100 مليون شخص راحوا ضحيته.. قصة مدينة حمت نفسها من وباء فتاك
في الوقت الذي تحاول فيه دول العالم السيطرة على انتشار وباء “كورونا الجديد” وإنقاذ أرواح مواطنيها بجميع الطرق، يعود إلى الأذهان وباء “الإنفلونزا الإسبانية”، والذي أصاب عدة دول أوروبية فريسة له عام 1918، وأودى بحياة ما بين 50 و100 مليون شخص.
وفي ربيع عام 1918، أصابت سلالة من الإنفلونزا في وقت الحرب العالمية الأولى معسكرات الجيوش في أوروبا، وكان الوباء يُعد واحداً من أكثر الأوبئة فتكاً بتاريخ البشرية، والذي ظهرت أولى حالات الإصابة به في ولاية كنساس في الولايات المتحدة.
وبعد انتشاره في بلاد أوروبا المختلفة، حاولت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والحكومات الأوروبية الأخرى الإبقاء على سرية تطوراته السيئة، وتجنب نشر الأخبار عنه، خوفاً من استغلال الأعداء للوضع، بحسب صحيفة “لا ستامبا” الإيطالية.
ولكن يبدو أن إسبانيا، كونها كانت من دول الحياد، كان لها رأي آخر، إذ لم تشعر بحاجة إلى إخفاء تقاريرها حول الوباء، ما خلق انطباعاً خاطئاً بأن المسؤولية في انتشار المرض تقع عليها، ومن هنا جاءت تسمية الفيروس بـ”الإنفلونزا الإسبانية”.
ووسط انتشار كورونا الجديد في دول العالم، وهو الفيروس الذي أدى مؤخراً إلى غلق مدن بأكملها بمدارسها، ومكاتبها، ومصانعها، وكنائسها، وملاعبها، ووضعها تحت الحجر الصحي، يعود بنا هذا الوضع إلى ملحمة جونيسون، المدينة الأمريكية التي ابتكرت الحجر الصحي الذاتي لها، فأنقذت نفسها من إنفلونزا 1918.
جونيسون هي بلدة في ولاية كولورادو بالولايات المتحدة، تتميز بطابعها الجبلي المعزول، ولكن في الوقت نفسه متصلة بالعالم عن طريق السكك الحديدية، ونجت من مذابح إنفلونزا 1918 بعلاج جذري بناءً على أوامر السلطات المحلية آنذاك، وهو الإغلاق على نفسها، ورفع المتاريس على طول الشوارع، وإعلاق محطة السكك الحديد، وإبقاء جميع مواطنيها في منازلهم.
وفي ذلك الوقت، كان يعيش بالمدينة الأمريكية 1390 شخصاً، حيث كانت التسلية الوحيدة هي السينما ومشاهدة الأفلام، التي كانت تتجمع من أجلها العائلات في عطلة نهاية الأسبوع.
وظهرت الإنفلونزا الإسبانية في كولورادو في سبتمبر/أيلول 1918، بعد وصول 250 جنديا من ولاية مونتانا إلى مدينة بولدر للتدريب في جامعة كولورادو، 13 منهم مصابين وفي حالة خطرة، الأمر الذي أدى إلى انتشار الوباء بسرعة في جميع أنحاء الحرم الجامعي والمدينة والولاية بأكملها.
وفي الأيام الـ15 الأولى من شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 1918، سجلت 78 حالة وفاة، 9 آلاف حالة “إنفلونزا إسبانية” مؤكدة في الولاية بأكملها، فأمر الحاكم المتشدد يوليوس جونتر (الحاكم الـ21 لكولورادو) رؤساء البلديات بحظر المباريات والحفلات والأسواق والمعارض الزراعية.
ومنذ ذلك الوقت، أعلنت جونيسون الحجر الصحي ضد كل الأشخاص، حيث أقامت الحواجز ومنعت دخول الزائرين، واعتقلت المخالفين، وأغلقت المدارس والكنائس، وسمح للسكان بمغادرة المقاطعة بحرية، لكن الدخول إليها كان يتطلب الوضع تحت الحجر الصحي.
وظلت جونيسون تحت الحجر الصحي حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، وقبل عيد الشكر مباشرة، أعلن رفع الحجر الصحي جزئياً للسماح للمدارس بالفتح، وذهاب الناس إلى الكنائس ومشاهدة الأفلام.
ولكن بسبب تكرار الإصابة بالإنفلونزا في جميع أنحاء الولاية، ألغي القرار بسرعة، وذُكر السكان المحليون بخطورة الفيروس، ومع كل هذه التدابير الاحترازية، ظهرت حالتان فقط إصابة بالإنفلونزا في المقاطعة، وهي امرأة تدعى إيلين جافيت، قابلت شقيقتها المصابة العائدة مؤخراً من رحلة في دنفر (عاصمة ولاية كولورادو)، في محطة القطار.
وعزلت الشقيقتان المريضتان في مزرعتهما في بلدة بارلين الصغيرة للراحة والتعافي، ولكن بعد بضعة أيام، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، توفيت جافيت التي كانت تبلغ من العمر 25 عاماً بسبب الإنفلونزا الإسبانية، الحالة التي من المحتمل أن تكون أول وفاة في مقاطعة جونيسون بأكملها.
وبحلول أوائل فبراير/شباط، ومع تراجع حالات الإصابة بالإنفلونزا على مستوى الولاية، رفعت جونيسون الحجر الصحي الصارم الذي بفضله نجت من وباء الإنفلونزا مع 58 حالة إصابة فقط وعدد قليل من الوفيات، في حين أصيب أكثر من 49 ألف شخص على مستوى الولاية، وتوفي ما يقرب من 8 آلاف آخرين.