بايدن لا يمكنه تجاهل مأساة الإيغور، لكن كيف سيستغلها في المواجهة مع الصين؟
الممارسات القمعية التي تنتهجها الصين بحق مسلمي الإيغور ترقى إلى “الإبادة الجماعية”، بحسب كثير من الحقوقيين والقانونيين، وهو ما لا يمكن لإدارة الرئيس جو بايدن تجاهله كما فعل ترامب معظم فترة حكمه، فماذا يمكن للإدارة الجديدة أن تفعله؟
موقع Responsible Statecraft الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: “بايدن لا يمكنه تجاهل “الإبادة الجماعية” للإيغور في شينجيانغ”، رصد ما يتعرض له الإيغور من ممارسات قمعية ترقى للإبادة الجماعية، وكيف يمكن لإدارة بايدن التعامل مع تلك الكارثة دون الدخول في صدام مع الصين.
قمع الإيغور إبادة جماعية
منذ عام 2017، يُحتجز أكثر من 1.8 مليون مسلم من العرق التركي، أغلبهم من الإيغور والكازاخ، في معسكرات إعادة التأهيل في منطقة شينجيانغ الإيغورية ذاتية الحكم في الصين. ويتعرض هؤلاء خلال سجنهم لحملات من التضييق وغسل المخ والضرب لمجرد ممارستهم شعائر دينهم الإسلام، أو إبداء نوعٍ من المعارضة المعتدلة، أو التواصل مع الإيغور الذين يعيشون في الخارج.
في مقابلة مع إذاعة NPR الأمريكية العامة، قال الباحث أدريان زينز إن ما يحدث يعتبر إبادة جماعية، حيث إن الدولة الصينية منخرطة في تدابير “تستهدف الحؤول دون إنجاب أطفال” والتعقيم الجماعي، وهو أحد المعايير الرئيسية المندرجة ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لمعاقبة ومنع جرائم الإبادة الجماعية. بالإضافة إلى ذلك، كشف “معهد السياسات الأمنية الأسترالي” عن وجود أكثر من 380 منشأة احتجاز في شينجيانغ، ما يشير إلى وجود شبكة واسعة النطاق من المعسكرات في جميع أنحاء الإقليم مع عدم وجود نهايةٍ تلوح في الأفق لعمليات الاعتقال تلك.
على الجانب الآخر، جاء رد إدارة ترامب على أزمة حقوق الإنسان هذه مفتقراً إلى الاتساق. ففي وقت سابق من هذا العام أرجأ ترامب الحديث عن الاعتقال الجماعي للإيغور وتوجيه اللوم إلى الصين بشأنه، استناداً إلى قلقه من تأثير ذلك في المحادثات التجارية الجارية مع بكين.
ومع ذلك، وقع ترامب في 17 يونيو/حزيران على مشروع قانون “سياسة حقوق الإنسان تجاه الإيغور لعام 2020″، الذي يدين تصرفات دولة الحزب الواحد الصينية في شينجيانغ، ويطرح مراقبة مستمرة يندرج تحتها استخدام محتمل للعقوبات، كما يناقش التعامل مع حوادث التضييق الصينية على الإيغور الذين يعيشون حالياً في الولايات المتحدة.
وفي حين أن إدارة ترامب لم تصنّف الفظائع في شينجيانغ على أنها إبادة جماعية، فقد أدان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون أليوت، تصرفات بكين، مشيراً إلى “الأعمال المروعة الممارسة ضد النساء، ومنها الإجهاض القسري والتعقيم القسري، وغير ذلك من وسائل منع الحمل القسرية”، وذلك ضمن انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.
ذهب ترامب وجاء بايدن
الآن، بعد تعيين إدارة جديدة لتولي الأمور في البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني من عام 2021، يتحول السؤال ليدور حول كيفية تعامل بايدن مع ما يبدو أنه وضع يتفاقم سوءاً. ومن ثم، ينبغي لإدارته أن تتخذ الخطوات الثلاث الآتية:
الانخراط في جهود متعددة الأطراف لانتقاد الصين علناً، أفضل طريقة للمضي قدماً في هذا الأمر هي أن تعمل إدارة بايدن مع الحلفاء الذين لديهم أيضاً عدد كبير من إيغور المنفى. وعلى وجه الخصوص يجب على الإدارة الجديدة دعم ألمانيا في اتخاذ إجراءات أقوى.
ففي حين تحدّث سياسيون ألمان في وقت سابق عن هذه المسألة، فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تجنبت طرح القضية، لأنها بحسب ما يبدو تعطي الأولوية للقضايا الاقتصادية بين البلدين. ومع ذلك فإن المسألتين لا يشترط الاهتمام بإحداهما وتجاهل الأخرى، إذ يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين إدانة العنف في شينجيانغ، والعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية البناءة مع الصين في الوقت نفسه.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها استخدام نفوذهم في البنك الدولي لضمان عدم حصول الصين على تمويل من شأنه أن يقدم دعماً لمعسكرات الاعتقال أو عمليات اضطهاد الإيغور على أي نحو. أخيراً، وفي حين أنه قد يبدو للوهلة الأولى أن العمل مع الدول ذات الأغلبية المسلمة سيكون استراتيجية مناسبة، فإن هذا المسار لا يُتوقع أن يكون مثمراً، فهذه الدول تُظهر تضامناً محدوداً مع الإيغور، وتواصل الترحيب بالاستثمارات الصينية.
هل يخاطر بالتصادم مع الصين بسبب الإيغور؟
إبداء موقف ثابت حيال الالتزام بحقوق الإنسان وانتهاكها، بصرف النظر عن الصين يجب على بايدن أيضاً التصدي للدول الأخرى التي ترتكب فظائع حقوق الإنسان. والتصرف على هذا النحو كفيلٌ بتأكيد التناقض مع موقف إدارة ترامب، التي لطالما تجاهلت انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، حليفة الولايات المتحدة.
كما أن ترامب كان قد توقف أيضاً عن انتقاد كوريا الشمالية بعد المناقشات بشأن الاتفاق النووي. كذلك فإن الالتزام بتطبيق العدالة على أرض الولايات المتحدة يقتضي أيضاً من الإدارة الجديدة توفير الحماية للإيغور في الخارج من المضايقات.
وأخيراً، يجب على إدارة بايدن فتح الحدود أمام الإيغور الذين يريدون الهجرة إلى الولايات المتحدة ومنحهم حق اللجوء. وبالإضافة إلى كون ذلك يقدم الولايات المتحدة على أنها نموذج للحرية في الوطن الأصلي، فإن السماح للإيغور بتحقيقِ ذواتهم وإثبات وجودهم على نحو دائم في الولايات المتحدة سيكون وسيلةً لحماية ثقافة الإيغور خارج الصين.
التعاون التكنولوجي الملتزم بالمسؤولية: يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في عملها مع الصين في المجال التكنولوجي، لكن عليها أن تتأكد من أنها لا تسهم أو تقدم الدعم لإجراءات المراقبة المفروضة في شينجيانغ. ويمكن لإدارة بايدن أن تلتزم التعاون مع الصين بشأن التكنولوجيا الخضراء الداعمة للحفاظ على البيئة، حتى يمكن الاستمرار في اتخاذ خطوات ملموسة فيما يتعلق بتقليل الانبعاثات الحرارية. ومع ذلك يجب على الإدارة الجديدة ضمان عدم بيع الشركات الأمريكية التكنولوجيا والوسائل التكنولوجية التي من شأنها أن تسهم في مساعي المراقبة المستمرة المفروضة على الإيغور في شينجيانغ.
وفي الختام، يجدر القول إن الإدارة الأمريكية القادمة لديها فرصة للتعامل على نحو بناء مع الصين دون تجاهل فظائع حقوق الإنسان المرتكبة في شينجيانغ. والمقصد أن إبداء موقف حازم دون تنفير بكين ودفعها إلى الانعزال هو أفضل طريقة يمكن للولايات المتحدة أن يكون لها تأثير ذو قيمة فيما يتعلق بهذه القضية.