بايدن يخطط للقاء “عالي الخطورة” مع الرئيس الصيني.. هل تنجح محاولات إعادة بناء الثقة بين أكبر اقتصادين في العالم؟

نقلت شبكة CNN الأمريكية عن مسؤولين في البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن يخطط لعقد لقاء مع الرئيس الصيني شي جين بينغ. وبحسب الشبكة فقد أكَّدت قمة بايدن الأخيرة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، اعتقاده بألا شيء يمكن أن يضاهي اللقاء وجهاً لوجه مع “خصم قوي”، حيث يتطلع هو ومساعدوه الآن إلى لقاءٍ ينطوي على “مخاطر أعلى” مع الرئيس الصيني.

الصين مهتمة بمبادرة بايدن

وبحسب مسؤولين في البيت الأبيض، فإن الرجلين قد يلتقيان على هامش قمة مجموعة العشرين في روما، نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والتي يُتوقَّع أن يحضرها كلاهما. وقد تركوا أيضاً الباب مفتوحاً أمام احتمالية عقد لقاء منفصل في حال وافقت الصين، أو ببساطة إجراء مكالمة هاتفية أخرى.

فقال جيك سوليفان، مستشار بايدن للأمن القومي، الأسبوع الماضي، متحدثاً عن إمكانية حدوث تواصل بين الرئيسين الأمريكي والصيني: “الأمر الآن مجرد مسألة متى وكيف”.

وبالفعل، اهتمت الصين بمقاربة بايدن. فمنذ جلس بايدن مع فلاديمير بوتين في جنيف، أطلعت روسيا الصين على ما جرى في المحادثات. وحين عاد السفير الروسي لدى الولايات المتحدة إلى واشنطن هذا الأسبوع كجزء من اتفاق أُبرِم خلال لقاء الرئيسين، كانت واحدة من أولى محطاته هي تقديم إحاطة لنظيره الصيني بشأن قمة بايدن-بوتين.

وبعدما انقضت الآن قمة بوتين، قال المساعدون بالبيت الأبيض إنَّ العمل سيتكثَّف من أجل ترتيب لقاء مع شي. لقد وفَّر الجلوس مع بوتين فرصة من أجل المعالجة المباشرة لسلسة من المشكلات القريبة في العلاقات التي يرى مسؤولون أنَّها صارت مسمومة على نحوٍ خطير، لكنَّه خدم غرضاً مزدوجاً ومهماً: وضع سلسلة من الآليات لمعالجة تلك المشكلات على مستوى أطقم المساعدين على مدى عدة أشهر، وهو الأمر الذي يعتبره المسؤولون فرصة لتمهيد الطريق أمام المشكلة التي ميَّزت أكثر من غيرها نهج بايدن في الرئاسة منذ توليه المنصب: الصين.

وفي حال تحقق ذلك فعلاً، فإنَّ قمة بين بايدن وشي جين بينغ قد تساعد في تحديد مسار لما سيرقى ليكون أهم مسألة في السياسة الخارجية في رئاسة بايدن.

وبحسب سي إن إن، يعتقد بايدن، ومساعدوه، أنَّ تسريع الرئيس الصيني لجهوده من أجل بسط سلطته في الصين يجعل عقد لقاء مباشر أمراً ضرورياً. فقال كورت كامبل، كبير مستشاري بايدن في قضايا منطقة آسيا المحيط الهادئ في وقتٍ سابق هذا الشهر: “نعتقد بشكل متزايد أنَّ جزءاً مما فعله الرئيس شي هو اتخاذ خطوات ليكون الشخصية القيادية المركزية التي تتخذ كل القرارات تقريباً”.

هل تنجح محاولات إعادة بناء الثقة بين أكبر اقتصادين في العالم

بدأت المباحثات بين الصين وإدارة بايدن بالفعل بداية مثيرة للجدل. إذ تحول لقاء جرى في وقت سابق بين المسؤولين في ولاية ألاسكا إلى بيانات باتهامات متبادلة لم تسهم إلا في توضيح المستوى العميق من انعدام الثقة الموجود بين أكبر اقتصادين في العالم.

وشكك بعض المسؤولين الأمريكيين كذلك في تأثير الدبلوماسيين الصينيين الذين أُرسِلوا إلى اللقاء، واعتبروهم من خارج دائرة شي المقربة.

لم تتحسن العلاقات بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين. ولم تؤدِ التساؤلات الجديدة بشأن أصل فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وعدم استعداد الصين السماح بتحقيق كامل بشأن الموقع الذي بدأت فيه الجائحة، إلا لمفاقمة الأمور.

مع ذلك، يظل بايدن مقتنعاً بالقوة التي تتمتع بها العلاقات الشخصية للمساعدة في توجيه العلاقات الدولية. وكما هو الحال مع بوتين، يعتقد بايدن أنَّ الحديث وجهاً لوجه يمكن أن يساعد في إرساء الاستقرار في العلاقة على نحو لا يمكن للحديث عبر الهاتف أن يُحدِثه. فقال بايدن في جنيف: “لا يوجد بديل عن الحوار وجهاً لوجه بين القادة”.

ويقول المسؤولون إنَّ أهداف بايدن في بعض الجوانب ستكون هي نفسها أهدافه في اللقاء الذي استمر 3 ساعات مع بوتين في سويسرا: إذابة الجليد في العلاقات، والتعرف على بعضهما البعض جيداً، وفتح خطوط اتصال لا يمكن أن تتكون إلا بصورة شخصية. وكثيراً ما يشير المسؤولون الأمريكيون إلى الحاجة لتأسيس “حاجز حماية” في العلاقات مع الصين، مثلما سعى بايدن مع بوتين لتأسيس معايير لإيجاد علاقة أكثر قابلية للتنبؤ بها مع روسيا.

تبنّى بايدن أيضاً استراتيجية مماثلة لحشد الحلفاء خلف نهج لمواجهة العدوانية الصينية، تماماً مثلما تشاور مع الحلفاء الغربيين قبل لقائه مع بوتين. ويعمل المسؤولون الأمريكيون الآن لترتيب لقاء فعلي بين قادة مجموعة “الرباعي” في الخريف، وهو التجمع الذي من شأنه أن يشهد حضور رؤساء وزراء اليابان وأستراليا والهند إلى واشنطن للتشاور قبيل لقاء محتمل مع الرئيس الصيني.

بايدن ذاهب للقاء أعلى خطورة من لقائه مع بوتين

لكن على الرغم من كل التشابهات مع نهجه مع بوتين، يرى بايدن أنَّ المخاطر أعلى بكثير مع شي. ففي حين حدَّد حدوداً صارمة لبوتين في مجالي حقوق الإنسان والحرب السيبرانية، توجد الخلافات مع الصين على نطاق أكبر. إذ وضعت التجارة والعدوان العسكري في تايوان والاتهامات بارتكاب إبادة جماعية ضد مسلمي الإيغور البلدين في خلاف حاد.

ويقول مساعدو بايدن إنَّه إذا كان يعتبر روسيا تهديداً مزعجاً لاستقرار الولايات المتحدة، فإنَّه يرى الصين مشكلةً أكثر وجودية بكثير. وقد وزن كبار مساعدي بايدن كلماتهم بعناية، مشددين على أنَّ الصين تمثل منافساً استراتيجياً رئيسياً ورفضوا المقارنات التي تشير إلى اندلاع حرب باردة جديدة. وهذه ليست مسألة عديمة الأهمية، فحشد بعض الحلفاء الذين لهم علاقات اقتصادية قائمة مع الصين يتوقف إلى حدٍّ كبير على عدم تصعيد الخطاب. لكن من الواضح أنَّ تأطير رئاسة بايدن بإطار “الاستبداد ضد الديمقراطية” يجعل الصين هي الهدف الأساسي.

تحدث بايدن منذ تولى الرئاسة مع شي عبر الهاتف مرة واحدة، في فبراير/شباط الماضي. وامتدت المحادثة لساعتين، وحذَّر بايدن في مرحلة من المراحل شي بأنَّه من الخطأ توقع انهيار الولايات المتحدة بناءً على حوادث مثل محاولة التمرد في 6 يناير/كانون الثاني الماضي.

وقد مثَّلت الصين الموضوع الماثل في خلفية كل تحركات إدارته، بدءاً من جائحة فيروس كورونا إلى مفاوضات البنية التحتية وصولاً إلى التساؤلات بشأن الديمقراطية الأمريكية. ويرى بايدن أنَّ التعافي الاقتصادي القوي هو السبيل الأفضل للولايات المتحدة كي تحتفظ بقوتها بالخارج.

من جهته، قال مسؤول أمريكي لشبكة CNN الأمريكية: “هناك عدد من الأبعاد في مقاربتنا تجاه الصين، والتي قد لا تحتوي على كلمة الصين في عنوانها”. ويُعَد النجاح المحلي في نظر بايدن وفريقه مكوناً بالغ الأهمية في عملية إظهار القوة من جانب إدارة ترغب في إعادة تأكيد نفسها على الساحة العالمية وجلب الحلفاء الغربيين الرئيسيين معها.

بايدن يحاول بناء حلف غربي أمام بكين قبيل لقائه المتوقع مع الرئيس الصيني

وحتى في أوروبا، كانت الصين -وليست روسيا- هي نقطة النقاش المهيمنة الأسبوع الماضي في قمتي مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي “الناتو” قبيل لقاء بايدن مع بوتين في جنيف. وكانت الصين على جدول الأعمال حتى مع بوتين، إذ قال بايدن قبيل القمة إنَّ روسيا “تتعرض لضغوط من الصين”.

وحثَّ بايدن القادة الأوروبيين في كل محطة، في المملكة المتحدة وبروكسل، على اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه انتهاكات بكين لحقوق الإنسان، وممارساتها الاقتصادية، وعدوانها العسكري. وقد واجه بعض المقاومة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، وكانت البيانات الختامية التي تستهدف انتهاكات حقوق الإنسان الصينية أقل مما كانت تأمله الولايات المتحدة، بحسب سي إن إن.

لكنَّه نجح في وضع الصين على جدول الأعمال بطرق لم يسبق لها مثيل. إذ أثار قادة مجموعة السبع مخاوف بشأن العمالة القسرية في إقليم شينجيانغ غربي البلاد والحكم الذاتي في هونغ كونغ. واتفقوا كذلك على برنامج بنية تحتية يستهدف التصدي لمبادرة الحزام والطريق الصينية. ودعوا لتحقيق جديد في أصول كوفيد 19. كما أشار بيان ختامي للناتو إلى الصين لأول مرة، وقال الأمين العام للتحالف الدفاعي إنَّ “توازن القوة” يتحول شرقاً.

يعترف المسؤولون الأمريكيون أنَّ ذلك سيكون جهداً طويل الأجل. لكنَّ مسؤولي الإدارة يعتبرون العوائد الأولية من رحلة بايدن الخارجية الأولى إشارة إيجابية أولية.

كان الرد قاسياً من الصين، التي زعمت أنَّ بيان مجموعة السبع يمثل “افتراءً متعمداً على الصين، ويتدخل بشكل تعسفي في الشؤون الصينية الداخلية”.

ورغم التهديد والوعيد، يذهب بايدن إلى عقد لقاء مع شي بميزة واحدة: أنَّه أمضى ساعاتٍ صحبة شي أكثر من أي زعيم عالمي حالي آخر. وهو مولع بتذكر آلاف الأميال التي قطعها الرجلان معاً حين كان كلاهما نائب رئيس في بلدهما. وكثيراً ما يستشهد بأمر قاله لشي خلال مأدبة عشاء في هضبة التبت، وهي أنَّ أمريكا يمكن تلخيصها في كلمة واحدة: “إمكانات”.

مع ذلك، يظل الرجلان بعيدين كل البعد عن كونهما مقربين. فخلال الحملة الانتخابية العام الماضي، شدَّد بايدن على أنَّ شي ليس لديه “ذرة ديمقراطية”. وسعى في أوروبا الأسبوع الماضي لتبديد فكرة أنَّه مقرب بشكل شخصي من الرئيس الصيني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى