5 نقاط ساخنة يجب مراقبتها في 2022: حروب ومواجهات يمكن أن تحدث خلال العام الجديد
مر العالم خلال عام 2021 باضطرابات مختلفة كان عنوانها الأبرز الاقتصاد، وذلك رغم انفتاح العالم بعد الإغلاقات الطويلة وانتشار اللقاحات. وفي الوقت نفسه، أدت الأزمات الاقتصادية التي أعقبتها الجائحة وعمّقها ظهور متحورات جديدة، إلى اضطرابات في مناطق مختلفة، تبعها أزمات جيوسياسية أو تهديدات متبادلة بين الدول، وصلت حتى التحشيد العسكري كما رأينا ذلك على الحدود الروسية الأوكرانية أو في بحر الصين الجنوبي. وهذه الإرهاصات قد تهدد باحتمال انفجار أو تجدُّد حروب ومواجهات في أوروبا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط خلال العام 2022. وفيما يلي، أبرز 5 مناطق حول العالم يجب مراقبتها خلال العام الجديد.
1- المواجهة الصينية الأمريكية في تايوان
زادت حدة الاستقطاب بين القوتين العظميين الصين وأمريكا خلال عام 2021، فيما ارتفعت وتيرة التحركات الصينية والمؤشرات على غزو جزيرة تايوان المدعومة أمريكياً، بشكل كبير.
خلال عام 2021، حشدت الصين قواتها ونفذت طلعات جوية فوق تايوان أكثر من مرة، كان أضخمها في مطلع أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، حيث انتهكت 93 طائرة صينية “منطقة الدفاع الجوي” التايوانية، وفي الرابع من الشهر نفسه أعادت 52 طائرة للجيش الصيني الانتهاك، وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني كررت 27 مقاتلة صينيةً الأمر ذاته، وسط تحذيرات تايوانية من غزو محتمل لها.
ومؤخراً، يروج الإعلام الرسمي الصيني أن المواجهة العسكرية بين واشنطن وبكين حول مستقبل تايوان “ستأتي”، واصفاً السيناريو الوارد بأنه “صراع حياة أو موت” بين الأمتين، خاصة في ظل استمرار التوتر بين الجانبين، طبقاً لما أوردته مجلة Newsweek الأمريكية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وتحذّر واشنطن من أن أي تحرُّك من جانب الصين لغزو تايوان “ربما يكون قراراً كارثياً”، متعهدة في أكثر من مناسبة بالدفاع عن الجزيرة، التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها.
الصين الآن تتمتع بثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، ويقول أغلب خبراء الاقتصاد إن بكين قد تزيح واشنطن من الصدارة على المدى القصير، ومن الناحية العسكرية بات جيش التحرير الشعبي الصيني واحداً من أقوى جيوش العالم وأكثرها تسليحاً وتطوراً.
ويبدو أن نزوع الصين إلى القتال آخذ في التزايد خلال عام 2021، فجيشها يتدرب من أجل حرب قادمة، كما يقول أحد كبار القادة العسكريين الأمريكيين، وذلك في ظل ما تبنيه من قوة عسكرية تقليدية ونووية، هدفها مضاهاة القدرات العسكرية الفائقة للولايات المتحدة الأمريكية.
وزاد مؤخراً أحد كبار القادة العسكريين الأمريكيين المخاوف حدةً بعد تحذيره من أن الصين قد تُقدم يوماً ما، على شن هجومٍ نووي مفاجئ على الولايات المتحدة.
إذ خلص الجنرال الأمريكي جون هيتن، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة المنتهية ولايته، إلى أن الصين قد تُقدم يوماً ما، على شن هجومٍ نووي مفاجئ على الولايات المتحدة.
وتقول صحيفة The Times البريطانية إنّ صوت الجنرال الأمريكي المحذِّر من قارعة التقدم العسكري الصيني سريع النمو، والذي وصفه سابقاً بأنه “تقدُّم مذهل”، يعكس اتجاهاً عاماً بين كبار قادة البنتاغون بأن بكين على مسار يمكن أن يؤدي حتماً، وعلى نحو يبدو لا مفر منه، إلى صراع عسكري مع الولايات المتحدة.
2- المواجهة الأمريكية الإسرائيلية مع إيران
فشلت محاولات الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، لإعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران خلال عام 2021، ذلك الاتفاق الذي أنهاه سلفه الجمهوري دونالد ترامب بضغط ودعم إسرائيلي، مما أدى إلى صعود حكومة إيرانية جديدة أكثر تشدداً بقيادة إبراهيم رئيسي في صيف 2021، تسير بكل قوة في رفع مستويات تخصيب اليورانيوم الذي قد يؤهلها لامتلاك سلاح نووي.
ولم تحقق جولات المفاوضات المتتالية في فيينا حول إعادة إحياء الاتفاق النووي -الذي ترفضه تل أبيب- تقدماً كبيراً، وتنفي إيران السعي إلى صنع أسلحة نووية، وتقول إنها تريد أن تبرع في التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، لكن مطالب كبيرة قدمتها حكومة إيران الجديدة خلال المحادثات زادت شكوك الغرب في سعي طهران لكسب الوقت، فيما تطور برنامجها النووي.
وسط ذلك، تلوح إسرائيل -رغم التحفظ الأمريكي- بشن ضربات عسكرية على منشآت وأهداف إيرانية، ويؤكد الجيش الإسرائيلي جاهزيته لفعل ذلك. وفي 11 ديسمبر/كانون الأول 2021، قالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، أبلغ الولايات المتحدة أنه أصدر تعليماته للجيش، بالاستعداد للخيار العسكري ضد إيران، وإن واشنطن “لم تُبد معارضتها” هذه المرة.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية التي نقلت ذلك، قالت إن إسرائيل “مازالت تنظر إلى الحلّ العسكري على أنه الخيار الأخير، وذلك في حال فشل الاتصالات الدبلوماسية” حول البرنامج النووي الإيراني.
كان غانتس قد قال في مؤتمر صحفي مؤخراً، إن “الولايات المتحدة والدول الأوروبية تتفهم جيداً ما يجري، وهم بدأوا يفقدون صبرهم إزاء المفاوضات النووية في فيينا، لم يكن هناك تقدُّم في المحادثات، هم يفهمون أن الإيرانيين يناورون”.
في 11 ديسمبر/كانون الأول، قال مصدر دبلوماسي إسرائيلي لصحيفة “جيروزاليم بوست”، إن “الأمريكيين لم يعبّروا عن معارضتهم للاستعدادات الإسرائيلية لهجوم ضد إيران عندما أبلغتهم ذلك الحكومة الإسرائيلية”، وإن وزير الدفاع غانتس عرض على المسؤولين الأمريكيين جدولاً زمنياً لمهاجمة إيران، دون ذكر تفاصيل أكثر.
طهران من جانبها، تحذّر من ردٍّ “ساحق” على أي تحرك يستهدفها من جانب إسرائيل بدعم أمريكي أو بغيره، فيما تنفذ في 20 ديسمبر/كانون الأول، إحدى أكبر مناوراتها العسكرية في جميع أنحاء البلاد، وهي مناورات يشارك فيها الحرس الثوري بقوة، وتحاكي تعرُّض إيران لهجوم خارجي.
ذكر التلفزيون الرسمي الإيراني، أن الحرس الثوري أطلق في هذه المناورات الضخمة صواريخ باليستية وصواريخ كروز في الخليج، قائلاً إنها تصيب الأهداف بدقة 100% ويصل مداها إلى 2000 كم، وإنها قادرة على الوصول إلى إسرائيل وقواعد الولايات المتحدة في المنطقة.
لكن يظل السؤال في النهاية: هل تكون إسرائيل قادرة خلال الفترة المقبلة، على شنِّ هجوم قادر على تدمير برنامج إيران النووي، أو حتى تعطيله بدرجة كبيرة؟
3- الأزمة الروسية الأوكرانية
أصبح احتمال إقدام روسيا على غزو أوكرانيا حديث الساعة حول العالم، إذ حشدت موسكو خلال خريف 2021، أكثر من 175 ألفاً من قواتها العسكرية على طول حدودها مع أوكرانيا، فيما يرى البعض أن غزوها لكييف قد بات مسألة وقت، ويستعد الغرب من جانبه لما سيفعله رداً على هذه الخطوة.
وأثارت صور الأقمار الصناعية التي تُظهِر عشرات الآلاف من الجنود الروس والآليات والمدرعات على حدود أوكرانيا، مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها، ولايزال من غير الواضح ما إذا كان هذا تكتيكاً تفاوضياً من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أم حشداً من أجل الغزو.
موسكو أعلنت في 17 ديسمبر/ كانون الأول، أنها قدمت مقترحات للخروج من الأزمة الأوكرانية بشكل سلمي، تنص على حظر أي توسع إضافي لحلف شمال الأطلسي أو ضم أوكرانيا له.
ووفقاً للمقترح الروسي، يُحظَر على الولايات المتحدة إنشاء قواعد عسكرية في أي دولة من دول الاتحاد السوفييتي السابق ليست عضواً بحلف شمال الأطلسي ولا حتى “استخدام بنيتها التحتية في أي نشاط عسكري أو تطوير تعاون عسكري ثنائي” معها.
كذلك، يتعهد بموجبها كلُّ أعضاء حلف شمال الأطلسي بعدم الاستمرار في توسيع الناتو وعدم القيام بأي “نشاط عسكري على أراضي أوكرانيا وفي بلدان أخرى من أوروبا الشرقية وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى”.
يشكل توسع حلف شمال الأطلسي ليشمل جمهوريات سابقة في الاتحاد السوفييتي خطاً أحمر بالنسبة لموسكو، غير أن أوكرانيا وجورجيا مرشحتان للانضمام إلى الحلف. ورفضت الدول الغربية إغلاق أبواب حلف شمال الأطلسي أمام هذين البلدين إلا أنها جمدت في الواقع عملية الانضمام.
من جانبها، تقول أمريكا إنها تريد مناقشة المقترحات الروسية رغم أنها تضم نقاطاً “غير مقبولة”، لكنها تحذر منه أن “إذا شنت موسكو عدواناً آخر على أوكرانيا، فستكون له عواقب وخيمة، وسيكون مكلفاً للغاية”.
تقول وسائل إعلام حكومية في روسيا إن موسكو قد تخوض حرباً مع الناتو، وذلك بعد تهديد الكرملين بتصعيد التوترات مع الدول الغربية إذا لم يُجب حلف شمال الأطلسي (الناتو) مطلبه بسحب قواته من الدول الأعضاء في الحلف في شرق ووسط أوروبا، بحسب ما أوردت صحيفة The Times البريطانية.
في حال وافق الناتو على المقترحات التي قدمها الكرملين فسيتعين عليه سحب جنوده ومنظومات دفاعه الصاروخية من بولندا ورومانيا، وكذلك من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا.
سيصبح الناتو ملزماً علناً بالتنصل من وعد قطعه عام 2008 بأنه سيسمح لأوكرانيا وجورجيا يوماً بالانضمام إلى الحلف. وقال بوتين (69 عاماً) إن روسيا ستعتبر قبول أوكرانيا في الناتو تهديداً لأمنها القومي.
فيما هدد سيرجي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، بأن روسيا قد “تضطر” إلى نشر صواريخ نووية متوسطة المدى على حدودها الغربية مع أوروبا إذا رُفضت مطالبها.
