العالم مرشح للانقسام مع تصاعد التوتر الصيني الأمريكي، فأي الدول ستنضم لبكين وأيها لواشنطن؟
تنذر زيادة التوترات العسكرية والدبلوماسية بأن بكين تحاول تغيير الهيمنة الحالية للولايات المتحدة وخلق نظام عالمي جديد يضم كتلتين متنافستين، فأي الدول ستنضم لبكين وأيها لواشنطن؟
من الواضح بشكل متزايد للكثيرين أن جهود الولايات المتحدة لاستخدام النظام الليبرالي العالمي المتميز بالتعددية والتبعية الاقتصادية المتبادلة لاحتواء صعود الصين الآن يتم استبداله بالاحتكاكات العسكرية والخلافات الدبلوماسية، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
في ضوء هذه التطورات، قد يتساءل المرء: هل نشهد حرباً باردة صينية أمريكية؟ كيف ستغير النظام العالمي، ومن سيكون مع أمريكا ومن سيكون مع الصين؟
قد لا تكون الإجابات على هذه الأسئلة واضحة، ولكن هناك علامات على أن الولايات المتحدة تتراجع الآن عن النظام العالمي الليبرالي. بدءاً من انسحابها من الشراكة عبر المحيط الهادئ في اليوم الثاني بعد تنصيب دونالد ترامب، وكذلك سحب القوات العسكرية الأمريكية من ألمانيا، ووقف دعم نفقات الناتو، والقرار الأخير بإلغاء العضوية من منظمة الصحة العالمية.
هذه القرارات تُظهر أن الولايات المتحدة تقلل من التزاماتها تجاه الدبلوماسية متعددة الأطراف، عبر تطبيق عقيدة ترامب “أمريكا أولاً”.
لقد أدت تكتيكات ترامب الدبلوماسية الميالة للمواجهة وازدراء التعددية والتعاون إلى احتمال خلق كتلتين عالميتين جديدتين. فما نشهده الآن هو بداية انتقال من عالم أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة إلى عالم ثنائي القطب مع قوتين عظميين: الولايات المتحدة والصين.
وصف نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الصراع بين الولايات المتحدة والصين على أنه معركة بين قيم الديمقراطية والحرية واقتصاد السوق الرأسمالي، والقيم المعارضة التي يتبناها الطرف الصيني.
وجهة النظر هذه مبالغ فيها، حسب تقرير المجلة الأمريكية.
فالعوامل التي ستحدد قرار الدول بالانضمام للكتلة الأمريكية أو الصينية سيكون العلاقات التاريخية المشتركة ومعارضة القيادة الأمريكية ومدى الاعتماد على رأسمالية الدولة الصينية.
هذه المؤشرات هي أفضل لتمييز البلدان في النظام الدولي ثنائي القطب الجديد.
أي الدول ستنضم لبكين وأيها لواشنطن؟
ستنضم المملكة المتحدة ودول الكومنولث البريطاني ( خاصة كندا وأستراليا ونيوزيلندا) ودول شرق آسيا الأخرى التي كانت تعتمد على الدعم العسكري الأمريكي في مواجهة الصين، بسهولة إلى الكتلة الأمريكية.
ومع ذلك، نظراً للعلاقات الاقتصادية مع الصين، ستكون بعض الدول أكثر تردداً في القيام بذلك (مثل اليابان وكوريا الجنوبية). هذه البلدان ممزقة لأن الولايات المتحدة توفر لها الأمن، لكن الصين تساعدها في كثير من الأحيان في جلب الطعام إلى المائدة. إنه في الأساس اختيار بين البندقية والزبدة.
دولة مثل إيران ليس أمامها اختيار، ستنضم حتماً للصين في ضوء صراعها المستمر مع أمريكا، روسيا كذلك تحاول اللعب على الجانبين ولكنها أقربها للصين.
قرار صادم لأوروبا
ويتبنى التقرير وجهة نظر غريبة بالنسبة لأوروبا، إذ يرى أن الاتحاد الأوروبي يقف إلى جانب الصين الآن.
يقول “ليس هناك شك في أن الصين تكتسب القوة من خلال استثمارات ضخمة في الاتحاد الأوروبي بخطط مثل مبادرة الحزام والطريق”.
يتفاجأ معظم المراقبين من أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي لا تزال توثق علاقتها مع الصين – وهي دولة تنتهك باستمرار حقوق الإنسان وتحتقر الحرية والديمقراطية. ومع ذلك، فإن ما يدفع هذه الدول للانضمام إلى الكتلة الصينية، على الأقل في الوقت الحالي، ليس أي هويات مشتركة ولا قيم مشتركة ومؤسسات سياسية، ولكن أكثر ذلك نابع من العداء المشترك تجاه حكم الولايات المتحدة المهيمن وسلوكها في عهد ترامب.
فالصين هي أفضل رهان لدول الاتحاد الأوروبي لتخليص نفسها من الولايات المتحدة واستعادة مجدها وقوتها الماضية. ربما كان هذا السبب قد دفع دول الاتحاد الأوروبي على طريق متابعة تكامل اقتصادي أوثق مع الصين.
ويتوقع التقرير أن التوترات المتزايدة في العلاقات الصينية الأمريكية والاحتمال المتزايد لحدوث تصعيد أو تصادم عسكري، تقصر الوقت الذي يمكن أن تفكر فيه هذه الدول في اختيار أي معسكر إلى جانبه.
عندما تقرر الصين والولايات المتحدة الكشف عن نواياهما الحقيقية، سيتم حث معظم الدول على الكشف عن تفضيلاتها.
قد يؤدي الفشل في اختيار جانب قبل صراع وشيك إلى التعرض لعقوبة من أي من الدولتين المهيمنتين (الصين وأمريكا)، ما لم يكن لدى الدول المحايدة القدرة على الاستمرار في الحفاظ على “حيادها” في نزاع صيني أمريكي.
على سبيل المثال، قد تتسبب اليابان وكوريا الجنوبية في غضب واشنطن إذا استمرتا في مطالبة الولايات المتحدة بالأمن ولكنهما لم تظهرا ولاءهما علناً أو تعاونتا مع الصين علانية.
قد تعاقب واشنطن كل دولة من خلال تقليص التزاماتها الأمنية تجاهها. يمكن أن يحدث نفس الشيء في علاقاتهم مع الصين أيضاً. قد تجنح بكين لمعاقبة أي من البلدين اقتصادياً إذا استمرتا في مطالبة الصين بالتعاون الاقتصادي لكنهم استمروا في دعم العمليات العسكرية الأمريكية علناً في آسيا.
وبالتالي، فإن تصاعد، التوترات يقلل بشكل كبير من مساحة التحوط في السياسة الدولية، وقد تضطر الدول بشكل متزايد إلى اتخاذ قرار بشأن الانضمام إلى أي من الكتلتين وسيصبح العالم ثنائي القطب بشكل متزايد، تماماً مثل الحرب الباردة الأولى.