الإبادة واحدة وإن اختلفت أساليبها.. هل تحول أمريكا قضية الإيغور العادلة لورقة ضد الصين؟ كشمير وفلسطين تقدمان الإجابة

قبيل رحيل إدارة ترامب بساعات صنفت الولايات المتحدة ممارسات الصين ضد الإيغور بأنها إبادة جماعية، ويبدو أن إدارة بايدن سوف تواصل التصعيد في هذا الملف مع الصين.

فقد أيد أنتوني بلينكين، المرشح لمنصب وزير الخارجية في إدارة بايدن، الخطوة التي اتخذها سلفه مايك بومبيو.

ومما لاشك فيه أن ما يتعرض له الإيغور أمر بشع ونادر الحدوث في التاريخ، فهو محاولة لتغيير هوية شعب قسراً، وضمن ذلك عملية احتجاز وفصل الأطفال عن أسرهم، وممارسات قد تكون أسوأ من الإبادة الجماعية.

ولكن اللافت أن الولايات المتحدة، وضمنها إدارة ترامب ومن يرشح من إدارة بايدن، تركز على قضية الإيغور في معرض صراعها مع الصين، وأنها في المقابل، تتجاهل انتهاكات فادحة لحقوق الإنسان قد لا تصل إلى بشاعة ما يحدث مع الإيغور، ولكنها قضايا يمكن أن يكون التدخل الغربي والأمريكي تحديداً أكثر تأثيراً فيها، مثل القضية الفلسطينية التي بإمكان الغرب بسهولة أن يضغط على إسرائيل لحلها أو على الأقل تخفيف مظالمها على الشعب الفلسطيني.

علماً أن المحصلة النهائية لما تقوم به إسرائيل بحق الفلسطينيين بدعم أمريكي كما ظهر في صفقة القرن، هدفه لا يختلف كثيراً عن الإيغور، إذ تريد إسرائيل إفقاد الفلسطينيين القدرة على إقامة دولة ونزع معظم أراضيهم، ليصبحوا شعباً بلا أرض، أو ما يمكن تسميته بإبادة للأرض، مقابل الإبادة الثقافية التي تنفذها الصين مع الإيغور.

قضية نبيلة ومحامٍ فاسد.. كشمير نموذجاً

فالمشكلة أن الاستغلال الفاضح لحقوق الإنسان من قِبل الغرب يؤثر في هذه القضية النبيلة، ويُضعف شرعية أي انتقادات غربية لبلد مثل الصين رغم صحتها، لأن الغرب نفسه يسكت عن قضايا مشابهة حتى لو كانت الانتهاكات فيها أقل وطأة قليلاً.

تمثل كشمير نموذجاً فجاً لازدواجية المعايير، يعيش الإقليم المتنازع عليه مع باكستان أسوأ أيامه بعد إلغاء الهند للحكم الذاتي، ووصول الاضطهاد للنخبة الموالية للهند في الإقليم والتي كانت تدافع دوماً عن فكرة بقاء الإقليم ذي الأغلبية المسلمة ضمن الهند (مع الاحتفاظ بوضع خاص)، وهو ما عرَّضها لاتهامات بالخيانة من قطاع واسع من الشعب الكشميري.

وعلى خطى إسرائيل.. تخطط الهند لتحويل كشمير من إقليم ذي أغلبية مسلمة لمنطقة هندوسية، عبر تغييرات قانونية تشجع الهجرة إلى الإقليم، ما يمكن تسميته بـ”الاستيطان الهندوسي”، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

الاضطهاد الهندي الحالي لسكان كشمير قد يكون أقل مما يحدث لمسلمي الإيغور، لأن ما يحدث لمسلمي الإيغور موغل في البشاعة، ولكن ليس لأن الهند أقل رحمة.

الإيغور
باكستان فرضت الأحكام العرفية على كشمير/رويترز

فإذا كان الإيغوريين موضوعين في معسكرات احتجاز، ففعلياً الهند حولت كشمير لمعسكر احتجاز كبير عبر فرض الأحكام العرفية، وقطع الإنترنت، علماً بأن هذه الإجراءات لم تأتِ بعد هبَّة من الكشميريين؛ بل بعد قرار إلغاء الحكم الذاتي للإقليم، المثير للجدل، وكأن نيودلهي تعاقب الكشميرين على أخطائها.

