ماذا وراء إعلان المخابرات الفرنسية عن لقاء السراج وحفتر الذي نفته حكومة الوفاق؟
الإعلان الفرنسي عن عقد قمة ليبية في باريس تجمع فايز السراج وعقيلة صالح وخليفة حفتر لم يصدر عن قصر الإليزية أو وزارة الخارجية، بل تم تسريبه من خلال موقع مرتبط بالمخابرات الفرنسية، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن الهدف الحقيقي من وراء الإعلان، خصوصاً وأن عنوان التقرير ربط القمة بتركيز الدبلوماسية الفرنسية على تركيا؟
علامات استفهام تحتاج للتفسير
يشهد الملف الليبي الآن تحركات دولية مكثفة لتثبيت وقف إطلاق النار الساري منذ ما يقرب من شهر، وفي هذا السياق أجريت حوارات بين الطرفين المتصارعين في مدينة بوزنيقة المغربية اختتمت قبل أيام في أجواء إيجابية، ومع عودة الوفدين إلى طرابلس مقر حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج وطبرق مقر البرلمان الذي يرأسه عقيلة صالح، من المنطقي أن تكون الخطوة التالية لقاء أعلى من حيث التمثيل، أي أن يلتقي السراج وعقيلة صالح، بغض النظر عن مكان اللقاء.
ومن المهم هنا ذكر أن الوساطة المغربية في الصراع الليبي تسير تحت مظلة المساعي الأممية ومخرجات مؤتمر برلين وليس في مسار مواز لها، بحسب تصريحات الطرفين والداعمين الإقليميين والدوليين لتلك التحركات السياسية، وهو ما يضفي شكوكاً حول الإعلان الفرنسي عن عقد قمة تجمع السراج وعقيلة صالح وخليفة حفتر في باريس.
موقع انتيليجانس أونلاين المرتبط بالمخابرات الفرنسية كان أول من نشر الإعلان عن “القمة الليبية المرتقبة” في تقرير طويل جاء عنوانه كاشفاً عن الغرض منه، بحسب محللين: “عقد قمة ليبية في باريس وسط تركيز الدبلوماسية الفرنسية على تركيا“.
الموقع الفرنسي قال إن “باريس ستستضيف الخميس المقبل قمة ليبية تجمع كلاً من حفتر ورئيس برلمان طبرق (شرق) عقيلة صالح، إضافة إلى السراج”، ونقل عن مصادره أن “الاجتماع الثلاثي، سيعقد بغطاء من الأمم المتحدة، كما سيكون تتمة لاجتماعات بوزنيقة المغربية، التي عقدت الأسبوع الماضي”، مشيراً إلى أن باريس تأمل مشاركة ألمانيا وإيطاليا في الاجتماع.
وبحسب محللين، فإن طريقة الإعلان عن قمة ليبية بهذه الأهمية وفي هذا التوقيت الحساس على الأرجح تكمن خلفه أهداف أخرى يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتحقيقها، وليست مرتبطة بالصراع الليبي من الأساس.
نفي متوقع من حكومة الوفاق
بعد نشر الموقع الفرنسي لأنباء القمة المرتقبة، كان لافتاً قيام فضائيات ووسائل إعلام عربية بإعادة نشر القصة بصورة مكثفة واستضافة محللين معروفين بمساندتهم لخليفة حفتر يتحدثون عن قبول حفتر والسراج للدعوة الفرنسية، ويزعمون أن السراج سيتراجع تحت ضغط تركيا ولن يشارك في القمة، وهو ما يكشف المزيد حول النوايا الحقيقية من وراء الإعلان عن تلك القمة.
فبمجرد نشر الموقع الفرنسي للتقرير، نفت الحكومة الليبية لما يتم الترويج له، ونقلت قناة ليبيا الأحرار الفضائية (خاصة) مساء أمس الإثنين عن الناطق باسم السراج، غالب الزقلعي، نفيه “لما تداوله موقع إنتليجنس أونلاين (الاستخباراتي) الفرنسي، عن لقاء سيجمع السراج مع حفتر، في باريس، الخميس المقبل”، وقال الزقلعي: “الرئيس (السراج) لن يلتقي حفتر، لا في المستقبل القريب ولا البعيد، مهما كانت حجم الوساطات الدولية”.
وهذا الموقف من جانب السراج، أي رفض لقاء حفتر، ليس جديداً فقد تم إعلانه أكثر من مرة بعد تكرار عدم التزام زعيم ميليشيات شرق ليبيا بالاتفاقات التي يتم التوصل إليها بداية من اتفاق الصخيرات الذي انقلب عليه وشن عدوانه على طرابلس أواخر مارس/آذار من العام الماضي، ثم انسحابه من التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار برعاية روسيا بعد أن توجه لموسكو خصيصاً للتوقيع، ثم عدم التزامه بمخرجات مؤتمر برلين.
وبعد هزيمته عسكرياً أمام قوات حكومة الوفاق وتقهقره نحو الشرق في يونيو/حزيران الماضي، أصبح حفتر عقبة رئيسية في سبيل التوصل لحل سياسي للصراع الليبي وتخلى عنه داعميه ومنهم فرنسا، التي أعلنت على لسان ماكرون أنها لا تدعم حفتر، وجاء إعلان وقف إطلاق النار الساري حالياً منذ نحو شهر من جانب السراج وعقيلة صالح ثم رفض حفتر له وتكرار خرق الهدنة دليلاً آخر على إدراك الجميع أن الرجل لا يريد حلاً لا يضمن له الانفراد بحكم ليبيا.
ماذا يريد ماكرون إذن من هكذا إعلان؟
يرى محللون أن الإعلان الفرنسي وبتلك الطريقة عن عقد قمة ليبية في باريس لن يؤثر كثيراً في المسار الدبلوماسي الجاري حالياً على الأرجح وإنما الهدف منه هو محاولة وضع ضغوط على تركيا بإظهار أنقرة كما لو أنها من دفعت السراج لرفض حضور القمة في باريس، بغض النظر عن نجاح تلك المحاولة من عدمه.
فموقف تركيا من الصراع الليبي معروف ومعلن وهي تدعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، في مقابل دعم فرنسي لحفتر المنقلب على الاتفاقات التي رعتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وأنقرة أعلنت بالفعل سابقاً على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان أن حفتر شخص لا يوثق به وبالتالي لا جدوى من الاجتماع معه، وهو نفس موقف حكومة السراج.
ويربط البعض بين الإعلان الفرنسي عن قمة ليبية في هذا التوقيت تحديداً وبين فشل ماكرون في فرض إرادته في لبنان وانتهاء مهلته التي أعطاها للسياسيين في بيروت للإعلان عن تشكيل حكومة مصطفى أديب – الذي يقول بعض اللبنانيون أنه اختيار شخصي للرئيس الفرنسي – والمهلة انتهت اليوم بالفعل دون إعلان تشكيل الحكومة أو حتى الاقتراب من ذلك، وبالتالي فإن تقرير الموقع المرتبط بالاستخبارات الفرنسية ربما لا يعدو كونه سحابة دخان هدفها تحويل الأنظار عن فشل ماكرون في لبنان.
المؤكد هنا هو أن الجهود للتوصل إلى حل سياسي دائم للصراع الدموي في ليبيا تشهد بالفعل تحركات مكثفة هذه الأيام، والخميس الماضي انتهت جلسات الحوار بالمغرب إلى اتفاق شامل بشأن المعايير والآليات المتعلقة بتولي المناصب السيادية في المؤسسات الرقابية، والمعلن هو أن هناك مهلة شهر بغرض التوصل إلى الخطوة التالية، وبالتالي فإن الإعلان بهذه السرعة وبتلك الطريقة عن قمة تجمع الثلاثي السراج وصالح وحفتر في باريس أمر يصعب استساغته من الأساس ولا توجد مؤشرات عليه.
والنقطة الأخرى هنا هي أن حفتر، منذ هزائمه المتكررة، أصبح بعيداً عن مشهد التحركات السياسية المكثفة التي يتصدرها عن شرق ليبيا عقيلة صالح، ولا أدل عن ذلك من رفض حفتر الهدنة التي اتفق عليها السراج وصالح في أغسطس/آب الماضي، ومواصلته إغلاق المنشآت النفطية وهو ما جعله منبوذاً من الجميع كما هو واضح من الاجتماعات المكثفة التي تجري حالياً.
وفي هذه النقطة، من الغريب ألا يصدر أي تعليق من جانب برلين أو روما بشأن هكذا قمة أو المشاركة فيها من عدمه، فضلاً عن أن الرئاسة الفرنسية وكذلك الخارجية لم تصدر بيانات رسمية بشأن القمة التي من المفترض أن تنعقد خلال أقل من 48 ساعة بحسب تقرير الموقع الفرنسي، وهو ما يشير إلى أن القصة كلها محل شك من الأساس.