصرها.

وتساهم الولايات المتحدة الأمريكية بالقسط الأكبر في تمويل القوات الأممية في مالي، لكنها تشكك في فعاليتها، وتطالب بتخفيض عددها وتقليص ميزانيتها. بينما يدافع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أهمية دور القوات الأممية في حفظ السلام بمالي، بتعدادها الحالي.

أزمة الساحل الإفريقي مستمرة وليست في طريقها للحل كما يصور ماكرون

ورغم تعدد العمليات العسكرية والتحالفات الإقليمية والدولية والأممية لحل أزمة انعدام الاستقرار في الساحل الإفريقي، فإن الأوضاع لا تبدو أنها في الطريق إلى الحل.

خاصة أن التنظيمات المتطرفة طورت أساليبها في التكيف مع طبيعة الصراع، فبعدما تحالفت في البداية مع شبكات التهريب والجريمة المنظمة، لجأت حالياً إلى التحالف مع قبائل مهمشة تعاني من نقص الموارد، وقد يشكل تفكيك هذا التحالف بداية حل الأزمة الأمنية في المنطقة.

ورغم حديث باريس عن تحقيق “نجاحات عسكرية” في دول الساحل الإفريقي، لا تزال التنظيمات المسلحة تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي وتشن هجمات إرهابية دامية بلا هوادة. وقتل ستة من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي هذا العام وحده، وخسرت فرنسا خمسة جنود منذ ديسمبر/كانون الأول.

خلال خطاب ألقاه أمام جيشه في فرنسا الشهر الماضي، أشار ماكرون إلى أن “الإجراءات المتخذة في قمة باو قد نجحت” ووصف عام 2020 بأنه “عام من النتائج في منطقة الحدود الثلاثية”، مضيفاً أن “القمة الجديدة ستمضي في مسار لم يتغير: الاستقرار والنصر على الإرهابيين”، حسب تعبيره.

ومع ذلك، دعا تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية (ICG) في وقت سابق من هذا الشهر إلى “تصحيح المسار” في نهج فرنسا، مشيراً إلى أن العديد من داعميها الدوليين وحتى بعض المسؤولين الفرنسيين “محبطون من نتائج خطط ماكرون إلى حد كبير”.

وبعد تلقيها وعوداً من الإدارة الأمريكية الجديدة لتعزيز التعاون الأطلسي بين البلدين، تتوجه باريس لتعديل استراتيجيتها الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي، نحو مزيد من الانخراط في الحرب ضد الجماعات المسلحة بالمنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى