هل الإصابة بفيروس كورونا قد تؤدي إلى أعراض باركنسون الخطيرة على المدى الطويل؟
يبدو أن مرض كوفيد-19 الناتج عن العدوى بفيروس كورونا قد لا ينتهي بمجرد الشفاء منه لدى البعض، وهناك تركيز على حالات قليلة أصيبت بأعراض مرض باركنسون، فما مدى احتمال انتشار هذا المرض العصبي بين المتعافين من كورونا؟
صحيفة The Daily Beast الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “أولاً كوفيد-19 وبعدها أعراض باركنسون”، تناول أحدث الأبحاث الطبية الخاصة بمخاطر الإصابة بأعراض باركنسون بعد التعافي من عدوى فيروس كورونا.
ثلاث حالات باركنسون فقط ولكن
في مارس/آذار، جلس رجل يبلغ من العمر 45 عاماً، في رحلة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، أمام راكب ظل يسعل مراراً. وبعد يومين، ثبتت إصابته بفيروس كورونا المستجد، ونُقِل إلى المستشفى لفترة وجيزة، بسبب التعب وضيق التنفس وألم في الصدر، ثم خرج وبقي في الحجر الصحي بعدها بأيام قليلة. لكن في الأسابيع الثلاثة التي تلت ذلك، بدأت تظهر عليه أعراض جديدة.
إذ أصبح خط يده أقل وضوحاً، وبدأ يواجه صعوبة في الكلام، وفي كتابة الرسائل النصية. وكان يعاني من ارتعاش في إحدى يديه، وتباطأت حركاته، ولاحظ أنَّ أداءه الإدراكي أصبح ضعيفاً. وهذا المزيج الخاص من الأعراض مألوف، ومثير للقلق؛ ووصف الأطباء الذين نشروا تقرير الحالة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأنها “حالة مرض باركنسون محتملة”.
وفي هذه الأثناء، بالبرازيل، ظهر على امرأة تبلغ من العمر 35 عاماً مصابة بـ”كوفيد-19″، بطء في الكلام (أو ما يُسمَّى ضعف التَّصْويت) وبطء الحركة وأمثلة أخرى للباركنسونية، وهي مجموعة من عشرات الأعراض المرتبطة بمرض الانتكاس العصبي. ثم ظهرت حالة أخرى لرجل يبلغ من العمر 58 عاماً مريض بـ”كوفيد-19″ في مدريد، والذي عانى أعراضاً مرتبطة بالحركة، من ضمنها الرعاش واضطراب حركة العين؛ أي المزيد من الباركنسونية.
ما العلاقة بين كورونا وباركنسون؟
وحلَّلت ورقة بحثية حديثة في The Lancet تقارير هذه الحالات، مشيرة إلى اهتمام المجتمع البحثي الشديد بالصلة بين فيروس كورونا الجديد وباركنسون. وحتى الآن، لم تظهر سوى ثلاثة أمثلة فقط، أي لا تزال بعيدة عن البيانات الكافية لإثبات وجود علاقة سببية، حسبما شدد مؤلفو الورقة.
لكن هذا لم يكن كافياً لوقف توالي التكهنات تلو الأخرى من خبراء الأمراض العصبية التنكسية الذين يسألون: هل يمكن أن يتسبب فيروس كورونا المستجد في الإصابة بمرض باركنسون؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل سيؤدي إلى ارتفاع حاد في حالات مرض باركنسون بعد سنوات من الآن؟
هذه الأسئلة لها تداعيات أوسع نطاقاً بكثير. فقد ساعدت الأوبئة السابقة الباحثين على إثبات أنَّ العدوى الفيروسية لا تتعلق فقط بالأعراض الجسدية، بل يمكنها أيضاً تغيير أدمغتنا. فمن ناحية، وُجِدت صلة بين الفيروسات والتغيرات المؤقتة في المزاج والقلق والأرق.
لكن في الحالات القصوى، الباحثون ليسوا متأكدين مما يمكن أن يحدث. إذ تشير بعض الأدلة إلى احتمال حدوث اضطرابات دماغية دائمة مثل مرض باركنسون والفصام. ويمكن أن تؤكد بيانات مهمة حول العلاقة بين “كوفيد-19” والباركنسونية، في حالة تطورها، بعض أكثر نظريات العمل المرعبة حول الفيروسات والانتكاس العصبي.
الأوبئة تؤثر على حياة البشر
من جانبها، قالت الدكتورة إميلي تروير، طبيبة نفسية وباحثة في الطب النفسي العصبي بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، لصحيفة The Daily Beast: “من المهم التمييز بين مرض باركنسون والباركنسونية. وهناك عدد من الأشياء التي يمكن أن تسبب الباركنسونية، من ضمنها بعض الأدوية وأنواع عديدة من الأمراض. من ناحية أخرى، يشير مصطلح باركنسون إلى مرض معين له أعراض محددة بدقة من الأعراض وآليات المرض والعلاجات المحتملة. ومن هنا، لست مندهشة من رؤية تقارير حالات عن الباركنسونية المرتبطة زمنياً بكوفيد-19”.
وأضافت الدكتورة إميلي: “أُبلِغ عن الباركنسونية عقب انتشار فيروسات أخرى، من الإنفلونزا الشائعة إلى فيروس غرب النيل والهربس وفيروس نقص المناعة البشرية. من ناحية أخرى، وجد الباحثون دليلاً على نوع من العلاقة بين مرض باركنسون وفيروسات كورونا في الماضي”.
ففي أوائل التسعينيات، عَلِم الباحثون أنَّ الأشخاص المصابين بمرض باركنسون كانوا، على نحوٍ غامض، أكثر عرضة لحمل أجسام مضادة لفيروسات كورونا السابقة من الأشخاص غير المصابين بهذا المرض، في إشارة إلى وجود صلة بين هذا المرض والفيروس.
أشكال الذهان المرتبطة بالإنفلونزا
وتُسجَّل مضاعفات عصبية ونفسية ناجمة عن عدوى فيروس كورونا المستجد في العديد من المرضى، وتتراوح ما بين الصداع والدوخة والتغيرات السلوكية، والأحداث الفيزيائية العصبية التي تهدد الحياة مثل النوبات والغيبوبة والسكتات الدماغية.
ويأتي هذا في أعقاب الأمثلة السابقة للذهان المرتبط بالفيروسات، مثل “سارس-كوف-1″، وهو الفيروس التاجي المُسبِّب للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) في عام 2003؛ مما أدى إلى ارتفاع معدلات اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب بين الناجين.
وبالنظر إلى ما هو أبعد من ذلك، مثلما ناقشت الدكتورة إميلي بورقة بحثية، في يوليو/تموز، شاركت في تأليفها (بعنوان “هل نواجه موجة عاتية من المضاعفات العصبية النفسية لكوفيد-19؟”)، يمكن أن تستمر هذه الحالات العصبية والنفسية لسنوات أو عقود أو حتى أجيال.
إذ كان الناجون من وباء الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 أكثر عرضة بضعفين للإصابة بمرض باركنسون في وقت لاحق من حياتهم، مقارنة بأولئك الذين لم يتعرضوا للفيروس. ولم تتوقف الآثار طويلة المدى عند هذا الحد: إذ كان أحفاد هؤلاء الناجين أكثر عرضة للإصابة بالفصام.
وقالت الدكتورة إميلي: “لحسن الحظ، لدينا هذه المرة أدوات بحث طبية حيوية أكثر تقدماً. لكن لا يزال لدينا الكثير من العمل الذي يتعين فعله لتحديد كيف يمكن أن تسبب عدوى كوفيد-19 الأعراض العصبية والنفسية التي ارتبطت بها”.
هل هناك مبالغة في القلق؟
وأضافت أنَّ الدراسات القائمة على الملاحظة واسعة النطاق والتي يمكن أن تلقي الضوء على ما إذا كانت هناك بالفعل علاقة سببية ستستغرق سنوات.
لكن بنيامين ستيتشر، المدافع عن حقوق المرضى في دراسة طولية عن الشيخوخة يجريها برنامج Cincinnati Cohort biomarker Program، والمؤلف المشارك لكتاب Brain Fables: The Hidden History of Neurodegenerative Diseases and a Blueprint to Conquer Them (خرافات الدماغ: التاريخ المخفي للأمراض التنكسية العصبية ومخطط للتغلب عليها)، يأمل ألا يتسبب تركيز الباحثين على ظهور الباركنسونية، في إغفالهم الصورة الأكبر هنا.
وفي حديث لصحيفة The Daily Beast، قال ستيتشر: “يأتي معظم الاهتمام بهذه العلاقة من مجتمع أبحاث باركنسون. إنها وسيلة لتحفيز البحث، والاهتمام، والتمويل لمزيد من الأبحاث عن باركنسون. وهذا لا يعني أنه لا ينبغي فعل ذلك -لأنه من الواضح أنه ينبغي فعل ذلك- لكن على المستوى الشخصي، أعتقد أنه لا بد من الالتزام بمزيد من الحيادية عند القيام بهذا”.
وأضاف ستيتشر، الذي شُخِّص بمرض باركنسون قبل سبع سنوات، حين كان بعمر يناهز 29 عاماً: “هناك صلة واضحة جداً بين العدوى الفيروسية ومجموعة كاملة من الأمراض العصبية التنكسية. وسيكون من المفيد جداً للمجتمع البدء في دراسة هذا الرابط، بدلاً من العلاقة بين العدوى وهذا الشيء غير محدد المعالم الذي نطلق عليه الباركنسونية”.