فيما أرسلت روسيا قاذفات قنابل استراتيجية بعيدة المدى إلى جارتها بيلاروسيا للانضمام إلى دوريات حراسة المجال الجوي على طول الحدود الغربية للبلاد يوم السبت 18 ديسمبر/كانون الثاني. وقال جيش بيلاروسيا إن مقاتلات من طراز “تو-22إم3” ستشارك مع مقاتلات “سو-30 إس إم” من البلدين في الدوريات. فهل نشهد صداماً عسكرياً على أبواب أوروبا بين موسكو والغرب خلال 2022، أم سيكون للتنازلات الدبلوماسية رأي آخر؟
4- عودة الحرب إلى ليبيا
عاد شبح الحرب وأصوات الرصاص إلى ليبيا مرة أخرى، وذلك بعد فشل إقامة انتخابات رئاسية، واستمرار دعم القوى الخارجية للمرشحين المتنافسين على السلطة في البلاد التي قسمتها الحرب الأهلية.
طبقاً للمسار السياسي الناتج عن مخرجات ملتقى الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة، كان من المقرر أن تنعقد الانتخابات الرئاسية يوم 24 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وتليها مباشرة الانتخابات البرلمانية، لكن القوانين التي أصدرها مجلس النواب لتنظيم العملية الانتخابية أثارت جدلاً قانونياً وسياسياً كبيراً، خصوصاً ما يتعلق بشروط الترشح للرئاسة.
وفي ظل الموقف المتوتر للغاية على الأرض وتحول الانتخابات إلى قنبلة موقوتة، يبدو أن ما حذر منه كثيرون قد بدأ يتحول إلى واقع بالفعل، وذلك بعد سيطرة قوات تابعة لصلاح بادي وهو قائد عسكري بغرب ليبيا، وقوات أخرى من مصراتة، على مقرات حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبية، أحد المرشحين المحتملين للرئاسة، يوم الخميس 16 ديسمبر/كانون الأول.
فيما انسحبت قوات الحرس الرئاسي من مقراتها عند قدوم القوات المهاجمة، حيث سيطرت القوات على بعض مقرات الحكومة والمجلس الرئاسي، لتدور بحسب شهود العيان اشتباكات متقطعة في العاصمة، حيث تسمع أصوات إطلاق النيران على فترات.
كان بادي قد وجَّه تهديداً باستخدام السلاح والسيطرة على جميع مؤسسات الدولة في طرابلس ومصراتة وعدم إجراء أي انتخابات خلال الفترة المقبلة، وذلك في مقطع فيديو، تداولته وسائل إعلام محلية: “ليبيا لن تستمر بها (بهذه) المهزلة وعلى ستيفاني ويليامز (المبعوثة الأممية لليبيا) أن تعرف حدودها ولن تمرر أي اتفاق مع مدينة مصراتة دون الرجوع لقادة الثوار في المدينة”.
كانت ويليامز قد وصلت إلى العاصمة الليبية قبل أيام من هذه الحادثة، في محاولة لإنقاذ العملية الانتخابية وأجرت لقاءات مع أطراف متعددة، وسط تباين واضح في مواقف بعض الأطراف الليبية بين من يصر على إجراء الانتخابات، ومن يرى حتمية تأجيلها للاستقرار على القواعد الدستورية والقانونية أولاً وإصلاح القوانين “الجدلية” التي صدرت عن مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، أحد المرشحين المحتملين للرئاسة.
التطورات العسكرية هذه لم تكن الأولى، فخلال الأسابيع القليلة الماضية وقعت اشتباكات مسلحة بين عناصر من الشرطة المحلية وميليشيات تابعة لخليفة حفتر، زعيم ميليشيات شرق ليبيا وأحد المرشحين المحتملين للرئاسة أيضاً، في مدينة سبها في جنوب ليبيا، أسفرت عن مقتل وإصابات أشخاص.
وكانت نفس المدينة الجنوبية، سبها، مسرحاً لتوترات عسكرية أيضاً بعد أن سعت ميليشيات تابعة لحفتر لمنع سيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي، من تقديم طعن أمام محكمة المدينة على قرار المفوضية العليا من الانتخابات باستبعاده من الترشح للرئاسة.
