نعم للحجر الصحي ولا للحجر على الرأي.. المغرب يرجئ مشروع قانون اعتبره معارضوه مكمماً للأفواه

“لا لتكميم الأفواه”، “نعم للحجر الصحي ولا وألف لا للحجر على حرية الرأي والتعبير” و”ماسكتينش” (أي لن نسكت).. هذه وسوم وشعارات على وسائل التواصل الاجتماعي كانت ضمن عوامل رئيسية دفعت الحكومة المغربية إلى تأجيل بحث مشروع قانون وصفه معارضوه بأنه مكمم للأفواه في زمن جائحة فيروس كورونا.

مشروع تقنين استعمال شبكات التواصل الاجتماعي، الذي اشتهر بقانون “تكميم الأفواه” أوجد جدلاً شديداً في المجتمع المغربي، وأعرب نشطاء وحقوقيون وسياسيون من خلال وسائل التواصل عن رفضهم له، ووصفوه بأنه كمامة لتقييد حرية الرأي والتعبير.

معارضو مشروع القانون رأوا أنه يضيق على الحريات، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والنشر وما يهم الصحافة الإلكترونية واستعمال وسائل التواصل الاجتماعي.

الاتحاد الدولي للصحفيين دعا الأربعاء 6 مايو/أيار 2020، الحكومة المغربية إلى استئناف مسار الحوار حول مشروع القانون “بالتشاور مع جميع المنظمات المهنية ومنظمات المجتمع المدني كما ينص على ذلك الدستور المغربي”.

يونس مجاهد، رئيس الاتحاد، في عبر بيان عن قلقه من محتوى نص المشروع، وانتقد استغلال الحكومة لحالة الطوارئ الصحية من أجل تمرير قانون يمنع الحريات.

رشيد أوراز من المعهد المغربي لتحليل السياسات هو الآخر قال لرويترز: “بعد الربيع العربي أصبحت السلطة تنظر بعين الريبة إلى وسائل التواصل الاجتماعي. وكل الحركات الاجتماعية التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة جاءت من الفضاءات الاجتماعية على الإنترنت”.

وسائل التواصل تتحدى السلطة: أضاف أن الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة “يعتبر تحدياً كبيراً لقبضة السلطة التي تستطيع ضبط الشارع لكن لا تستطيع ضبط الفضاء الإلكتروني بنفس الطريقة”.

مضى قائلاً إن السلطة “تحاول الآن وضع تشريعات تخوّل لها تطوير قمع إلكتروني تتسرب من خلاله لهذا الفضاء لتراقبه وتعاقب مَن يعبر بما لا يتماشى وسياستها”.

تحت ضغط احتجاجات النشطاء ومنظمات المجتمع المدني وأحزاب سياسية اضطرت الحكومة المغربية إلى تأجيل التصويت على هذا المشروع.

وفي بيان في الثالث من مايو/أيار الحالي أعلنت الحكومة أنه “اعتباراً للظرفية الخاصة التي تجتازها المملكة في ظل حالة الطوارئ الصحية، طلب وزير العدل من السيد رئيس الحكومة والسادة أعضاء اللجنة الوزارية تأجيل أشغال هذه اللجنة بخصوص مشروع القانون”.

غير أن مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، قال إن مشروع القانون غير نهائي الصياغة، وإن “الصيغة النهائية هي التي ستتم إحالتها على البرلمان للمصادقة”.

في تدوينة على صفحته على فيسبوك اعتبر أن “ما حدث يدل على أن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح، وأن التطور الديمقراطي للبلاد في طور التمتين والترسيخ”.

ما يتضمنه المشروع: كانت وثيقة أولية لما يبدو أنه مشروع قانون يحمل رقم 2022 قد تسرّبت وانتشرت على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي متضمنة عقوبات الحبس والغرامة المالية لكل من “قام عمداً عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة، بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك”.

كانت العقوبة غرامة تتراوح بين 5000 درهم و50 ألف درهم (بين نحو 504 و5044 دولاراً) والسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات.

تضمن المشروع كذلك مدة الحبس نفسها وغرامة من 2000 درهم إلى 20 ألف درهم لكل “مَن روّج محتوى إلكترونياً يتضمن خبراً زائفاً من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديداً وخطراً على الصحة العامة والأمن البيئي”.

محللون وحقوقيون قالوا إن هذا المشروع الذي أقرته الحكومة المغربية في جلستها في 19 مارس/آذار الماضي جاء بعد حملة مقاطعة غير مسبوقة وُصفت بالناجحة في 2018 لثلاث شركات رائدة في مجال الحليب ومشتقاته والمياه والغاز.

خديجة الرياضي الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي جمعية مستقلة، قالت لرويترز: “الحكومة حاولت استغلال الظروف التي انشغل فيها الجميع بمشاكل الجائحة، وما ترتب على إجراءات مواجهتها من مشاكل عويصة، لتمرير ذلك المشروع في غفلة من الناس، خاصة أن أي تحرّك يصعب تنظيمه للاحتجاج على هذا القانون في الشارع”.

وصفت خديجة المشروع بأنه كارثي قائلة إنه “يجهز على النزر القليل من فضاءات النقاش والتعبير الحر المتبقية بإثقاله الفضاء الرقمي بالأحكام الزجرية المبالغ فيها ضد أفعال تدخل ضمن حرية التعبير”.

كما اعتبرت أنه “مشروع قانون جاء أيضاً لحماية الرأسماليين الاحتكاريين الذين يعتدون على حقوق المستهلك والعمال ويخافون من حملات مقاطعة كما تمت سابقاً وكانت ناجحة”.

احتجاج: بعث المجلس الوطني للصحافة، وهو هيئة منتخبة، برسالة إلى رئيس الحكومة للاعتراض على مصادقة مجلس الوزراء على المشروع ضمن جدول أعماله دون إطلاع المجلس الوطني عليه، إذ ينص قانون المجلس على ضرورة التشاور معه لإبداء رأيه في القوانين والمراسيم.

النقابة الوطنية للصحافة المغربية أصدرت بياناً قالت فيه إن هذا المشروع “غير واضح في خلفياته وأهدافه، ذلك أن نشر الأنباء الزائفة منصوص على عقوبته في العديد من المقتضيات المتضمنة في قانون الصحافة والنشر”.

البيان قال إن “تشريع قانون جديد سيتسبب في ارتباك كبير ليس في الأوساط المهنية وفي المشهد الإعلامي فقط، بل في منطق قانون الصحافة الذي يمثل المرجع الوحيد في تنظيم الممارسة الإعلامية ببلادنا”.

ودعت النقابة إلى “سحبه فوراً”.

انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وسم “ماسكتينش” و”لا لتكميم الأفواه”، في إشارة إلى طرح مشروع القانون وسط حالة الطوارئ الصحية التي يعيشها المغرب وفرض استخدام الكمامة الطبية للوقاية من فيروس كورونا.

عدد من الحقوقيين والنشطاء قالوا إن مشروع القانون يضيف إلى الكمامة الطبية كمامة على حرية الرأي والتعبير.

انتشر كذلك وسم “نعم للحجر الصحي، ولا وألف لا للحجر على حرية الرأي والتعبير”.

في ندوة افتراضية حول مشروع القانون قال نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، إن المشروع “جاء بمنطلق زجري وعقابي، وليس بمنطلق تقنين الفضاء”.

كما قال محمد نبيل بن عبدالله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وهو من أحزاب المعارضة في الندوة، إن “هذا القانون يمسّ ثابثاً من الثوابت الأساسية هو الخيار الديمقراطي”.

أوراز من المعهد المغربي لتحليل السياسات قال: “أظن أن القانون سُحب فقط بشكل مؤقت لكن ستحاول السلطة تمريره في السنوات القادمة وربما سيعرف العالم ككل تشريعات في هذا الاتجاه. لقد أصبحت الحكومات متضايقة من التعبير الحر الذي تحتضنه شبكات التواصل الاجتماعي”.

اعتبر أوراز كل “محاولة من الدولة لتقنين شبكات التواصل الاجتماعي ستكون على حساب الحريات الفردية، خصوصاً حرية التعبير. وسيكون لذلك انعكاس سيئ على دينامية الانتقال الديمقراطي الذي وضع فيه الربيع العربي عدداً من البلدان في المنطقة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى