عُولج بـ3 عقاقير على الأقل لم يحصل الأمريكيون عليها.. كيف تُعرِّض الرعاية الصحية الفائقة ترامب للخطر؟

إليكم أمراً مُسلّماً به بشأن ترامب: الرئيس الأمريكي سيحصل على أفضل رعايةٍ ممكنة لإصابته بكوفيد-19. هذا صحيحٌ بالمعنى الحرفي، إذ سيكون لديه فريقٌ طبي نشط يعمل على مدار الساعة. وهذا ضروري لأي رئيس مريض.

لكن في الطب، هناك العديد من الحكايات التحذيرية بشأن “متلازمة الأشخاص فائقي الأهمية”، حيث الرعاية الخاصة المُقدَّمة من قِبَلِ الأطباء للأشخاص الأثرياء والمشهورين والنافذين أو المرتبطين بالسياسة، وكيف أن ذلك لا يؤدِّي إلى أفضل النتائج الطبية، تقول صحيفة The Guardian البريطانية.

يقول الدكتور أندريس مارتن، أستاذ الطب النفسي في مركز دراسة الأطفال بكلية الطب بجامعة ييل الأمريكية: “في حالة الرئيس دونالد ترامب يمكنك أن ترى عملية الإنقال المضاد (أي التداخل بين مشاعر المريض والمعالج). إذا أخفقت، أو إذا أغضبته، هل سيعاملني مثلما يعامل بايدن؟”.

حقل ألغام

سيخطو أعضاء فريق ترامب الطبي فوق حقل ألغامٍ حقيقي أثناء محاولتهم تشكيل تحالفٍ مع القائد العام، وهو مريضٌ معروف بأنه مُتطلِّبٌ لحوح، ومولع بالشهرة، ويرى المرض باعتباره ضعفاً شخصياً، وينظر إلى النظام الغذائي وممارسة الرياضة نظرةً مريبة.

قال الدكتور شوا كلارك، طبيب القلب الوقائي بجامعة ستانفورد الذي كَتَبَ عن المرضى المهمين، مُطلِقاً عليهم مرضى “البطانية الحمراء” في بعض المستشفيات: “جميع الأطباء بشرٌ أيضاً. نحن نتأثر بالتحيُّزات الخاصة بنا، سواء كانت واعية أو غير واعية، ويمكن أن نتأثر بالأشخاص الذين نراهم عندما نحاول الاعتناء بهم”. وأضاف كلارك: “ينطبق هذا بالتأكيد على التعامل مع مرضى من السياسيين”.

أعلن ترامب أنه مصابٌ بكوفيد-19 في وقتٍ مبكِّرٍ من صباح الجمعة 2 أكتوبر/تشرين الأول. نُقِلَ إلى مركز والتر ريد الطبي العسكري الوطني في اليوم نفسه، وهي خطوةٌ قال عنها طبيب البيت الأبيض شون كونلي في وقتٍ لاحق إنها بسبب “الحذر الشديد”.

وما تسبَّبَ في ارتباكٍ أن حالة الرئيس وُصِفَت لاحقاً بعباراتٍ أكثر جدية، حتى حين سجَّل مقاطع فيديو وانطلق في موكبٍ، تعرَّضَ لانتقاداتٍ شديدة، لتحية أنصاره. غادَرَ الرئيس المستشفى الآن لتلقي العلاج في الوحدة الطبية بالبيت الأبيض، على غرار “الرعاية الطبية المُصغَّرة”.

وفي مقطع فيديو التُقِطَ بعد لحظاتٍ من عودته، خاطَبَ ترامب الشعب الأمريكي وكأنه تغلَّب على المرض بالفعل. قال: “لا تدعوه يسيطر عليكم”، ولم يكن يرتدي قناعاً واقعياً، رغم أن من شبه المؤكد أنه لا يزال ناقلاً للمرض. وأضاف: “لا تخافوا منه، سوف تهزمونه، لدينا أفضل المعدات الطبية، ولدينا أفضل دواء”.

ترامب عُولج بثلاثة عقاقير على الأقل

من المؤكد أن ترامب حظى بأكثر الأدوية تقدُّماً. عولِجَ بثلاثة عقاقير على الأقل، أجسام مضادة تجريبية أحادية النسيلة من شركة Regeneron، وعقار Remdesivir المضاد للفيروسات، ودواء ديكساميثازون. وعادةً ما تُخصَّص هذه العقاقير الثلاثة للمرض الذين يعانون حالاتٍ شديدة من الإصابة بكوفيد-19، أو الحالات المُهدِّدة للحياة.

لن يتمكَّن الأمريكيون العاديون من الحصول على ذلك العلاج بمزيج الأجسام المضادة من شركة Regeneron، وبالتأكيد ليس بالجرعة التي أخذها ترامب، والتي كانت أكبر بثلاث مراتٍ مِمَّا جرت دراسته. وأقرَّ جورج يانكوبولوس، كبير المسؤولين العلميين بشركة Regeneron، بهذه المعالجة الخاصة لترامب.

ووفقاً لمجلة Science الأمريكية، قال يانكوبولوس: “إذا اضطررت إلى علاج مريضٍ واحدٍ، فسوف أعطي جرعةً عالية. لكن من وجهة نظرٍ مجتمعية، ونظراً للحاجة إلى علاج أكبر عددٍ ممكنٍ من الناس، فسوف أعطي جرعةً أقل”.

وشهد عقار Remdesivir نقصاً في القدر المعروض منذ شهور، وأصبح متاحاً للمستشفيات فقط للشراء من المُوزِّع، وليس من الحكومة الأمريكية، في اليوم نفسه الذي يُعتَقَد أن ترامب تلقَّى فيه أول اختبارٍ إيجابي لإصابته بكوفيد-19. أما عقار ديكساميثازون، فعادةً ما يُحجَز فقط للمرضى المصابين بأعراضٍ خطيرة.

عدم مساواة

تؤكِّد كلُّ هذه الرعاية الخاصة عدم المساواة في النظام الطبي الأمريكي، إذ يتعيَّن على الأشخاص العاديين القفز من خلال الأطواق البيروقراطية وتحمُّل تكاليف باهظة للرعاية الصحية. لكن العلاج الخاص ليس بالضرورة صحياً للمريض الذي يُمنَح إياه.

قال مارتن: “إما أن تتلقَّى علاجاً فائقاً وإما دون المستوى، لكن نادراً ما تُعامَل كمريضٍ عادي”. وأضاف: “لماذا يغادر الآن؟ حسناً، إنهم لا يعالجونه جيداً. لماذا حصل على البلازما (الأجسام المضادة أحادية النسيلة) والمنشطات؟ لأنهم انتهوا من معالجته. إنها بالتأكيد ليست معالجة كتلك المعتادة”.

يمكن تتبُّع هذا التناقض -أن المعاملة الامتيازية قد تترك الشخص المتميِّز في حالٍ أسوأ أو قد تؤدِّي إلى أخطاءٍ طبية- بعيداً في تاريخنا، وفقاً للدكتور والتر وينتراوب، أستاذ الطب النفسي بجامعة ميريلاند، الذي صاغ مصطلح “متلازمة الأشخاص فائقي الأهمية” في عام 1964.

علاج الأشخاص النافذين قد يكون خطيراً

كَتَبَ في تلك الورقة البحثية الشهيرة: “يمكن للحالات المعروفة، مثل الملك جورج الثالث ملك إنجلترا، والملك لودفيغ الثاني ملك بافاريا، أن تثبت بوضوح أن علاج رجلٍ نافذ القوى قد يكون خطيراً للغاية لكلٍّ من المريض والطبيب”، مشيراً إلى حالتين شهيرتين من حالات عدم الاتزان النفسي لملكين أوروبيَّين.

أُشيرَ أيضاً إلى المصطلح بعد وفاة العديد من المشاهير، بمن في ذلك الجميع؛ من مايكل جاكسون إلى برنس، إلى الممثل الكوميدي الأسطوري جوان ريفرز. يمكن أن تؤدِّي متلازمة الأشخاص فائقي الأهمية إلى إصابة الأطباء بذهولٍ أو محاولتهم أن يكونوا دقيقين للغاية، أو أن يعتذر الكثير منهم عن مهمة العلاج، أو يأملون قدر المستطاع في إرضاء هذا الشخص البارز.

وفي ورقةٍ أكاديمية، قدَّم مارتن مثالاً واحداً على معالجة ابنة شخصٍ بارز تبلغ من العمر 14 عاماً. خلُصت جلسةٌ طبية مشتركة مع والديها إلى تشخيصها بالاكتئاب و”القيء النفسي”. لكن قبل جلستها الثالثة، ذهبت إلى غرفة الطوارئ. وبمجرد وصولها، اكتشف العاملون بالطوارئ بعد اختبارها أنها حبلى وتتعاطى الكوكايين.

دَعَمَ البحث هذه الحالات القصصية أيضاً. في المقابل، توصَّلَت دراسةٌ نُشِرَت عام 2012 في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية للطب الباطني إلى أن هناك ارتباطاً بين زيادة رضا المريض وكلٍّ من زيادة الإنفاق على الأدوية وزيادة معدل الوفيات.

وفي أوساط الطبقة السياسية الأمريكية، هناك أيضاً عن علاجاتٍ انحرفت إلى نتائج سلبية. فقدت السيدة الأولى السابقة إلينور روزفلت حياتها بسبب نوعٍ نادرٍ من مرض السل، الذي يجادل البعض بأنه كان من الممكن اكتشافه إذا أُجرِيَت خزعة نخاع عظم مؤلمة أكثر.

وَضَعَ الأطباء في مؤسَّسة كليفلاند كلينك، حيث يجذب التقدير الأكاديمي الكبير للمؤسَّسة الملوك والساسة البارزين من جميع أنحاء العالم، مبادئ للعناية بالشخصيات فائقة الأهمية. المبدأ الأول هو “لا تغيِّر في قواعد الممارسة السريرية”.

وكَتَبَ الأطباء: “بعبارةٍ أخرى، يمكن أن يؤدِّي تعليق الممارسة المعتادة عند رعاية مريضٍ من كبار الشخصيات إلى تعريض المريض للخطر”. وتابَعَ أطباء المؤسَّسة: “عادةً يشهر الشخص المهم بالارتياح إذا قال الطبيب صراحةً: سأعالجك كما أفعل مع أيِّ مريض”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى