بعدما اعتبرت اقتحام إسرائيل للقدس تجاوزاً للخطوط الحمراء.. هل تهديدات “القسام” تمهيد لردٍّ عسكري لحماس؟

تتواصل عمليات التهديد الإسرائيلي بإخلاء عشرات المنازل من حي الشيخ جراح في البلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة، في مشهد يعيد إلى الأذهان صور النكبة والتهجير القسري التي رافقت احتلال فلسطين سنة 1948.

العملية التي تقوم بها إسرائيل تتم وسط تحذيرات من أنها تُحاول تهيئة الرأي العام لتنفيذ مخطط لتهويد القدس هو الأكبر، عبر توسيع رقعة التهجير وإخلاء المنازل بمحيط المسجد الأقصى.

رسائل من نار

أمام هذه النكبة المنتظرة أطلق القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، في رسالة نشرها الموقع العسكري للكتائب، تهديداً موجهاً إلى إسرائيل جاء فيه أنه “إن لم يتوقف العدوان على أهلنا في حي الشيخ جراح في الحال، فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي، وسيدفع العدو الثمن غالياً”.

لم يعتد أن يطلق “الضيف” رسائل ميدانية أو سياسية إلا في أوقات حساسة كالتي تشهدها مدينة القدس، وتعتبر بمثابة تهديد أخير قبل ترجمة تصريحه الإعلامي إلى فعل ميداني على الأرض، الأمر الذي من شأنه أن يُربك الحسابات الإسرائيلية، أو يجبرها على إعادة النظر في الانتهاكات المتواصلة ضد المقدسيين.

محمود مرداوي، القيادي في حركة حماس، وهو من القادة السابقين لكتائب القسام، قال لـ”عربي بوست”، إن “ما يجري في مدينة القدس تجاوَز كل الخطوط الحمراء، لذلك جاء تهديد الضيف بوضع حد للمخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهجير سكان المدينة، وهو يأتي أيضاً كتغيير استراتيجي من حركة حماس في التعامل مع نسق ومستوى التهديدات، بالانطلاق من رد الفعل إلى المبادرة بإطلاق التهديدات”.

وأضاف المتحدث أن “الدلالة الثانية التي يحملها تهديد الضيف، أنه يأتي استجابة لنداءات سكان القدس الذين طالبوه بتوفير الحماية لهم من بطش اعتداءات الجيش والمستوطنين، وعلى سكان القدس والضفة الغربية أن يستعدوا لترجمة التهديد على أرض الواقع في حال لم تتراجع الاستفزازات الإسرائيلية”.

اهتمام إسرائيلي

حظيت رسالة “الضيف” باهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث علقت دانا بن شمعون، مراسلة الشؤون الفلسطينية في التلفزيون الإسرائيلي الرسمي “كان”، بأن “حماس اختارت أن تضع الضيف في الواجهة، وتصدّر رسالة باسمه، وليس نقلاً عن قياديين آخرين، لتؤكد أنها على استعداد لتصعيد الأوضاع الميدانية، وأن جهوزيتها العسكرية في أعلى درجة”.

أما الكاتب الإسرائيلي تال ليف رام، من صحيفة معاريف، فعلق على رسالة “الضيف”، بقوله إن “الضيف بقي صامتاً طوال الفترة الماضية، وإن خروجه اليوم من خزانة الصمت دليل على تصميم حماس على إشعال المنطقة، ولذلك فإن تصريحه ليس تحذيراً فقط، بل يمكن اعتباره مادة حارقة”.

لقد بات واضحاً من رسالة “الضيف” أن حماس رفعت سقف التحدي في وجه إسرائيل، التي كانت تُدرك أن سيناريو الفوضى الذي سيعقب قرار تأجيل الانتخابات التشريعية، ستستثمره الحركة ضد إسرائيل، مستغلةً حالة التعبئة والغضب الشعبي بسبب حالة الجمود السياسي الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية.

الفصائل تستعد للرد

محمد أبو نصيرة، عضو اللجنة المركزية للجان المقاومة الشعبية، قال لـ”عربي بوست”، إن “فصائل غرفة العمليات المشتركة في حالة انعقاد دائم، وتعمل على مدار الساعة؛ لمتابعة كل التطورات التي تخص مدينة القدس وحي الشيخ جراح، وهذه الفصائل على أتم الجهوزية لقرار قيادة المقاومة ببدء الرد”.

وأضاف المتحدث أن “كل الخيارات التي بأيدينا ستكون مشروعة، دون الخوض في تفاصيل قد تُؤثر على مجرى المواجهة مع دولة الاحتلال، ونحن سنسعى إلى فرض معادلة الردع والقوة لنصرة القدس، لتكون بمثابة تهديد حقيقي بأنه في حال المساس بالمدينة، فحينها سيكون رد المقاومة مشروعاً”.

وباتت مدينة القدس في ذروة التركيز الإعلامي والسياسي بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، فمن جهة شعر الفلسطينيون بأنهم خسروا معركة استحقاق الانتخابات المنتظر منذ 15 عاماً، بسبب رفض إسرائيل إجراءها في القدس، وباتت المعركة بالنسبة لهم مصيرية حول مفهوم السيادة، وأحقية كل طرف باعتبار القدس عاصمة لهم.

في سياق متصل، شهدت أحياء القدس العربية هجمات إسرائيلية مكثفة شملت منع المقدسيين من الوصول إلى ساحات المسجد الأقصى، وإغلاق البوابات المؤدية إليه منذ بداية شهر رمضان الجاري، كما وفَّرت شرطة الاحتلال حماية لقيام المستوطنين بالتنكيل بالنساء والأطفال المقدسيين والاعتداء عليهم بشكل وحشي.

إضافة إلى ذلك، شرعت بلدية الاحتلال في تنفيذ مخطط إخلاء واسع بأحياء القدس الشرقية من السكان المقدسيين، لاسيما أولئك الذين لا يمتلكون أوراقاً تثبت ملكيتهم للعقارات التي يسكنون فيها، كما يجري الآن في حي الشيخ جراح.

صِدام محتمل في رمضان

جاءت الهجمات الإسرائيلية المنظمة ضد سكان القدس كمقدمة للاحتفال المركزي الذي يستعد لتنظيمه عدد من “جماعات الهيكل” و”منظمات المعبد” اليمينية المتطرفة في الـ28 من شهر رمضان، ليكون يوماً فاصلاً تحت اسم “توحيد القدس”، وهو ما حذَّر منه قائد حركة حماس في الخارج خالد مشعل، بقوله إن “حماس لن تقف مكتوفة الأيدي، وتمنح المستوطنين انتصاراً في هذا اليوم”.

جمال عمرو، الباحث المقدسي والأكاديمي المختص بشؤون القدس والاستيطان، قال لـ”عربي بوست”، إن “التنبؤات التوراتية جعلت هذا العام مهماً بالنسبة للمتطرفين الأصوليين، وهم من أكثر اليهود تعصباً وكرهاً للعرب والمسلمين، ويقودهم زعيم الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير والمتطرف يهودا غليك، الذين يتجهزون ويدعون بكل طاقاتهم إلى أن يكون يوم الـ28 من رمضان، وهو يوم القدس في التقويم العبري، موعداً فاصلاً لفرض السيادة والهوية الدينية على المسجد الأقصى وشطري مدينة القدس”.

وأضاف أن “هذه المعركة باتت فاصلة ومهمة، فالمتطرفون من اليمين الإسرائيلي يزدادون نفوذاً، وباتوا رقماً صعباً في آخر دورة لانتخابات الكنيست، لذلك كان من المهم أن يقف قائد الجهاز العسكري لحماس في وجه ما تتعرض له مدينة القدس، ويرفع سقف التحدي والرهان، ونحن أمام أيام حاسمة ستكون فاصلة بالنسبة لهوية مدينة القدس”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى