هل سيكون لقاح فيروس كورونا متاحاً للفقراء أيضاً؟ هذا هو السؤال الأهم
تسابق حكومات الدول الغنية وشركات الأدوية ومعامل إنتاج اللقاحات الكبرى حول العالم الزمن بغرض التوصل إلى لقاح لفيروس كورونا القاتل في أسرع وقت ممكن، لكن السؤال الذي يحتاج لإجابة مسبقة هو : كيف يمكن ضمان إتاحة اللقاح المنتظر للجميع بصورة عادلة حتى يتحقق الهدف ويتم القضاء على الوباء؟
وكالة بلومبيرغ الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “استراتيجية التخلص من كوفيد-19 تعتمد على حصول العالم بأَسره على اللقاح”، تناول سيناريوهات جعل اللقاح الذي يجري العمل عليه على قدم وساق حول العالم، متاحاً للجميع بشكل عادل ومتزامن.
إن الحصول على لقاح لعلاج كوفيد-19 في غضون أشهر ليس التحدي الهائل الوحيد الذي يواجهه العالم. إذ سيعقبه تحدٍّ هائل آخر: هو توصيل مليارات الجرعات إلى كل ركن من أركان العالم في وقت تضع فيه الدول مصالحها فوق أي شيء آخر.
وتَجري دراسة مجموعة متنوعة من أدوات التمويل لتحفيز إنتاج كميات كبيرة من اللقاحات المحتملة وضمان توزيعها بشكل عادل، وتوافق الجهات المصنِّعة في أحد البرامج على تقديم جرعات بأسعار معقولة مقابل التزام الحكومات أو الجهات المانحة الأخرى بالتمويل.
وتعد المخاطر هائلة في ظل إصابة أكثر من 3 ملايين شخص بفيروس كورونا، حتى في ظل احتماء المليارات من الناس بمنازلهم، ويشعر نشطاء الصحة بالقلق من احتكار البلدان الغنية للإمداد العالمي من لقاحات كوفيد-19 إذا نجحت الشركات في التوصل إليها، وهو سيناريو ظهر خلال جائحة إنفلونزا الخنازير عام 2009، ويقولون إن توزيع اللقاحات على كل دول العالم ليس الشيء الصحيح الذي يجب فعله فحسب، ولكنه عامل حاسم في كبح انتشار العدوى أيضاً.
يقول غافين يامي، مدير مركز تأثير السياسات في الصحة العالمية بجامعة ديوك: “يعي كثيرون فكرة الظلم وعدم المساواة المحتملين في المستقبل، ولكن لا يفهم كثيرون بالمثل فكرة أننا بحاجة حقيقية لتوزيع اللقاح بطريقة تضمن الصحة العامة”.
وعدم تمكن دول العالم الفقيرة من الحصول على الدواء يمثل مشكلة مزمنة، فقبل أكثر من عقدين من الزمان، أثار ارتفاع أسعار أدوية فيروس نقص المناعة البشرية ضجة هائلة، حيث مات الملايين في إفريقيا ومناطق أخرى لا تستطيع تحمُّل شرائها؛ مما أدى في وقت لاحق، إلى إنشاء برامج لمساعدة سكان هذه المناطق.
التوزيع العادل
في ظل انتشار كوفيد-19، يسود القلق من أن تقدم الدول الغنية مصالحها الخاصة على الوحدة العالمية، ويُشار إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل انضما، الأسبوع الماضي، إلى منظمة الصحة العالمية في دعوتها إلى التوزيع العادل للقاحات.
يقول مايكل كينش، خبير اللقاحات والنائب المساعد لرئيس جامعة واشنطن في سانت لويس: “قد تسوء الأمور كثيراً، وستنشأ فجوة بين الوقت الذي نتمكن فيه من الحصول على اللقاح والقدرة على حماية 7 مليارات شخص”.
لكنه استدرك قائلاً: “ولكن ثمة طرق لمنع ذلك من الحدوث، مثل إنشاء مرافق التصنيع في مختلف أنحاء العالم”، وقال تحالف ابتكارات التأهب للوباء، وهي مجموعة مقرها أوسلو تمول عدداً من لقاحات فيروس كورونا التجريبية، إن هذا هو الهدف.
وبحسب الرئيس التنفيذي للتحالف ريتشارد هاتشيت، يرى التحالف مستقبلاً واعداً فيما يسمى التزامات السوق المسبقة، ففي هذا النوع من البرامج، يعِد المانحون بتقديم أموال لضمان سعر اللقاحات فور التوصل إليها، وقال تحالف ابتكارات التأهب للوباء (CEPI)، إنه يتحاور مع منظمات أخرى منها البنك الدولي، الذي يدرس كيفية إعداد مثل هذه الاتفاقيات.
ويقول هاتشيت: “الفيروس لا يبالي بالحدود ويخترق جميع طبقات المجتمع وجميع الفئات العمرية. يبدو أن هناك بالفعل إجماعاً سريع التنامي على أهمية تقديم لقاح لجميع البلدان على مستوى العالم بأسرع ما يمكن بعد توافره”.
شراء بالدفع المقدم
أنشأت مجموعة Gavi, the Vaccine Alliance، وهي مجموعة تعمل على مكافحة الأمراض بالبلدان الفقيرة، برنامجاً مشابهاً للتصدي للإيبولا في إفريقيا، إذ وقَّعت المنظمة غير الربحية على تعهد شراء بدفع مقدم مع شركة Merck & Co؛ ما أدى إلى توافر مخزون من الجرعات المستخدمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ووافقت شركة ميرك في البداية على توفير 300 ألف جرعة من اللقاح المتاح للاستخدام في التجارب السريرية الموسعة أو على أساس طارئ فيما استمرت في تطوير لقاحها.
وفي اتفاقية مع Gavi قبل عقد من الزمان، خفضت شركتا Pfizer IncوGlaxoSmithKline Plc سعر لقاحاتهما الخاصة بالالتهاب الرئوي بنسبة تصل إلى 90% في الدول النامية، وتعهدت كل منهما بتوفير 30 مليون جرعة سنوياً لمدة عقد.
ومن المتوقع أن يتحول تصنيع وتوريد اللقاحات لتلبية الطلب العالمي إلى تعبئة غير مسبوقة، وفقاً لجو سيريل، المدير الإداري للسياسة العالمية وأنشطة الدعوة في مؤسسة بيل وميليندا غيتس، وقدّر أن تكلفة تأمين الجرعات المطلوبة يمكن أن تصل إلى 25 مليار دولار، وقال عبر الهاتف: “الوقت ليس في صالحنا. فلا نملك عاماً أو ما شابه لدراسة الأمر”.
وقال سيريل إن مرفق التمويل الدولي للتحصين، الذي يجمع الأموال لشراء اللقاحات وتوصيلها عن طريق بيع السندات، خيار آخر يمكن أن ينجح مع كوفيد-19، ويمول المرفق عدداً من البرامج عن طريق منظمة Gavi، وقال يامي من جامعة ديوك، إن هذه الأنواع من الأدوات “آليات مبتكرة لأخذ تعهدات طويلة الأجل وتحويلها إلى أموال مدفوعة مسبقاً. فسنحتاج مبالغ كبيرة”.
سباق اللقاح
تتسابق عشرات الشركات، مثل Sanofi وJohnson & Johnson وModerna Inc، للتوصل إلى لقاح، إلى جانب باحثين بعدد من المؤسسات مثل جامعة أوكسفورد وجامعة كوينزلاند بأستراليا، وتتحاور شركة غلاكسو التي تقع في لندن وتعد إحدى الشركات الكبرى المشاركة في السباق، مع الحكومات بشأن مسألة التوريد، وفقاً لإيما والمسلي، الرئيس التنفيذي للشركة.
إذ قالت في حديث صحفي: “نؤمن بأن هذا يحتاج نهجاً عالمياً، ونتوقع أن تستمر هذه المحادثات في أثناء وقبل استنباط البيانات، ونتطلع إلى التعاون مع الحكومات لتكون جزءاً من الحل”.
وقالت غايل سميث، التي تقود حملة ONE، وهي مجموعة ناشطة، إن اللقاح يعد عاملاً حاسماً في استراتيجية التخلص من الوباء، إلا أن العالم يفتقر إلى نظام عالمي لإدارة توزيع اللقاحات في الأزمات. وقالت في حديث صحفي هذا الأسبوع، إنه خلال جائحة الإنفلونزا قبل أكثر من عقد من الزمان، أمّنت الدول الغنية الجزء الأكبر من الإمدادات قبل أن تتحرك في وقت لاحق؛ في محاولة لتوزيع جرعات على بقية العالم.
وقالت إنه من المهم أن يتوافر اللقاح “بشكل منصف وبالتساوي في كل مكان. ولا يمكننا اعتبار هذه الجائحة شيئاً داخل حدودنا فحسب”.