الأزمة السياسية في تونس.. هل يسعى الرئيس للصدام مع البرلمان والأحزاب؟
لا يزال تجاهل الرئيس التونسي قيس سعيد مقترحات الأحزاب لخليفة رئيس الوزراء المستقيل إلياس الفخفاخ وتكليفه هشام المشيشي بتشكيل الحكومة يمثل لغزاً، على الرغم من رد الفعل الإيجابي في غالبيته من جانب الأحزاب الممثلة في البرلمان، فإلى أين تسير الأمور على وقع الأزمة الاقتصادية الخانقة؟ وهل يسعى قيس سعيد إلى الصدام مع الأحزاب؟
فمنذ نهاية الأسبوع الماضي، تتصاعد مخاوف من أن يكون تكليف الرئيس لوزير الداخلية بحكومة تصريف الأعمال، هشام المشيشي، مرحلة من مراحل تصعيد التوتر بين الرئيس والأحزاب والبرلمان، فقد اختار سعيد “المشيشي” من خارج الأسماء التي اقترحتها الأحزاب والكتل البرلمانية عليه، وهو ما فاجأ الطيف الحزبي، بحسب خبراء.
وكلفه الرئيس بتشكيل حكومة خلال مدّة لا تتجاوز الشهر، وفق البند 89 من الدستور، انطلاقاً من الأحد، خلفاً لحكومة تصريف الأعمال الحالية المستقيلة، برئاسة إلياس الفخفاخ.
وعلى خلفية شبهة تضارب مصالح تلاحق الفخفاخ وينفي صحتها، قدم نواب عريضة في البرلمان لسحب الثقة من حكومته، فاضطر إلى تقديم استقالته، ثم أقال وزراء حركة “النهضة” (إسلامية- 54 من 217 نائباً)، التي رأت أن هذه الشبهة أثرت سلباً على صورة الائتلاف الحاكم.
مفاجأة الاختيار
يرى المحلل السياسي بولبابة سالم أن “اختيار الرئيس سعيد لهشام المشيشي لتشكيل الحكومة كان مفاجأة وصدمة للطبقة السياسية، خاصة أنه من خارج مقترحات الأحزاب”، مضيفاً للأناضول: “يبدو أن الرئيس سئم من الأحزاب السياسية بسبب الحسابات والصراعات التي عايشها منذ (تكليف الحبيب الجملي بتشكيل حكومة) في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ورأى كيف تشكلت الحكومة بصعوبة وكيف تنسحب أحزاب بعد الاتفاقات، ورأى كيف تخل (حزب) التيار (الديمقراطي- 22 نائباً) و(حركة) الشعب (15 نائباً) عن كل الاتفاقيات خلال تشكيل حكومة الجملي الأولى”.
ويعتقد سالم أن سعيّد “أراد ترشيح شخصية لم ترتبط بأي حزب، بل متربط بالإدارة التونسية والقانون، وولاؤه للدولة، فضلاً عن أنه مقرب من الرئيس، فهو موضع ثقة ومستقل”، بينما رأى هشام الحاجي، باحث في علم الاجتماع، في تكليف المشيشي سعياً من سعيّد للحسم مع الأحزاب.
خطوة نحو المواجهة
الحاجي قال للأناضول: “أعتقد أن أهم الدلالات، بعيداً عن شخص المشيشي، هو أن رئيس الجمهورية قرر الدخول في مواجهة مع الأحزاب السياسية ومكونات النظام السياسي. سعيّد يعتبر أن هناك نقصاً في الشرعية في بعض المؤسسات، ويقصد مجلس النواب”.
ويعتقد الحاجي أن “هناك قطيعة ورسالة استفزازية للأحزاب السياسية في العمق تتجاوز الدستور، فالدستور ينص على أخذ مقترحات الأحزاب في تكليف رئيس الحكومة بعين الاعتبار (المادة 89 من الدستور)، لكن الرئيس اكتفى باستشارة شكلية وتركها جانباً”.
لكنه يرى أن “رئيس الحكومة المكلف سيحترم الجانب الشكلي، وسيكون هناك حوار مع الأحزاب، فلا يمكن التمادي وتجاوزها واستفزازها إلى النهاية”، متسائلاً: “كيف سيبني المشيشي حكومة، هل سيعتمد أساساً على المستقلين أم سيخضع لمنطق المحاصصة الحزبية، وهل ستكون حكومة موسعة تخضع بشكل أو بآخر لمنطق الترضيات أم لا؟”.
ولم تعبر أغلب الأحزاب عن رفضها لتكليف المشيشي، بل هنأته أهم الأحزاب، مثل “النهضة”، أكبر كتلة برلمانية، و”التيار الديمقراطي” (22 نائباً)، فيما عبرت حركة الشعب (ناصري- 15 نائباً) عن “ارتياحها للتكليف”، وأعلن حزب “قلب تونس” (ليبرالي- 27 نائباً) أنه لا تحفّظ لديه على تكليفه.
ولم يُسجل إلا انتقاد كتلة ائتلاف الكرامة (ثوري إسلامي- 19 نائباً)، بسبب تكليف شخصية من خارج مقترحات الأحزاب، وقال الناطق باسم الائتلاف، سيف الدين مخلوف، عبر صفحته في “فيسبوك”: “مصير الاستشارات الورقية بخصوص رئيس الحكومة كان في سلة مهملات القصر (الرئاسي)”.
الضغوط الخارجية وتأثيرها
إلا أن سالم قلّل من احتمالات الصدام بين الرئيس والأحزاب بالقول: “لا أتصور أن سعيد سيكون في صدام مع الأحزاب.. توجد أطراف خارجية (لم يسمها) تسعى للتأثير في الأمر”.
وقال رئيس كتلة “النهضة” بالبرلمان، نور الدين البحيري، الثلاثاء، إنه “توجد ضغوط تمارس من داخل البلاد وخارجها بأموال إماراتية توزع على النواب، لسحب الثقة من رئيس البرلمان (رئيس النهضة)، راشد الغنوشي”.
وشدّد سالم على أن “الديمقراطية لا تُبنى دون أحزاب، ودستورياً يمكن التصدي لهذا”، وتابع: “لا أتصور أن يخوض سعيد صداماً مع البرلمان.. هو صحيح راوغ الأحزاب، لكنه يتعامل مع مكونات سياسية حزبية، ولا يمكنه محو المشهد بجرة قلم”.
وأضاف: “هناك أحزاب عريقة في تونس وقادرة على إسقاط الحكومة والدعوة إلى انتخابات جديدة، وتعمل على تغيير التحالفات والتوازنات.. والرئيس له مسؤولية وطنية ومستأمن على استقرار البلاد التي نظامها شبه برلماني”.
الوضع الاقتصادي حرج ولا يحتمل
الحاجي اعتبر أن “الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد لا يحتمل التصعيد بين مؤسسات الدولة”، ورأى أن “المطلوب اليوم هو أن نرى ما مدى قدرة الفاعلين السياسيين على تجاوز هذا التوتر. ربما رئيس الجمهورية يعتقد أن الأحزاب في حالة ضعف والبرلمان ضعيف، وربما يفكر بالمرور بقوة لفرض آرائه لتغيير البناء السياسي من الناحيتين الدستورية والتنظيمية”.
وحذر من أنه “عندما تأتي هذه المواجهة على وقع وضع اقتصادي صعب قد نكون أمام منعرج، دون أن ننسى أنه ليس سراً أن كثيراً من القوى الإقليمية تؤثر بشكل ما في الحياة السياسية التونسية، وقد يكون تأثيرها وصل إلى الرئيس، فلا يمكن تصور أن الرئاسة ستبقى بعيدة عن هذه التأثيرات”.
وزاد بقوله: “خُطب الرئيس تتحدث عن مؤامرات دون الكشف عنها، وهذا دليل إما على أنه يملك معلومات دقيقة أو أنه قُدمت له مغالطات”، ورأى أن “الرئيس متأثر بفكرة التأثير على تونس من قوى خارجية، وأن أطرافاً تونسية تلعب دوراً في هذا التآمر”.
ويُنظر إلى تونس على أنها التجربة الديمقراطية الوحيدة الناجحة بين دول عربية شهدت ما تُسمى بالموجة الأولى من ثورات الربيع العربي، بداية من 2011، ومنها مصر وليبيا واليمن، وتخشى أنظمة عربية حاكمة خاصة بمنطقة الخليج، وفق مراقبين، من تأثرها سلباً بالتجربة التونسية، لذا تقود ما تُسمى بـ”الثورة المضادة”، لإفشال الأنظمة الحاكمة في الدول التي شهدت تلك الثورات.
الحكومة لن تمر دون ثقة البرلمان
بشأن بعض الدعوات لتشكيل حكومة من دون أحزاب، مثل دعوة حزب “مشروع تونس” (4 نواب)، قال سالم: “هذا يخضع لطبيعة المشاورات التي سيجريها المشيشي”.
وأضاف أن المشيشي “سيتصل بالأحزاب وسيحاول إقناعها ببرنامجه.. صحيح أن سعيد رشحه، لكنه سيذهب إلى البرلمان لنيل الثقة، وهو ليس وزيراً أول، وستظهر شخصيته السياسية مستقبلاً”، واستطرد: “رجل السياسة تتاح له فرصة لفرض شخصيته”، في إشارة إلى فرصة متوفرة أمام المشيشي للبروز كرجل سياسة له طموحات تتجاوز تكليف سعيد له.
وتوقع سالم أن المشيشي “سيحافظ على بعض الوزراء الناجحين في الحكومة السابقة”، وأن تكون الحكومة “مزيجاً من السياسة والكفاءات الوطنية، وسيبحث عن حزام أوسع، فهو يريد نيل ثقة البرلمان، وأغلبية الأحزاب ردودها جيدة”.
ورأى سالم أن هوية الحكومة “ستتبين من خلال المشاورات، هل هي مستقلة أم متحزبة سياسية أو مزيج بين الاثنتين، وسيظهر هذا في الأسبوع الأول من المشاورات”.
فيما قال الحاجي إن حكومة المشيشي مطالبة بالإنجاز، ولا يعنيه كثيراً الانخراط في صراعات سعيد مع البرلمان ومع الأحزاب.
وحتى الأربعاء 29 يوليو/تموز، لم يلتقِ المشيشي أي ممثل عن الأحزاب، ضمن مشاوراته، التي انطلقت رسمياً الإثنين 27 يوليو/تموز .
وأفادت وسائل إعلام محلية بأنه التقى كلاً من أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، سمير ماجول، ورئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، عبدالمجيد الزار، والتقى الثلاثاء كلاً من رئيس الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، راضية الجريبي، ومحافظ البنك المركزي، مروان العباسي.