“اقتلوا كل ما ترونه حتى الأطفال”.. لأول مرة جنديان من ميانمار يكشفان “فظائع” بحق مسلمي الروهينغا
رصدت صحيفة The New York Times الأمريكية، في تقرير نشرته الثلاثاء 8 سبتمبر/أيلول 2020، شهادات هي الأولى من نوعها يروي فيها جنديان من جيش ميانمار، وقائع ما شهداه بأعينهما خلال مذابح الروهينغا التي وقعت في ميانمار خلال الفترة من أغسطس/آب إلى أواخر سبتمبر/أيلول 2017.
تعتبر هذه الشهادة هي الأولى من نوعها التي يعترف فيها أفراد من جيش ميانمار صراحةً، بالمشاركة فيما وصفه مسؤولو الأمم المتحدة بأنه حملة إبادة جماعية ضد أقلية الروهينغا المسلمة في البلاد.
فرار الجنود: كان الرجلان اللذان فرّا من ميانمار في أغسطس/آب، قد نُقلا يوم الإثنين 7 سبتمبر/ أيلول 2020، إلى لاهاي، حيث فتحت المحكمة الجنائية الدولية قضيةً للنظر فيما إذا كان قادة جيش ميانمار، المعروف باسم “تاتماداو”، قد ارتكبوا جرائم واسعة النطاق، تصل إلى حد الإبادة الجماعية، بحق مسلمي الروهينغا.
تأتي هذه الفظائع التي رواها الرجلان لتعزِّز بأدلةٍ الشهاداتِ السابقة على انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، والتي كانت قد جمعت من روايات أكثر من مليون لاجئ من الروهينغا يقيمون الآن في بنغلاديش المجاورة. غير أن ما يميز الشهادات الأخيرة هي أنها تأتي من جناة وليس من الضحايا.
وتعليقاً على ذلك، قال ماثيو سميث، الرئيس التنفيذي لمنظمة Fortify Rights، وهي منظمة معنية بمراقبة حقوق الإنسان ورصد انتهاكاتها: “هذه لحظة تاريخية للروهينغا وشعب ميانمار في كفاحهم المستمر من أجل العدالة. هذان الرجلان يمكن أن يكونا أول جناة من ميانمار يحاكمان في محكمة العدل الدولية، وأول شهود من الداخل في عهدة المحكمة”.
جرائم في ميانمار: وفي حين أن صحيفة The New York Times تشير إلى أنها لا تستطيع التأكيد من مصادر مستقلة على ارتكاب الجنديين بنفسيهما للجرائم التي اعترفا بارتكابها، فإن التفاصيل الواردة في روايتهما تتوافق مع الوقائع والأوصاف والشهادات التي قدمها عشرات الشهود والمراقبين، ومنهم لاجئون من الروهينغا وسكان من ولاية آراكان/راخين وجنود في جيش التاتماداو وسياسيّون محليون.
كما أكد عددٌ كبير من القرويين على نحو مستقل، مكان وجود المقابر الجماعية التي قدمها الجنديان في شهادتهما
، وهي الأدلة التي من المقرر أن يضع المحققون أيديهم عليها وأن تستعين بها المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من الجهات والإجراءات القانونية الأخرى. هذا في حين أن حكومة ميانمار كان قد سبق أن نفت مراراً وتكراراً وجود مواقع كهذه في أي من أنحاء المنطقة.
مقابر جماعية: على الجانب الآخر، يأتي اعتراف الجنديين بالجرائم التي ارتكباها على نحو رتيب، والتي وصلت الى حدّ الإعدام لمدنيين والدفن الجماعي ومحو القرى والاغتصاب.
حيث يقول الجندي ميو وين تون في شهادته المسجلة بالفيديو، إن الأمر الصادر في أغسطس/آب 2017 من القائد كان واضحاً: “أطلِق النار على أي شيء ترى له حركة أو تسمع منه صوتاً”.
ويؤكد الجندي أنه أطاع الأوامر، وشارك في ذبح 30 من مسلمي الروهينغا ودفنهم في مقبرة جماعية بالقرب من أحد أبراج الاتصالات وقاعدة عسكرية.
في الوقت ذاته تقريباً، وفي بلدة مجاورة، يقول الجندي زتو نينغ تون، إنه ورفاقه في كتيبة أخرى، اتبعوا توجيهات متطابقة تقريباً من قائدهم: “اقتلوا كل من ترونه، سواء أكانوا أطفالاً أم بالغين”.
يضيف الجندي زاو نينغ تون: “محونا نحو 20 قرية”، مضيفاً أنه هو أيضاً ألقى جثثاً في مقبرة جماعية.
تدمير عشرات القرى: ومن الجدير بالذكر أن الجرائم التي يقول الجنديان إنها ارتُكبت على يد كتائب مشاة وقوات أمن أخرى، وشملت قتل نحو 150 مدنياً وتدمير عشرات القرى، ما هي إلا جزء من حملة ميانمار طويلة الأمد ضد الروهينغا. وتصور شهادات الجنديين عملية منظمة ومحسوبة لإبادة مجموعات تنتمي إلى أقلية عرقية واحدة، وهي المسألة التي تقع في صُلب قضايا الإبادة الجماعية المرفوعة بحق ميانمار والمستمرة حالياً.
هذا وقد تسببت مذابح الروهينغا التي بلغت ذروتها في عام 2017، في إحدى أسرع عمليات النزوح للاجئين من أي مكان في العالم. ففي غضون أسابيع، اقتُلع ثلاثة أرباع مليون شخص من غير الحاصلين على جنسية من منازلهم في ولاية راخين الغربية في ميانمار، بعد أن هاجمت قوات الأمن قراهم بالبنادق والمناجل وقاذفات اللهب.
كان شهود وناجون قد تحدثوا عن أن رجالاً مسنين قد قُطعت رؤوسهم، وفتيات صغيرات اغتُصبن. وأشارت تقديرات منظمة “أطباء بلا حدود” إلى أن ما لا يقل عن 6700 من الروهينغا، منهم نحو 730 طفلاً، تعرضوا للقتل بطريقة عنيفة في الفترة من أواخر أغسطس/آب إلى أواخر سبتمبر/أيلول 2017. وقالت الأمم المتحدة إن ما يقرب من 200 مستوطنة للروهينغا دُمرت بالكامل من 2017 إلى 2019.
تقرير بعثة الأمم المتحدة: وفي تقرير نشرته الأمم المتحدة في 2019، قالت بعثة لتقصي الحقائق تابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: “ثمة ما يشير إلى خطر جسيم يتعلق بوقوع أعمال إبادة جماعية واحتمال تكرارها، وقد عجزت ميانمار عن إبداء التزامها بمنع الإبادة الجماعية، والتحقيق في وقوع عمليات إبادة جماعية، أو سن تشريع فعال يجرّم أفعال الإبادة الجماعية ويعاقب عليها”.
ومع ذلك، فقد نفت حكومة ميانمار أي حملة منهجية ضد الروهينغا. وفي ديسمبر/كانون الأول 2019 وقفت زعيمة ميانمار المدنية، أون سان سو تشي، نافيةً تهم الإبادة الجماعية ضد جيش بلادها في قضية أخرى، إذ كانت تلك القضية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. ولم يُعاقب سوى عدد قليل من جنود التاتماداو، بأحكام سجنٍ لمدد وجيزة، بتهمٍ تتضمن ما يقول الجيش إنها كانت أخطاء فردية في قريتين.
فضلاً عن ذلك، وعلى الرغم من أن الروهينغا ينتمون إلى ولاية راخين في ميانمار، فإن حكومة البلاد تدَّعي أنهم متسللون أجانب. كما لمّح مسؤولون آخرون في ميانمار إلى أن الروهينغا تعمدوا إحراق قراهم بأنفسهم لكسب التعاطف الدولي.
غير أن الرواية التي يرويها الجنديان جاءت لتحطم الرواية الرسمية.
إلى ذلك فلم يتضح بعدُ ما الذي سيحدث للرجلين اللذين لم توقفهما السلطات لكنها احتُجزا لدى المحكمة الجنائية الدولية يوم الإثنين 7 سبتمبر/أيلول 2020. كما يمكن للجنديين الإدلاء بشهادتهما أمام المحكمة والتقدم لطلب للخضوع لحماية الشهود. وقد يخضعان للمحاكمة.
فيما رفض مكتب المدعي العام بالمحكمة التعليق علناً على قضية جارية، لكن شخصين على دراية بالتحقيقات قالا إن مسؤولين من المحكمة استجوبا الجنديين بالفعل على نحو مكثف خلال الأسابيع الأخيرة.