تصدَّعت عند ميلاد النبي محمد، وصلى فيها الخضر، وبكت السيدة مريم على أحد أعمدتها.. أساطير آيا صوفيا
آيا صوفيا، الكنيسة والمسجد والمتحف الذي عاد مسجداً في النهاية. بناه الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول على شكله الحالي عام 537، ثمّ حين فتحت القسطنطينية على يد محمد الفاتح عام 1453 تحوّلت الكنيسة لمسجد، مع الحفاظ على زخارفها المسيحيّة التي ما زالت قائمة حتى الآن. وبعيداً عن كلِّ هذا النقاش أو الصراع حولها، دعونا نأخذكم في جولة حول أساطير آيا صوفيا، فهذا المكان ترتبط به الكثير من الأساطير المسيحية والإسلامية على السواء، ما جعل الروائي العالمي دان براون يضمّن آيا صوفيا في روايته “الجحيم”.
أول أساطير آيا صوفيا: بناها سيدنا سليمان!
لعلّ أغرب أساطير آيا صوفيا أنّ الذي بنى البناء الأصلي لها كان النبي سليمان، عندما أمر الجنّ والإنس والعمالقة والحوريّات أن يقطعوا المرمر بمختلف أنواعه وألوانه من جبل قاف لبناء المعبد، وقد حفرت أساساته على عمق 70 متراً، وامتزجت صبّة أساسات المكان بالذهب والفضّة حتّى تكون إعادة بنائه ممكنه في حال هُدم. هذا على الرغم من أنّ النبي سليمان كان موجوداً قبل بناء المعبد الأوّل مكان آيا صوفيا بحوالي ألف عام.
وجبل قاف هو جبل عظيم محيط بالأرض، ويتكوّن من زبرجدة خضراء، ويعتبر هذا الجبل من أساطير بني إسرائيل. ويقال إنّ ارتفاعه يتجاوز مسيرة 500 عام، وغيرها من الأساطير.
ومن أساطير آيا صوفيا الأخرى أنّ الإمبراطور جستنيان أمر بعمل نفق يربط قصره بها. ولم يستطع أيّ معماريٍّ أن يقدّم تصميماً يعجب الإمبراطور لبناء آيا صوفيا، وهنا حصلت “الأسطورة”، فأثناء إحدى الصلوات، وبينما يصلي الجميع مستمعين للقسّ، وقعت قطعةُ خبزٍ مقدسة على الأرض فأخذتها نحلة.
تعهّد الإمبراطور فوراً بجائزةٍ ضخمة لمن يستطيع أن يحضر تلك الخبزة المقدسة، فهرع أحدهم وأتى بخليّة عسل ليجذب تلك النحلة التي اختطفت الخبزة المقدسة. أعجب الإمبراطور بخلية العسل وتخيل الكنيسة بتصميم خلية العسل تلك، فبدأ البناء فوراً.
لكنّ الأساطير المسيحيّة لا تتوقَّف عند هذا الحدّ، فآيا صوفيا لها أيضاً 361 باباً، منها 101 باب كبير عليها جميعاً طلاسم سحريّة. وكلّما حاول شخصٌ ما أن يعدّ هذه الأبواب تختلف النتيجة دوماً ليكون عدد الأبواب أكثر بواحد في كلّ مرة يحصل العدّ.
تكتمل الأساطير حين تعلم أنّ إحداها تعتبر أنّ باب آيا صوفيا مصنوعٌ من خشب سفينة النبي نوح، هذا الخشب الذي أُحضر من جبل “الجودي”، الذي ذكر في القرآن، وهو جبل يقع جنوب شرق تركيا في مدينة شرناك. وقد جمع الدكتور فرحات أصلان تلك الأساطير في كتاب بعنوان “أساطير آيا صوفيا” برعاية بلديّة مدينة إسطنبول، وفق ما ذكر موقع ترك برس.
كما أنّ السيدة مريم العذراء قد ذرفت دموعها فوق عمود رخام داخل آيا صوفيا، فشكّلت دموعها فجوةً داخل الرخام من شدة حزنها على السيد المسيح حين قبضوا عليه وعذبوه وفق المعتقد المسيحي. أمر الإمبراطور جستنيان أن يجلبوا هذا العمود إلى آيا صوفيا أثناء تشييدها.
ووفق ما حكاه خير الله جنكيز، مدير متحف “آيا صوفيا”، في مقابلة نشرها الموقع الإلكتروني الرسمي لولاية إسطنبول، والتي تَرجم بعضها موقع ترك برس، أوضح أنه حتى يومنا الحالي تحوّلت الفجوة الموجودة داخل عمود الرخام هذا إلى حجر أمنيات، بحيث يضع كل فرد إصبعه في تلك الفجوة ويقوم بتدوير يده باتجاه عقارب الساعة دورة كاملة، ويتمنى أمنية يعتقد أنها ستتحقق.
إحدى الأساطير الأخرى هي أنّ أحد القادة اللاتينيين حاول السيطرة على القسطنطينية، وكان عمره 80 عاماً، عندما وصل توفي فيها ودفن في آيا صوفيا ليكون قبره مداساً للمارّة.
للمسلمين نصيبهم الضخم من الأساطير أيضاً
ننتقل بكم الآن للأساطير التي لدى المسلمين، والتي بدأت بعدما دخل محمد الفاتح القسطنطينية وحوّل آيا صوفيا لمسجد، وعندما نتحدّث هنا عن الأساطير لدى المسلمين فالمقصود هم المسلمون الأتراك، باعتبار أنّ مسجد آيا صوفيا يمثّل رمزيةً كبيرةً لهم، ولا نعتقد أنّ المسلمين من بقية الأقطار الإسلامية تعتقد بهذه الأساطير. وهي أساطير جمعها الدكتور فرحات أصلان في كتاب بعنوان “أساطير آيا صوفيا”، برعاية بلدية إسطنبول.
أولى هذه الأساطير تتعلّق بلحظة فتح القسطنطينية وصلاة محمّد الفاتح في آيا صوفيا. فأوّل ما قام به المسلمون حين فتحوا إسطنبول هو إقامة صلاة الجمعة في آيا صوفيا، خطب فيهم شيخ وأستاذ محمد الفاتح آق شمس الدين، وأمَّ السلطان الفاتح الناس في صلاة الجمعة.
وقف الفاتح في المحراب، وبعد التكبيرة الأولى أبطل صلاته عبر السلام عن يمينه ويساره، ويتكرر الأمر مرتين، إلى أن أكمل صلاته في المرة الثالثة. بعد الصلاة سأل الناس الشيخ آق شمس الدين عن فعل السلطان محمد الفاتح وسببه.
أخبرهم الشيخ آق شمس الدين أنّ الخضر كان بين المصلين، وقد حوّل اتجاه المعبد إلى القبلة في مكة لأنّ المعبد لم يكن متجهاً نحوها. ولذا فإنّ السلطان لم يستطع رؤية الكعبة إلا في التكبيرة الثالثة، لذلك أبطل صلاته مرتين. وبعد الصلاة قال الفاتح عن قبّة آيا صوفيا: “إنَّ هذه القبة قائمة ببركة الرسول” وأمر بتعليق كرة ذهبية وسطها.
يقال أيضاً إنّ قبّتها تصدّعت عند ولادة النبي محمّد، وبقيت فترةً طويلة لم يُعد بناؤها، فأمر الخضر ببنائها بخلط جزءٍ من لُعاب الرسول في البناء مع ماء زمزم. بل يقال إنّ النبي محمد قال أيضاً عنها “فلتكن نصيب أمتي”، بل يقال إنّ الجزء المعجون بلعاب النبي مُضاء حتى يومنا هذا.
من الأساطير الأخرى أيضاً أنّ محمد الفاتح حين حاصر القسطنطينية ظهر نورٌ مفاجئ كبير من قبة آيا صوفيا، اعتبر العثمانيون ذلك بشارةً على فتح القسطنطينية، بعد ذلك بفترة قصيرة كان الفتح النهائي للمدينة.
ويبدو أنّ للخضر حضوراً طاغياً في المخيلة الشعبية التركية العامة، فقد كان المسلمون يعتقدون لفتراتٍ طويلة أنّهم إن أدّوا صلاة الفجر أربعين يوماً متتالياً حاضراً تحت القبة الرئيسية فإنّهم سيقابلون الخضر!.