وفي ظل هذه الأزمة وفشل إقامة الانتخابات، تتعالى الأصوات المطالبة برحيل الحكومة الليبية في طرابلس وتشكيل حكومة جديدة. فيما تتحدث وسائل إعلام محلية ودولية عن مشاورات غير رسمية لاختيار رئيس حكومة جديد لتسيير الأعمال حتى إجراء الانتخابات.
وعدم إجراء الانتخابات في موعدها، بالإضافة إلى وجود فراغ حكومي، سيفتح المجال لأطراف سياسية وعسكرية لمحاولة تشكيل مجلس رئاسي وحكومة جديدين، ما قد يؤدي إلى الاصطدام بالسلطة التنفيذية القائمة، تستغله أطراف داخلية وخارجية لقلب الطاولة على الجميع، وإعادة تشكيل تحالفات غير متجانسة لفرض أمر واقع جديد من شأنه تهديد وحدة ليبيا، وإعادتها لدائرة الحرب، كما يحذر رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة.
وفي صيف عام 2020، انتهت الحرب المدمرة التي شنها خليفة حفتر في أبريل/نيسان 2019 على العاصمة طرابلس بدعم روسي وإماراتي وحتى فرنسي، وذلك بعد الدخول واسع النطاق للقدرات العسكرية التركية إلى مسرح الأحداث، إلى جانب الحكومة السابقة بقيادة فايز السراج، التي نجحت بعد نحو 14 شهراً بصد حفتر ودحره إلى الشرق مرة أخرى. لكن يبدو اليوم أن شبح الحرب بات يخيم من جديد على ليبيا في ظل فشل التوصل إلى تسوية سياسية بين الأطراف المختلفة.
5- تطور الحرب في إثيوبيا
رغم زوال الخطر عن عاصمة إثيوبيا أديس أبابا مؤقتاً واستعادة الجيش بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد مناطق وبلدات عديدة على الطريق المؤدي إلى تيغراي، كان متمردو التيغراي قد سيطروا عليها، لا يزال بندول الحرب يتأرجح في الحرب الأهلية الإثيوبية بشدة بين الطرفين منذ العام الماضي، في ظل غرق المدن المتنازع عليها ببحر من الدمار، وتعالي موجات النزوح، فيما يبدو أن الحرب قد تتسع رقعتها وستستمر خلال عام 2022.
بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب العام الماضي، استولت قوات آبي أحمد على ميكيلي، عاصمة تيغراي، وأعلن حينها رئيس الوزراء النصر، لكنه كان نصراً وهمياً. فقد كانت قوات التيغراي قد توارت في الجبال. وفي يونيو/حزيران الماضي عادوا ودحروا الجيش الإثيوبي، وبحلول أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، تقدموا إلى مسافة 160 كيلومتراً تجاه العاصمة الإثيوبية، وبدا أنهم عازمون على اقتحامها بعدما تحالفوا مع جماعات متمردة عديدة أبرزها جيش تحرير أورومو، فيما قامت السفارات الأجنبية بإجلاء الموظفين وحثت المواطنين على حزم حقائبهم.
كان هذا القدر الذي وصلت إليه جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي قبل أن يتأرجح البندول لصالح قوات آبي أحمد، التي ردت في الأسابيع الماضية الهجوم، واستعادت البلدات واحدة تلو الأخرى بما في ذلك ديسي وكومبولتشا، وهي معاقل المعارضة على الطريق المؤدية إلى تيغراي، بالإضافة مدن جاشينا ولاليبيلا الاستراتيجيتين.
كما طردت قوات آبي أحمد قوات المتمردين من محيط منطقة عفار، وهي منطقة شرقية تضم روابط طرق وسككاً حديدية مهمة بين أديس أبابا والميناء في جيبوتي المجاورة. وفي شبه تكرار لإعلانه السابق، أخبر رئيس الوزراء الإثيوبي العديد من القادة الأفارقة أن الحرب قد انتهت.
لكن مجدداً، يبدو أن هذا الأمر سابق لأوانه، إذ لا تزال الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تحاول الوقوف والقتال، فرغم تقدم آبي أحمد الأخير فإن قوات المعارضة تكبَّدت خسائر في أماكن قليلة فقط مثل غاشينا. وفي أماكن أخرى، عادت قواتها إلى تكتيكات حرب العصابات كالتي قادتها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في الثمانينيات عندما أطاحت بالحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية.
وبعد أن تحافظ قوات التيغراي وحلفاؤها على قواتهم، قد يكونون قادرين على إلحاق أضرار جسيمة بالقوات الإثيوبية إذا تقدمت عبر الوديان الضيقة والممرات الجبلية على الطريق المؤدي إلى ميكيلي، ولا تزال هذه القوات تبدو قادرة على الرد السريع مثلما فعلت في استعادة غاشينا وليبيلا يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2021.
كما يزداد الجيش الإثيوبي قوة مع إعادة تسليح نفسه بأسلحة حديثة. منذ يوليو/تموز، ورد أن آبي أحمد اشترى طائرات بدون طيار جديدة ومعدات أخرى عالية التقنية من الإمارات وتركيا وإيران وإسرائيل والصين. ويبدو أن الضربات الجوية قد دمرت أسلحة تيغراي الثقيلة، لا سيما أن الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي انطلقت من الجبال نحو التضاريس الأكثر انكشافاً بالقرب من العاصمة. وحول ذلك، يقول مسؤول كبير في الحزب الحاكم لمجلة الإيكونومست: “لقد غيّرت الطائرات بدون طيار المعركة لصالحنا”.
فيما يقول موقع شبكة BBC البريطانية، إن الانتكاسات التي واجهتها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كانت ضخمة، بسبب ضربات الطائرات بدون طيار، حيث كان مقاتلوها حول بلدة ديبري بيرهان، على بُعد نحو 130 كيلومتراً من العاصمة أديس أبابا، قبل أن يُجبَروا على العودة لمسافة 400 كيلومتر إلى بلدة ويلديا، وهذا يعني أن المتمردين فقدوا بلدات رئيسية على الطريق السريع A2 الذي يربط معقلهم في تيغراي بالعاصمة أديس أبابا.
يقول البروفيسور كيتيل ترونفول، أستاذ دراسات الصراع في كلية أوسلو الجامعية بالنرويج، لموقع BBC، إنه بينما حشد آبي أحمد قواته على الأرض، لعبت الطائرات بدون طيار -التي تم الحصول عليها من الصين وتركيا- دوراً أكبر بكثير في إجبار قوات التيغراي على التراجع، ويضيف: “يُزعم أن طائرات Wing Loong II الصينية أثبتت قدرة عسكرية على إخراج الدبابات والمدفعية الثقيلة عن الخدمة، عبر إلقاء القنابل على قوات التيغراي في الأراضي المفتوحة”.
أخيراً، تلوح في الأفق أخطار عديدة مع استمرار سير المعارك والأخذ والرد بين المتمردين والقوات الحكومية، أحدها هو ما يسميه أليكس روندوس، المبعوث الخاص السابق للاتحاد الأوروبي إلى القرن الإفريقي، “سرينة” حرب إثيوبيا -في إشارة إلى الحرب السورية- حيث يتدخل عدد متزايد من القوى الأجنبية فيها. إذ تدعم إيران والإمارات حكومة آبي أحمد، رغم أنهما يكرهان بعضهما البعض. في المقابل، يطلب التيغراي المساعدة من السودان ومصر، اللتين تخاصمان آبي في أزمة سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل. وإذا كانت الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي ستضرب غرباً لفتح طريق إمداد إلى السودان، فقد يؤدي ذلك إلى جذب القوات السودانية وإشعال حرب حدودية مشتعلة بالفعل بين السودان وإثيوبيا، خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة.