فصام اقتصادي في أمريكا.. الأسهم في السماء والانكماش تاريخي
يشهد الاقتصاد الأمريكي حالة فصام شديدة الوضوح في أعقاب موجة تفشي فيروس كورونا المستجد، إذ قفزت مؤشرات الأسهم إلى مستويات تاريخية بينما يعاني الاقتصاد حالة انكماش غير مسبوقة.
وانكمش اقتصاد الولايات المتحدة، الأكبر في العالم، بنسبة 9,5% في الربع الثاني من العام، بينما قفزت معدلات البطالة أيضا إلى حدود المليون عاطل.
والتراجع في الاقتصاد الحقيقي لا يعكسه ذلك الربح التاريخي لأسواق المال، حيث ارتفع مؤشر ستاندر آند بورز 500 إلى مستويات تاريخية جديدة، بينما حقق ناسداك المدرجة فيه العديد من شركات التكنولوجيا ارتفاعا تاريخيا تلو آخر في الأسابيع الأخيرة.
وقد يشكّل ارتفاع أسهم وول ستريت خبرا سارا بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد عبر عن ذلك نائب الرئيس مايك بنس عندما غرد في الثلاثاء الماضي “هذه هي العودة الأمريكية العظيمة!”
لكن يستبعد أن يشكل الأمر عزاء كبيرا بالنسبة لملايين الأشخاص الذين خسروا وظائفهم ومصادر رزقهم بسبب كورونا.
تحذير: الرهان يجب أن يكون على الأمد الطويل
بالنسبة لكثيرين، قد يبدو المزاج الاحتفالي في أسواق الأسهم “غير لائق”، بحسب خبير الاقتصاد لدى “ساكسو بنك” كريستوفر ديمبك.
لكن ذلك كان “سوء تفاهم”، بحسب ديمبك، إذ يتعيّن على المستثمرين الرهان على التوقعات الاقتصادية على الأمد الطويل.
وفي وقت تضخ الحكومات والمصارف المركزية كميات ضخمة من الأموال في أنظمتها المالية لتجنّب الركود، وتحسن بعض الشركات المدرجة في “إس أند بي 500” توقعاتها لإيراداتها للعام 2020 وحتى 2021، قد تكون التوقعات أفضل مما تشير إليه البيانات الاقتصادية الحالية.
وقال رئيس الأسواق لدى منصة “إنتراكتيف انفيستر” (المستثمر المتفاعل) ريتشارد هانتر إن “أسواق الأسهم ليست الاقتصاد”.
تكنولوجيا متقدمة
وبدأ عدد من الشركات بالفعل نشر بيانات إيرادات أفضل من المتوقع مع انتعاش النشاط مجددا إثر بدء العديد من الدول بتخفيف تدابير الإغلاق الصارمة التي فرضت في الربع الثاني من العام.
وفي وقت يتحوّل العمل من المنزل والبث عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إلى جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية، تبدو شركات التكنولوجيا في وضع جيد بينما تحاول قطاعات الاقتصاد الأخرى حصر خسائرها الناجمة عن الكارثة الاقتصادية التي أسفر عنها الوباء.
وعلى سبيل المثال، حققت شركة “أبل” أرباحا بلغت قيمتها 11 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى حتى يونيو/ حزيران. وتضاعف سعر سهمها منذ مارس/ آذار، ما رفع قيمتها السوقية إلى أكثر من تريليوني دولار، أعلى رقم يشهده وول ستريت في تاريخه.
وفي 2016، شكّلت أسهم قطاع التكنولوجيا 20% من مؤشر ستاندر آند بورز. لكن حصّتها ارتفعت إلى الثلث، بحسب نيكولاس كولاس، المؤسس المشارك لشركة “داتا تريك ريسرتش” الأمريكية.
وقال هانتر: “السؤال الأهم هو إن كانت أسهم التكنولوجيا ستحقق مكاسب أكبر”.
ويبدو أن كبير المحللين لدى “بريفينغ.كوم” باتريك أوهار يعتقد أن ذلك ممكن.
وقال “لا تزال سوق الأسهم على اقتناع بأن (الاحتياطي الفدرالي الأمريكي) لن يسمح إطلاقا بحدوث سيناريو تداول في أسوأ الحالات في سوق الأسهم”.
وعبر خفض معدلات الفائدة إلى الصفر وإطلاق برامج ضخمة لشراء السندات، عملت مصارف مركزية على غرار الاحتياطي الفدرالي الأمريكي على حماية أنظمتها المالية.
أصول تحمل مجازفة
وفي مارس/ آذار، أقر الكونجرس الأمريكي حزمة إنقاذ ضخمة بقيمة 2,2 تريليون دولار، أضيف إليها حوالى 500 مليار دولار في أبريل/ نيسان، بينما تجري مناقشة حزمة أخرى.
ويشجع ذلك المستثمرين على الرهان على أصول تحمل مجازفة في إطار سعيهم للحصول على عائدات لتصبح بذلك الأسهم المرشح الأبرز في المعادلة.
وإضافة إلى وول ستريت، يوصف أداء أسواق المال في أجزاء أخرى من العالم بالجيد. وارتفع مؤشرا نيكي الياباني و”داكس” الألماني بشكل كبير، وإن كان المزاج العام سوداويا.
وقال دمبيك من “ساكسو بنك” “يتم توجيه كل الأموال النقدية الفائضة بشكل منهجي إلى السوق الأمريكية، بدلا من آسيا أو أوروبا”.
وخفّت بعض الحماسة بحلول نهاية الأسبوع بعدما بدا أداء وول ستريت الجمعة فاترا.
وتعد نهاية أغسطس/ آب فترة تشهد تباطؤا في حركة التداول عادة، ما من شأنه التسبب بتذبذبات كبيرة في الأسعار مع ورود أي خبر جديد.
لكن في وقت أظهرت دراسة أجراها الاحتياطي الفدرالي أن أكثر من نصف الأمريكيين فقط يملكون أسهما، تبقى معرفة إن كانت الأجواء الاحتفالية في وول ستريت ستستمر حتى نوفمبر/ تشرين الثاني، وتدفع بنتيجة الانتخابات الرئاسية لصالح ترامب.