ولكن تقريباً لم يكن هناك رد فعل غربي يُذكر على الوضع في كشمير، علماً بأنه من ناحية القانون الدولي، فإن الإيغور جزء من الصين بينما كشمير إقليم متنارع عليه، وفكرة حق شعبه في تقرير المصير مسألة مطروحة دوماً، وبالتالي أي تدخُّل في كشمير له شرعية أعلى مما يحدث للإيغور، كما أن كشمير هي النزاع على الأراضي الوحيد في العالم الذي طرفاه دولتان نوويتيان، مما يعني أنه يجب أن تكون له أولوية في القانون الدولي والعمل الدبلوماسي؛ منعاً لاندلاع نزاع نووي يدمر نصف العالم.

مودي يحوّل أكبر دولة ديمقراطية للاستبداد، والغرب يدعمه

مقارنة بالحملة الغربية على الصين في ما يتعلق بمسألة الإيغور، فإن وزير الخارجية والكومنولث والتنمية بالمملكة المتحدة نايجل آدامز، قال رداً على النقاش الذي دار بالبرلمان البريطاني حول “الوضع السياسي في كشمير”، إنه ليس لبريطانيا أن تلعب أي دور وسيط في مسألة ثنائية، حتى لو كانت هناك مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان على جانبي خط السيطرة.

وبالطبع سبب تجاهل ما يحدث في كشمير واضح، الهند رغم أن رئيس وزرائها ناريندا مودي يزداد في تطرفه الهندوسي ونزعته الشعبوية الاستبدادية، تمثل حليفاً مرجحاً للغرب -خاصةً الولايات المتحدة- في مواجهة الصين، الصين ذاتها التي يحشد الغرب العالم ضدها حالياً، بسبب استبدادها واضطهادها للإيغور!

المشكلة أن احتمالات نجاح الضغط الغربي على بلد مثل للهند في أزمة كشمير أكبر بكثير من احتمالات نجاحه في الضغط على الصين لحل أزمة الإيغور.

فلأسباب كثيرة، من بينها طبيعة النظام شديد الاستبداد، وتصاعد القلق الغربي والإمكانات الاقتصادية الكبيرة، فإن قدرة الغرب في الضغط على الصين محدودة، خاصةً أن النظام والشعب الصيني يشعران بأن ما يحدث محاولةٌ لتكرار ما حدث مع الاتحاد السوفييتي، وبالتالي فإن التلاعب الغربي بقضية الإيغور قد يزيد معاناتهم في نهاية الأمر، خاصةً أن بكين تحاول عبر اضطهادهم تخويف بقية شعبها.

على العكس فإن الضغط الغربي على الهند لحل أزمة كشمير قد يؤتي أكله باعتبار أن الهند أضعف اقتصادياً وأحوج إلى الغرب وأكثر انفتاحاً عليه، كما أن طبيعة البلد الديمقراطية أو ما تبقَّى من ديمقراطية، قد تجعل الانتقادات الغربية تترك صدى داخلياً، وتُشعر بعضهم بأن بلادهم منبوذة.

ولكن ما يحدث هو أن قضية الإيغور تتحول إلى كارت بيد الغرب في مواجهة الصين، دون محاولة حقيقية للبحث عن حل لمعاناة هذا الشعب غير المسبوقة، مع تجاهل الأزمات التي يمكن أن يخفف الغرب فعلاً فيها انتهاكات حقوق الإنسان.

والمشكلة أن النشطاء الحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان في الغرب يسيرون على نفس نغمة الأنظمة، وحتى اليمين، فيركزون على انتهاكات حقوق الإنسان التي ينفذها خصوم الغرب ويتجاهلون أو لا يعطون الاهتمام الكافي لانتهاكات حلفاء الغرب.

وبالتالي يواصل خصوم الغرب ممارسة انتهاكات حقوق الإنسان، لأنهم يشعرون بأن هذه الانتقادات مؤامرة غربية عليهم، وهم يتعرضون للضغوط في كل الأحوال؛ بل تصبح هذه الانتهاكات ملحمة وطنية مزعومة، فيما يواصل حلفاء الغرب انتهاك حقوق الإنسان، لأنهم يعلمون أن هذه الانتقادات لا تتعدى اللوم الخفيف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى