لماذا لن تنجح السعودية بتخفيف ضغوط بايدن عليها حتى بعد الإفراج عن لجين الهذلول؟
أثار الحكم الذي أصدر في 28 ديسمبر/كانون الأول 2020 على الناشطة السعودية المدافعة عن حقوق المرأة، لجين الهذلول، بعد 950 يوماً من الاحتجاز، إداناتٍ مُتهكِّمة من المُعلِّقين الدوليين، إذ أدانتها محكمةٌ سعودية بارتكاب “الإرهاب”، لكنها حكمت عليها بالسجن خمس سنوات فقط وثمانية أشهر، وهي مدةٌ أقل بكثير من العشرين عاماً التي سعى إليها الادِّعاء.
ومع الوضع في الاعتبار المدة التي قضتها والحكم عليها بالسجن لمدة عامين وعشرة أشهر مع وقف التنفيذ، يعني ذلك أن الهذلول يمكنها مغادرة السجن في أوائل العام 2021، رغم أنها ستظل خاضعة لحظر سفرٍ لمدة خمس سنوات. فهل نجحت الرياض بهذا الحكم بتخفيف الضغوط الأمريكية عليها فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان؟ وكيف ستتعامل إدارة جو بايدن الجديدة مع ذلك؟
السعودية تفرض على بايدن اختباراً مبكراً للعلاقة
يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، قد تأمل كلٌّ من الحكومة السعودية وإدارة بايدن أن يكون الإفراج عن الهذلول إجراءً لحفظ ماء الوجه لتجنُّب مواجهةٍ مبكِّرة، بالنظر إلى وعود بايدن القاطعة بمعاقبة وليّ العهد محمد بن سلمان، واعتباره “منبوذاً”، وإنهاء مبيعات الأسلحة التي أجَّجَت جرائم الحرب السعودية في اليمن.
وما يؤكد نية السعودية بمحاولة حفظ ماء وجهها، هو ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، الإثنين 28 ديسمبر/كانون، بأن مقدار العقوبة التي سلّطتها محكمة سعودية على لجين الهذلول جاء بناء على طلب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفق ما نقلته الصحيفة عن مستشارَين للعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز لم تسمّهما.
وأوضحت الصحيفة أن محمد بن سلمان كان يسعى لتخفيف الضغوط على الرياض من جانب الولايات المتحدة، ولذلك فقد وجّه بإصدار هذا الحكم المراوغ على لجين، والذي يتضمن سجنها لفترة طويلة، لكن يسمح بخروجها من محبسها بعد 3 أشهر.
لكن يبدو أن ذلك سيكون غير كاف بالنسبة لإدارة بايدن، فالتدفُّق اللامتناهي لانتهاكات محمد بن سلمان، بما في ذلك اعتقال واحتجاز العشرات من النشطاء مثل الهذلول، بمن فيهم المواطن الأمريكي وليد فتيحي، فضلاً عن القصف الجوي المستمر لليمن، سيجعل هذا الأمر صعباً، إن لم يكن مستحيلاً. ولن تتمكَّن إدارة بايدن من تجنُّب اختبارٍ حقيقي ومبكِّر لما يعنيه التزامها الخطابي بـ”الوقوف ضد انتهاكات حقوق الإنسان”، مثلما غرَّد جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن، يوم الإثنين رداً على الحكم على الهذلول.
لقد استحقَّت لجين الهذلول مكانتها كأبرز ناشطة مدافعة عن حقوق المرأة في السعودية، لأكثر من عقدٍ من الزمن. وعمل النشطاء والإصلاحيون مثل الهذلول لسنواتٍ وقدَّموا تضحياتٍ جمة لتمهيد الطريق للتغيير في بلدهم. لكن المناخ أصبح أخطر بشكلٍ كبير بعدما تولَّى وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان السلطة، وهو يعتبر أيَّ معارضةٍ أو نقدٍ أو استقلال سياسي أو اجتماعي في البلاد تهديداً يجب سحقه والقضاء عليه. لذا، فقد بدأ حكمه باعتقال وتعذيب واحتجاز وحتى قتل، مئات النشطاء والعلماء الدينيين والصحفيين ورجال الأعمال.
لم تهدأ الانتهاكات، وحتى أفراد العائلة المالكة لم يسلموا منها. وكان ليّ العهد قد سجن أو وضع قيد الإقامة الجبرية أبرز وأقوى رموزٍ من أفراد العائلة المالكة، بمن فيهم وليّ العهد السابق وحليف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، محمد بن نايف، والأمراء أحمد بن عبدالعزيز، وفيصل بن عبدالله، وتركي بن عبدالله.
ترامب لا يزال يحاول التغطية على بن سلمان حتى في آخر أيام حكمه
وتعقَّب محمد بن سلمان المعارضين خارج المملكة وطاردهم، ولعل أشهر ما في ذلك كان اختطاف وقتل كاتب العمود بصحيفة Washington Post جمال خاشقجي، وكذلك المسشار الملكي السابق سعد الجبري. ويواجه ثلاث دعاوى قضائية في محاكم المقاطعات الفيدرالية الأمريكية نتيجةً لذلك.
أرسلت وزارة الخارجية الأمريكية إلى محامي الجبري استبياناً الشهر الماضي، نوفمبر/تشرين الثاني، يسألون فيه عن آرائهم بشأن طلب محمد بن سلمان في أكتوبر/تشرين الأول للحصول على حصانةٍ في قضية الجبري، وهو مؤشِّرٍ قوي على أن ترامب يدرس الموافقة على طلب الحصانة. ومن الواضح أن محمد بن سلمان يأمل في تمديد الحصانة في قضية الجبري إلى الدعاوى القضائية الأخرى، وإنهاء مأزقه القانوني في المحاكم الأمريكية.
وأعلن ترامب أيضاً أنه عجَّلَ بتسريع عمليات نقل أسلحة بقيمة 500 مليون دولار إلى المملكة السعودية، وهو أمرٌ آخر قبل رحيله من البيت الأبيض. وذكرت ميسي رايان، من صحيفة Washington Post، الثلاثاء 29 ديسمبر/كانون الأول، على منصة تويتر أن إدارة ترامب أعلنت بيع أسلحة أخرى للسعودية بقيمة 250 مليون دولار من ذخيرة GBU-39 من شركة بوينغ. هذه عملية بيع عسكرية أجنبية، وهي تحويلٌ من حكومةٍ إلى أخرى، وليست معاملة تجارية كسابقتها.
تطبيع السعودية مع إسرائيل سيزيد الضغط على إدارة بايدن
ما تريده إدارة ترامب حقاً من المملكة السعودية بهذه الهبات السخية بالطبع هو أن يُطبِّع محمد سلمان العلاقات مع إسرائيل قبل أن يغادر ترامب البيت الأبيض. وإذا طبَّعت السعودية- أو وعدت بالتطبيع- مع إسرائيل، ستجد إدارة بايدن نفسها تحت ضغطٍ أكبر للحفاظ على الأمور كالمعتاد مع المملكة السعودية.
وعلاوة على ضغط صناعة الدفاع، والمليارات الأخرى من مبيعات الأسلحة، فإن الضغط من أجل “استرضاء” السعوديين كثمنٍ للضربة المُروِّعة لاتفاقٍ نووي مع إيران من المؤكَّد أن يتبلور. وفي الواقع، سوف تجد إدارة بايدن إسرائيل واللوبي الإسرائيلي يتقاتلان بشراسةٍ ضد أيِّ إجراءاتٍ صارمة ضد المملكة. وقد تجلَّى ذلك مؤخَّراً مع إسرائيل وجماعات الضغط التابعة لها، في أعقاب اتفاقات أبراهام، التي ضغطت بشدة ضد مشاريع القوانين الخاسرة في نهاية المطاف في الكونغرس والتي تعارض مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات، شريكة محمد بن سلمان في جرائم الحرب.
بايدن سيكون في مأزق كبير إذا لم يفِ بوعوده حول السعودية
وتقول سارة ويتسن، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن الاختبار الأول الذي ستواجهه إدارة بايدن في وعودها تجاه السعودية بعدم “التحقُّق من قيمها”، يتمثل في الاستجابة للمطالب (بما في ذلك قضيتان رفعتهما مبادرة عدالة المجتمع المفتوح) لإصدار تقرير مدير الاستخبارات الوطنية حول مقتل خاشقجي، ودليل جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية الذي قاد إلى استنتاج أن محمد بن سلمان قد أمَرَ بالقتل.
أعلن السيناتور رون وايدن، من الحزب الديمقراطي، أنه سيستجوب أفريل هاينز، مرشح بايدن لرئاسة الاستخبارات الوطنية، حول هذا الأمر خلال جلسات الاستماع الخاصة بتأكيد تنصيبها، في يناير/كانون الثاني المقبل. وإصدار التقرير، الذي يقدِّم دليلاً على الدور المباشر لمحمد بن سلمان في جريمة القتل، من شأنه أن يضع بايدن في مأزقٍ أكبر للوفاء بوعوده وإنهاء مبيعات الأسلحة للرياض.
والحقيقة هي أن الدعم العسكري والدبلوماسي المُقدَّم للمملكة السعودية- بما في ذلك وجود قوات أمريكية في المملكة، ومبيعات الأسلحة التي تُقدَّر بالمليارات، والمساعدة في حرب اليمن، والحماية الدبلوماسية من العزلة الدولية لسلجها الحقوقي المُروِّع- يخلق ارتباطاً لا نهاية له للولايات المتحدة بالمملكة السعودية.