تتحداها في جزر متنازع عليها وتتجنب إدانة اضطهادها للإيغور.. قصة العلاقة المركبة بين أكبر دولة إسلامية والصين
ستنقل البحرية الإندونيسية إحدى مجموعاتها القتالية الرئيسية من العاصمة جاكرتا إلى جزر ناتونا على حافة بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، في أقصى شمال البلاد، في تطور لافت للعلاقة بين العملاقين الآسيويين إندونيسيا والصين.
تتمثل مهمة الأسطول في اعتراض السفن الأجنبية، وخاصة القوارب الصينية، التي تتعدى بشكل متزايد على المياه المحيطة بجزر ناتونا التي تطالب كلٌّ من إندونيسيا والصين بالحصول على حقوق الصيد فيها.
وتعتبر تلك البادرات العسكرية الصريحة أمراً غير معتاد من أكبر دولة في جنوب شرق آسيا، والتي سعت منذ استقلالها ألا تعادي القوى العظمى علناً ولا أن تتحالف معها بشكل واضح، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
لكن بالنسبة للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، فإن أي توتر بين إندونيسيا والصين سيمثل فرصةً لتجديد العلاقات الأمريكية مع إندونيسيا، والتي تعود جذورها إلى الحرب الباردة، خصوصاً في وقت توسِّع فيه الصين نفوذها في المنطقة.
تعد العلاقات مع إندونيسيا إحدى أكبر الجوائز الدبلوماسية في آسيا. إذ تتمتع إندونيسيا برابع أكبر عدد من السكان في العالم، بالإضافة إلى كونها أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة، وتحظى بأرخبيل شاسع ذي ممرات بحرية استراتيجية تربط آسيا بالمحيطين الهادئ والهندي.
ومن هنا تأتي طبيعة العلاقة المركية بين إندونيسيا والصين وأمريكا.
كتب ليو سورياديناتا، وهو باحث زائر في معهد ISEAS-Yusof Ishak، في ورقة بحثية له يقول: “تعد إندونيسيا عقدة حاسمة في استراتيجية الولايات المتحدة بين الهند والمحيط الهادئ. من ثم، لواشنطن مصلحة في اجتذاب جاكرتا بعيداً عن بكين”.
ترامب لم يكُن مريحاً بالنسبة لجاكرتا
قال محللون إنه بينما حافظت الولايات المتحدة على العلاقات مع إندونيسيا خلال رئاسة دونالد ترامب، وجدت جاكرتا أن سياسة ترامب الانعزالية التي تتبنى شعار “أمريكا أولاً”، وموقفه العدواني تجاه بكين غير مريح. إذ كان الهدف السياسي لإندونيسيا منذ نهاية الحرب الباردة هو موازنة العلاقات بعناية مع الولايات المتحدة والصين.
وقال دينو باتي جلال، السفير الإندونيسي السابق لدى الولايات المتحدة، إنه في حين أن بايدن يعتبر الصين منافساً لأمريكا، من المحتمل أن تكون إدارته “أدق وأكثر تركيزاً” على جنوب شرق آسيا.
ويذكر أن جوكو ويدودو، رئيس إندونيسيا، كان من بين أوائل قادة العالم الذين هنأوا بايدن على فوزه.
على الجانب الآخر، لم يعين ترامب سفيراً لرابطة دول جنوب شرق آسيا بشكل رسمي، على الرغم من ترشيحه لاثنين، كما حضر واحدة فقط من قممها. وإندونيسيا هي أكبر دولة من دول الكتلة التجارية العشر التي تضم كذلك تايلاند وفيتنام وسنغافورة وماليزيا وبروناي وكمبوديا ولاوس والفلبين وميانمار.
وهو ما دفع دينو باتي جلال للتساؤل “أين يضعنا هذا في إطار نظرته إلى العالم؟”، مضيفاً أن ويدودو لم يزُر الولايات المتحدة طوال فترة رئاسة ترامب. وهو ما “يدل على شيءٍ عن العلاقات الأمريكية الإندونيسية تحت حكم ترامب”.
مذيع وليس دبلوماسياً.. محاولة من وزير خارجية أمريكا لاستغلال إندونيسيا
لم يلق النهج العنيف لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو استقبالاً جيداً على طول الخط في جاكرتا، لأنه يضيف مزيداً من التعقيد للعلاقة المركية بين إندونيسيا والصين.
وكان بومبيو قد ناشد جاكرتا في أكتوبر/تشرين الأول إلى انتقاد بكين بشكل أكثر صراحة بسبب مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ، المقاطعة الصينية التي سُجِنَ فيها حوالي مليون مسلم.
وقال آرون كونيلي، الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة فكرية مرموقة، إن إندونيسيا كانت تبحث عن “سياسة خارجية احترافية ومأمونة العواقب تمنحهم مستوى أكبر من الراحة للعمل مع الولايات المتحدة في قضايا منفصلة مثل التكنولوجيا أو أمن سلاسل الإمداد”.
قال كونيلي: “ما لم تحبذه إندونيسيا بشأن بومبيو لم يكن مضمون مناشداته، بل الطريقة التي كان يؤجج بها النقاش في أي موقف يتولاه. لم يتصرف كدبلوماسي، بل أقرب لمذيع إخباري”.
وأضاف أن أنتوني بلينكين، الذي ترشح خلفاً لبومبيو “مختلفٌ عنه بكل ما يحمله الاختلاف من معنى، من حيث الطباع والحكم”.
لماذا تحتاج العلاقة بين إندونيسيا والصين إلى دور أمريكي؟
يمكن لعلاقة أكثر سلاسة مع واشنطن أن تساعد جاكرتا على موازنة نفوذ بكين في وقت تدفع فيه الصين بـ”دبلوماسية اللقاح” عبر جنوب شرق آسيا، لملء الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة.
ووقَّعت إندونيسيا، صاحبة أكبر عدد من الإصابات بفيروس كورونا في جنوب شرق آسيا، اتفاقاً مع شركة Sinovac الصينية لتوفير ما لا يقل عن 40 مليون جرعة من لقاح CoronaVac بحلول مارس/آذار 2021.
قال غريغوري بولينغ، الباحث بشؤون جنوب شرق آسيا في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية: “من الواضح أن تناول اللقاحات الصينية أمر محفوف بالمخاطر نظراً لوجود قيود سياسية مرتبطة بالمسألة”.
وتابع: “ستأتي الصين لتحصيل هذا الدين، سواء كان ذلك جراء تصويت الأمم المتحدة أو عبر الصمت بشأن قضايا شينجيانغ أو بحر الصين الجنوبي. لكن يتعين على جاكرتا أن تقرر أن هذا هو أخف الضررين إذا لم تقدم الولايات المتحدة وشركاؤها البدائل”.
أصبحت الصين أيضاً أكبر شريك تجاري لإندونيسيا وثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر. وتشمل مشاريعها مشروع سكة حديد عالية السرعة بقيمة 6 مليارات دولار في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية.
هل أصبح الرئيس الإندونيسي منحازاً للصين؟
وتحسَّنَت العلاقات بين إندونيسيا والصين كثيراً في عهد ويدودو لدرجة أن المعارضة اتهمته بأنه مدافع عن بكين، وهاجمته لرفضه إدانة السجون في شينجيانغ.
لكن آخرين يجادلون بأن ويدودو قاوم مطامع بكين الإقليمية في بحر الصين الجنوبي. واستشهدوا بزيارته لجزر ناتونا في يناير/كانون الثاني أثناء مواجهة بين السفن الإندونيسية والصينية، وبخطته لنقل المجموعة القتالية البحرية هناك.
ويعتقد معظم المحللين أن إندونيسيا يمكن أن تقاوم الضغط من القوتين العظميين للتخلي عن استقلاليتها الاستراتيجية، ولكن العبء سيقع على عاتق إدارة بايدن لمنع الصين من تحقيق المزيد من النجاحات.
من جانبه يقول باتي جلال، السفير الإندونيسي السابق في الولايات المتحدة: “ننتظر لنرى كيف سيستعيد الرئيس [المنتخب] بايدن إيمان الإقليم بأكمله بأمريكا. لكن من المهم أن نفهم أن هذا لن يحدث تلقائياً. إذ تحتاج إدارة بايدن لبعض الجهد من أجل استعادة تلك المساحة، وإدارة العلاقة المركبة بين إندونيسيا والصين وأمريكا.