تعيين “نواب حاكم مصرف لبنان” يفجر الخلافات السياسية
على وقع الإرباك الذي تعيشه الحكومة اللبنانية لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، برزت الخلافات حول التعيينات المالية، لا سيما المتعلقة بنواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، ولجنة الرقابة على المصارف.
وأفضت الخلافات إلى تأجيل بحث التعيينات في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة الخميس الماضي، رغم إدراجها على جدول الأعمال لتعلن الحكومة إرجاء البت فيها إلى الأسبوع المقبل.
تبادل الاتهامات
الخلافات حول التعيينات المالية تبرز على خطين؛ الأول فيما بين فريق الحكومة نفسه، والآخر في اعتراض أحزاب المعارضة على ما اعتبروه محاولة لتمرير الصفقات والتعيينات في مجلس الوزراء.
إلى جانب ما تصفه المعارضة بمحاولة تطويق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر تعيين نواب له محسوبين على الموالاة، وتحديدا من قبل رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية السابق جبران باسيل، الذي كان يسعى أساسا إلى الإطاحة بسلامة.
وهو الأمر الذي أدى إلى حرب بيانات في الساعات الأخيرة بين الأحزاب، خاصة بين “تيار المستقبل” الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري و”التيار الوطني الحر”، إضافة إلى اعتراض “رئيس حزب القوات” سمير جعجع و”الحزب التقدمي الاشتراكي” على الموضوع نفسه.
أما على خط الأحزاب الموجودة في الحكومة، فأتى الاعتراض الأول من قبل رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية، ملوحا أيضا بالانسحاب من الحكومة، والموقف نفسه نقل أيضا عن رئيس البرلمان نبيه بري (رئيس حركة أمل الممثلة أيضا في الحكومة وحليف حزب الله الأول).
وأبلغت مصادر مطلعة على المباحثات “العين الإخبارية” بأن رئيس الحكومة حسان دياب لا يزال مصرّا على عدم التمديد لأي من نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة الذين انتهت ولايتهم في مارس/آذار 2019، ولم يتم تعيين بديل لهم حتى اليوم.
وأشارت المصادر إلى أن المشكلة الأبرز تكمن في مطالبة بعض الأطراف بإبقاء بعضهم، الأمر الذي فجّر الخلاف بين الفرقاء في الحكومة، وبات هناك انقسام بين من يربط التمديد لأي منهم بالتمديد للأربعة، وبين من يتمسك بمبدأ تغيير الأسماء وتعيين آخرين يتمتعون بالكفاءة بعيدا عن المحاصصة السياسية.
ولفتت المصادر إلى أن باسيل يحاول فرض شروطه في هذا الإطار، عبر التدخل بجميع الأسماء المطروحة، وهو ما لاقى اعتراضا من حلفائه قبل خصومه.
كما أشارت إلى أن رئيس التيار الوطني الحر وحليف حزب الله يحاول الاستفراد بالحصة المسيحية، على اعتبار أنه الحزب المسيحي الأكثر تمثيلا في الحكومة بعد انتقال “حزب القوات” إلى المعارضة، ومحاولة تهميشه لتيار المردة.
وأضافت أن المباحثات السياسية في هذا الشأن مستمرة، مرجحة أن يتم الحسم في التعيينات في جلسة الحكومة المقرر عقدها الخميس المقبل.
محاصصة مصرف لبنان
وتنص المادة 18 من قانون النقد والتسليف أنه يتم تعيين نواب حاكم مصرف لبنان لخمس سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير المالية واستشارة حاكم مصرف لبنان، ويتوزع النواب الأربعة وفق العرف طائفيا على الأرمن والدروز والشيعة والسنة.
مع العلم أن نواب الحاكم الذين انتهت ولايتهم كانوا موزعين سياسيا بين “تيار المستقبل”، و”الحزب التقدمي الاشتراكي” والثنائي الشيعي “حزب الله وحركة أمل”، و”حزب الطاشناق” حليف التيار الوطني الحر.
أما لجنة الرقابة على المصارف فتشكل بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية.
وتتألف من 5 أعضاء تقوم بعملها لمدة 5 أعوام، على أن تكون الأسماء موزعة، وفق العرف في لبنان، على خمسة مذاهب رئيسية، بحيث يكون رئيسها من الطائفة السنية ويتوزع الأعضاء الأربعة الآخرون على الشيعة والموارنة والأرثوذكس والكاثوليك.
وهذا التوزيع بين الطوائف يجعل الأحزاب الكبرى عادة تطرح أسماء محسوبة عليها، طائفيا وحزبيا، وهو الأمر الذي فجّر الخلافات الأخيرة التي تنتج عن جميع التعيينات الموزعة طائفيا في لبنان، خاصة أن أحزابا كبرى على غرار “المستقبل” و”القوات” باتت خارج الحكومة، ما يؤدي إلى تفرد حزب الله والتيار الوطني الحر، إضافة إلى رئيس الحكومة حسان دياب بشكل أساسي بها.
وتكمن أهمية هذه التعيينات المالية في المرحلة الحالية في أن هذه المراكز ستكون معنية مباشرة بإدارة الأزمة المالية والنقدية التي تعاني منها البلاد والخطة التي يفترض أن تطرحها الحكومة قريبا.
حرب بيانات
أول من طرح هذه القضية كان رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية (حليف حزب الله وحركة أمل في الحكومة وخصم باسيل)، الذي كتب على حسابه على تويتر قائلا: “بدل التركيز على معالجة المواطنين ودعمهم وإعلان حالة طوارئ، يجري استغلال انتشار فيروس كورونا لتهريب التعيينات وتمرير الصفقات.. لا نريد حصّة ولكن نتمنى تأجيل الاستحقاق الخلافي وغير الضروري حالياً للوصول إلى تعيينات شفافة. وفيما خص مشاركتنا في الحكومة فسيبنى على الشيء مقتضاه”.
كذلك عاد تيار المستقبل وتحدث عن الموضوع نفسه، قائلا في بيان له: “تدور في بعض الغرف الحكومية والرئاسية حياكة مخطط غير بريء لتمرير هيئة جديدة لحاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، تلبي رغبات فريق سياسي لطالما حاول وضع اليد على هذا المرفق الوطني والاقتصادي الحساس”، (في إشارة إلى باسيل).
وأضاف بيان “المستقبل”: “تجري هذه العملية بطريقة التسلل أو التهريب تحت جنح كورونا وعلى وقع قرارات عشوائية تتناول الشأن المالي والمصرفي والسياسات التي تسهم بمزيدٍ من الانهيار الاقتصادي في لبنان وتخريب علاقاته مع المؤسسات الدولية”.
وتابع: “هناك مواقع في الدولة، وفي مصرف لبنان تحديدا، لن نرضى أن تكون لقمة سائغة لأي جهة سياسية مهما علا شأنها”.
وزاد: “أي محاولة للتلاعب فيها أو تقديمها هدايا مجانية لهذا الطرف أو ذاك لن تمر مرور الكرام، وسيكون لنا تجاهها ما تستحق من مواقف وقرارات، وأن عدم وجودنا في السلطة لا يعطي أياً كان إذن مرور لأحد بانتهاك الكرامات وضرب الصلاحيات والاعتداء على مواقع الآخرين”.