المحطة الخامسة والأخيرة
بقلم / هناء الزريعي
حملت حقيبتها وذكريات تستند عليها وتريد أن تنساها في آن واحد، ودعت على أرصفة المحطة الحب والأمل والثقة وجزء منها، وكعادتها حرصت أن تجلس في مقعد بالقرب من النافذة حيث تربطها علاقة متينة معها، ومنها كي يقرأ الزجاج أسئلتها التي تتزاحم وتتصارع بداخلها لماذا ولماذا ولماذا فعل بي ذلك.
استسلمت لنافذة الزمن وأغمضت عينيها محاولة أن تهرب إلى عالم الأحلام لربما تعثر على نفسها في عالم آخر جميل ولعلها تنسى فيه ذلك الجرح المفتوح قليلا.
ما الفائدة فعالم الأحلام لم يدعها بشأنها، وشكها بأنها تسمع صوته كان يوقظها في كل محطة : “نعم اشتقت يا حبيبتي ..كم أنت جميلة ياحلوتي كقطعة سكر تذوب في قهوتي المرة فتجعلينها أحلى …”.
آه وآه كم هو مخادع، تعترف لها الأربع محطات بذلك وبأن له في كل محطة حبيبة.
وهاهما اقتربا الآن من المحطة الخامسة والأخيرة، وقبل ذلك اقترب منها مستأذنا: أتسمحين لي بالجلوس بجوارك، وكسر صمتها بأخذ كوب قهوتها وحركها بيده مذيبا بها ذاكرتها المشوهة عنه وبتنويم مغناطيسي نظر إلى حزنها المنعكس على الزجاج مهدئا عتبها بقوله عيناك جميلتان .
و قدم لها فنجان قهوتها مكملا حديثه وهي لم تبذل أي مجهود في المقاومة، فلقد مس قلبها شعاع غامض، ابتسمت لأنها في محطتها الأخيرة حيث وجدت الحقيقة بعد أن جربت الموت في المحطات الأربع والحياة في الخامسة.