خبراء: خطة لبنان المالية “قصاص جماعي”.. واللجوء لصندوق النقد حتمي
تراجعت قليلا مخاوف انتشار وباء كورونا المستجد وتداعياته لدى اللبنانيين، أمام الجدل المتصاعد على الصعيد الداخلي بشأن الخطة المالية للحكومة المسربة، والتي سيناقشها مجلس الوزراء الخميس المقبل على الأرجح، لا سيما ما يتعلق بمصير وموقف الودائع في المصارف؛ سواء كانت لصغار المودعين أم الكبار على حد سواء.
وقال خبراء وسياسيون إن مسودة خطة الحكومة المالية التي وضعها الاستشاري المالي لازار شددت على الحاجة لمساعدات ودعم خارجي بشكل أساسي، وعلى مساهمة أصحاب الودائع الكبيرة في البرنامج الإصلاحي.
وأشار سياسيون وخبراء إلى أن مسودة الخطة المالية لحكومة حسان دياب التي جرى تسريبها لـ”جس النبض” قبل تبنيها رسميا، تعتمد على المساعدات ودعم خارجي، ومساهمة أصحاب الودائع الكبيرة في البرنامج الإصلاحي، مؤكدا أن “لجوء الدولة لصندوق النقد الدولي حتمي”.
واعتبر هؤلاء الخبراء في الوقت ذاته أن الخطة بمثابة “قصاص جماعي للبنانيين، وتحميلهم مسؤولية عجز الدولة، محذرين في الوقت ذاته من المس بالودائع في المصارف، سواء لصغار أم كبار المودعين.
وتسعى الحكومة اللبنانية إلى محاولة طمأنة اللبنانيين بشأن ودائعهم، في وقت تمر فيه البلاد بظروف استثنائية صعبة بسبب مواجهة كورونا وتداعياتها، أسفرت مؤخرا عن تمديد حالة التعبئة العامة أسبوعين حتى 26 أبريل/نيسان الجاري، بناء على توصية المجلس الأعلى للدفاع.
وقال رئيس الحكومة حسان دياب في تصريحات صحفية “إن 90% من المودِعين لن تمَسّ ودائعهم في أي إجراءات مالية”.
وفي رد على سؤال عن موعد حصول المودِعين على أموالهم، أجاب “اسألوا حاكم مصرف لبنان”، مضيفا “أزمة سعر صرف الدولار مشكلة كبيرة تحتاج إلى حل”.
لا إصلاح دون مساعدات خارجية
الخبير الاقتصادي اللبناني الدكتور عماد جبري قال في تصريحات خاصة من لبنان لـ”العين الإخبارية” إن مسودة خطة الحكومة المالية التي وضعها الاستشاري المالي لازار شددت على الحاجة لمساعدات ودعم خارجي بشكل أساسي، وعلى مساهمة أصحاب الودائع الكبيرة في البرنامج الإصلاحي.
وبيّن أنه وفقا للخطة المالية فإن الودائع ما دون الـ100 ألف دولار لن تمس بالكامل، أما ما فوق هذا المبلغ فيجري دراسة حفظ قيمتها عبر مبادلتها بأسهم، إما في رأسمال بعض البنوك وإما في رأسمال صندوق سيادي للتعافي يضم أصولا تابعة للدولة سواء شركات أو غيرها.
وأشار “جبري” إلى أن حجم القطاع المصرفي أكبر من الاقتصاد اللبناني بقطاعيه العام والخاص بـ4 مرات، حيث كان يبلغ قبل الأزمة نحو 52 مليار، فيما بلغ حجم الودائع بالمصارف نحو 170 مليار دولار ولا يتم استثمارها في قطاعات إنتاجية بل لتمويل الهدر والفساد.
وقدر “جبري” حاجة الحكومة إلى نحو 25 مليار لدولار، لإعادة بناء الاقتصاد، قائلا: ما لم تجد الحكومة الدعم العربي اللازم لتغطية هذا المبلغ، ستتضطر للجوء لصندوق النقد الدولي.
ومن بين عناوين الإصلاح المالي في الخطة الجديدة -حسب جبري- إعادة هيكلة الدين العام، وإعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف التجارية، والانفتاح على اقتراحات صندوق النقد الدولي، وتحريك برنامج سيدر لدعم الاقتصاد، فضلا عن إجراءات أخرى في الإصلاحات البنيوية مثل مكافحة الفساد وإصلاح النظام الضريبي.
ونبه بأن مجلس الوزراء سيناقش مسودة الخطة المالية خلال اجتماعه الخميس المقبل، على أن تطرح لاحقا على اللجان النيابية، ثم يجري التصويت عليها خلال الجلسة العامة بالبرلمان.
سطو وقصاص جماعي
وبدوره، رأى الدكتور محمد السعيد الرز الإعلامي والخبير السياسي أن الخطة المالية للحكومة التي جرى تسريبها لجس النبض حولها، جاءت بما يشبه القصاص الجماعي للناس.
وأوضح “الرز” أن الخطة المالية المسربة تحمل المواطنين مسؤولية عجز الدولة، عبر القضم من ودائعهم وتعبهم ومدخراتهم، أو حتى من صناديق تعاضدهم وتعويضاتهم، فيما يشكل محاولة سطو موصوفة تحت اسم “هيركات” وبذريعة سد العجز في مالية الدولة.
وكشف “الرز” أن الحكومة تعتزم تقديم مشروع قانون يتعلق بأموال المودعين في المصارف.
وواصل: تقضي مسودة خطة الحكومة بعدم المساس بصغار المودعين (أقل من 100 ألف دولار)، واقتطاع من 100 ألف دولار حتى المليون نسبة معينة، وفوق المليون نسبة، وفوق العشرين مليون نسبة وهكذا صعودا لقاء تمليك من يقتطع من أمواله نسبة في أسهم مصرفية بحسب المبلغ المقتطع منه، ومن هنا تخوف كبار المودعين”.
الخيارات تضيق أمام الحكومة الحالية خاصة مع موقف حزب الله الذي يعارض التعاون مع صندوق النقد الدولي، ليخدم أجندة إيران في ملف العقوبات المفروضة عليها، بحسب “الرز”.
موارد الخطة
إلى هذا، انتقد سياسيون وكتل نيابية بارزة بعض بنود خطة الحكومة، مطالبين بسد منافذ الهدر والفساد في البلاد.
وقال رئيس حزب القوات سمير جعجع في بيان حصلت “العين الإخبارية” على نسخة منه إن خطة الحكومة لن تكون إنقاذية، بل ستعكف على إيجاد موارد جديدة للدولة من جيوب الناس، ومن دون سد منافذ الهدر والفساد التي ما زالت مفتوحة على مصراعيها”، على حد تعبيره.
وأضاف: “طالما الثلاثي غير المرح يتحكم برقاب السلطة في لبنان، فلا أمل في أي إصلاح ولا أمل في أي خطة إنقاذية فعلية”، في إشارة إلى الأكثرية الحاكمة؛ حزب الله، وحركة أمل، والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه جبران باسيل.
وشدد “جعجع” على أنه لا خطة إنقاذية قبل إدخال الإصلاحات المطلوبة على قطاعي الكهرباء والاتصالات وعلى الجمارك، وقبل إغلاق المعابر غير الشرعية، وإيقاف عقود كل الموظفين غير القانونيين والقانونيين الذين فرضوا لأسباب انتخابية فقط على الدولة، وقبل اتخاذ قرار نهائي باعتماد إدارة المناقصات بكل مناقصات الدولة”.
من جهته، شدد رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، عضو تكتل الجمهورية القوية (التكتل النيابي لحزب القوات) في حديث لقناة “أم تي في” أنه “لا يمكن المس بأموال المودعين”.
وأردف “لن نقبل في المجلس النيابي وداخل لجنة الإدارة والعدل بالقوانين التي تشرع السطو على أموال الناس، وسنعمل على القوانين التي تطرق إليها الدستور، وتحمي الناس وأموالهم”.
وأضاف: “هناك أموال منهوبة يجب أن تستعاد، وأموال مصروفة الدولة مسؤولة عنها ويجب استعمال موجودات الدولة، وآخر ما يمكن أن نصل إليه هو أموال المودعين”.
كما أكد عضو كتلة الكتائب النائب إلياس حنكش رفضه أي مسّ بتعب اللبنانيين، قائلا: “سندافع بشراسة ضد إبادة اللبنانيين التي سمّوها “هير كات” لتغطية سرقاتهم وفسادهم”، حسب قوله.
وقال “حنكش” في تغريدة عبر صفحته على “تويتر”: “طالبنا باستعادة الأموال المنهوبة، وليس نهب أموال الناس مرة جديدة!”.
كما دخل على خط انتقاد مسودة الخطة المالية النائب آلان عون عضو تكتل لبنان القوي الموالي لرئيس الجمهورية، قائلا عبر حسابه الرسمي على تويتر إن أي خطة مالية اقتصادية لا تتضمّن خارطة طريق، لإعادة تكوين ودائع الناس عبر استعمال كل الوسائل من استرجاع الأموال المنهوبة من الفاسدين ومحاسبة المسؤولين عن وقوع الخسائر واستثمار أملاك الدولة ومؤسساتها المنتجة وتأمين ظروف مساعدة خارجية هي محكومة بالسقوط”.