5 أسباب وراء انهيار لبنان المالي.. تاريخ خراب سويسرا الشرق

تعرض لبنان منذ عام 2019 إلى أسوأ أزمة اقتصادية لم يشهدها منذ الحرب الأهلية خلال الفترة من 1975 إلى 1990، حتى تحولت بيروت من مدينة سياحية تسر الناظرين إلى منطقة كوارث وتفجيرات يسكنها الرعب.

وثمة 5 أسباب رئيسية تلخص مشهد الانهيار المالي في لبنان وتفسر كيف وصلت بيروت إلى هذه الحالة المستعصية، وبالتسلسل الزمني نجد أن السبب الأول هو أن إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية تعثرت بسبب نخب فاسدة، وعليه كان لابد من جذب البنوك لأبناء لبنان العاملين في الخارج ليدخروا أموالهم لدى مصارف لبنان.

واتبع مصرف لبنان المركزي “هندسة مالية” جديدة، ولكن سرعان ما نفدت أموال المودعين بسبب إدمان الحكومة على الاقتراض لسداد فواتير النخب الطائفية وهو السبب الثالث للانهيار.

ولعل السبب الرابع وقف دول الخليج الدعم مع تنامي نفوذ إيران في لبنان والسبب الخامس والأخير كان الإنفاق غير المحسوب من قبل السياسيين الذي أعاق البلاد تماما في نهاية المطاف وانهارت العملة، مما دفع قطاعا كبيرا من السكان نحو الفقر.

خراب سويسرا الشرق الأوسط

كان يلقب لبنان من قبل بـ”سويسرا الشرق الأوسط”، في إشارة إلى ما يتمتع به البلد من موارد سياحية وطبيعية وإقبال عالمي عليها، ولكن نظرا للصراعات الطائفية أفل نجم هذا البلد المريض اقتصاديا، بعدما عمدت نخب طائفية إلى الاقتراض مع عدم وجود قيود تذكر على ذلك.

ففي وسط العاصمة بيروت، التي كانت الحرب الأهلية قد دمرتها، تقف ناطحات سحاب من تصميم معماريين عالميين ومراكز تسوق مترفة تزخر بالمتاجر التي تعرض منتجات أشهر المصممين، والتي يُدفع لها بالدولار.

لكن لبنان لا يملك شيئا آخر يذكر للتعامل مع جبل من الديون يعادل 150% من الناتج المحلي، وهو أحد أعلى معدلات الدين في العالم. ولا يمكن لمحطات الكهرباء مواصلة إنارة البلد، والصادرات الوحيدة التي يمكن أن يعول عليها لبنان هي رأسماله البشري.

إدمان الاقتراض

يصف بعض خبراء الاقتصاد نظام لبنان المالي بأنه هرم بونزي بقواعد محلية، حيث يجري اقتراض أموال جديدة للسداد لدائنين قائمين.

ويعمل هذا النظام حتى تنفد الأموال الجديدة. لكن كيف وصل البلد الذي يبلغ تعداد سكانه ستة ملايين نسمة إلى هذا؟

بعد الحرب الأهلية، ضبط لبنان دفاتره بإيرادات السياحة والمساعدات الخارجية وأرباح قطاعه المالي ومنح البلدان الخليجية، مما دعم البلد عن طريق تعزيز احتياطيات البنك المركزي.

لكن إحدى المصادر الأكثر موثوقية للدولار كانت تحويلات الملايين من اللبنانيين الذين ذهبوا للبحث عن عمل في الخارج. وحتى خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، كانوا يرسلون المال إلى وطنهم.

لكن تحويلات المغتربين بدأت تتباطأ اعتبارا من 2011، إذ أدى التناحر الطائفي إلى المزيد من التصلب السياسي وانزلق معظم الشرق الأوسط، لاسيما سوريا المجاورة، إلى الفوضى.

ونأت الدول السنية المسلمة في الخليج بنفسها مع تزايد نفوذ إيران في لبنان عبر جماعة حزب الله التي تملك تسليحا كثيفا وشهدت قوتها السياسية نموا.

وتصاعد عجز الميزانية وازداد ميزان المدفوعات غوصا في المنطقة السلبية، إذ أخفقت التحويلات في أن تضاهي الواردات التي تشمل كل شيء من السلع الأساسية إلى السيارات الفارهة.

واستمر ذلك حتى 2016، حين بدأت البنوك تعرض أسعار فائدة استثنائية للودائع الدولارية الجديدة وحتى أسعار فائدة استثنائية على نحو أكبر للودائع بالليرة اللبنانية. والدولار عملة مقبولة بشكل رسمي في الاقتصاد المدولر.

وكان المدخرون يحصلون على عوائد ضعيفة في أماكن أخرى من العالم.

ونظرا لأن الليرة اللبنانية مربوطة بالدولار عند 1500 ليرة لأكثر من عقدين ويمكن مبادلتها بحرية في البنك أو عند ماكينة حساب المشتريات بالمتاجر، ما الخسارة؟

وتدفقت الدولارات مجددا وواصلت البنوك تمويل فورة الإنفاق.

“الهندسة المالية”

ظل لبنان مضطربا على الصعيد السياسي. وتركت الأطراف المتنافسة البلاد بدون رئيس في معظم عام 2016.

لكن مصرف لبنان المركزي، بقيادة المصرفي السابق لدى ميريل لينش رياض سلامة الذي يتولى منصب حاكم المصرف منذ 1993، استحدث عمليات “هندسة مالية”، وهي مجموعة من الآليات التي تقود إلى عرض عوائد مصرفية كبيرة للدولارات الجديدة.

وظهر تحسن التدفقات الدولارية في ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية. وكان الأقل وضوحا، وبات يشكل الآن نقطة خلاف، ارتفاع الالتزامات. وبحسب بعض الحسابات، فإن أصول البنك المركزي تعرضت للمحو وزيادة بفعل ما يدين به، لذا فإنه ربما كان يتكبد خسائر كبيرة.

في الوقت نفسه، ارتفعت تكلفة خدمة ديون لبنان إلى نحو ثُلث الإنفاق في الميزانية أو أزيد.

سقوط حر

حين احتاجت الحكومة إلى كبح الإنفاق، تباهى السياسيون بزيادة رواتب القطاع العام قبل انتخابات 2018، ما أسفر عن إخفاق الحكومة في تنفيذ إصلاحات وإحجام المانحين الأجانب عن تقديم مليارات الدولارات التي تعهدوا بها للمساعدة.

واشتعلت الشرارة النهائية للاضطراب في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بفعل خطة لفرض ضريبة على المكالمات عبر واتساب.

وفي ظل عدد كبير من المغتربين ونظام ضريبي منخفض يميل إلى صالح الأغنياء، كان فرض رسوم على الوسيلة التي يُبقي بها الكثير من اللبنانيين على اتصالهم مع أقاربهم كارثيا.

واندلعت احتجاجات حاشدة، بقيادة شباب محبط يطالب بتغيير شامل، ضد النخبة السياسية التي تضم العديد من أمراء الحرب الذين ازدهرت حالتهم بينما يعاني الآخرون.

وجفت تدفقات العملة الأجنبية وخرجت الدولارات من لبنان. ولم يعد لدى البنوك الدولارات الكافية لسداد أموال المودعين الذين اصطفوا في طوابير خارجها، مما تسبب في أن تغلق أبوابها.

وانهارت العملة لتنزل من 1500 ليرة للدولار إلى سعر صرف عند 8 آلاف ليرة في السوق السوداء.

وتفاقمت المشكلات بفعل انفجار في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب الماضي أسفر عن مقتل نحو 190 وتسبب في أضرار بمليارات الدولارات.

الوضع الحالي

تقود فرنسا جهودا دولية لدفع لبنان إلى مكافحة الفساد وتنفيذ إصلاحات أخرى يطالب بها المانحون. ويحتاج لبنان بشكل حاسم إلى استئناف محادثات معطلة مع صندوق النقد الدولي، حيث كان يطلب لبنان 10 مليارات دولار من الصندوق ولكن توقفت المفاوضات بعد رفض شعبي لخطة الإصلاح الحكومي، ثم وردت أنباء عن خفض فاتورة دعم الصندوق للنصف تقريبا.

لكن السياسيين والمصرفيين بحاجة للاتفاق على حجم الخسائر الهائلة والخطأ الذي وقع، حتي يستطيع لبنان تحويل الاتجاه والتوقف عن الإنفاق بما يفوق إمكاناته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى