الكونغرس يفشل في سن قانون لمنع اختراق الانتخابات الأمريكية.. لماذا يبدو ترامب سعيداً بذلك؟

فشلت محاولة الديمقراطيين إعادة صياغة قانون حقوق التصويت الأمريكي، فيما كان يوصف بأنه أكبر إصلاح منتظر للنظام الانتخابي الأمريكي عبر جيل كامل، والذي يهدف إلى سن قانون من شأنه إحداث تغيير كبير محتمل في نتائج التصويت قد يعرقل وصول دونالد ترامب للرئاسة مجدداً.

وكان مشروع قانون حقوق التصويت الأمريكي يسعى إلى حماية الانتخابات الرئاسيسة من الاختراق الخارجي وتخفيف القيود على التصويت، وعادةً هذه القيود تكون موجهة للأقليات في ولايات يسيطر عليها جمهوريون أو ولايات متأرجحة، ويعني تخفيف هذه القيود زيادة فرص الأقليات للتصويت وهي تميل إلى إعطاء أصواتها للديمقراطيين، ولذا يتعامل الجمهوريون مع هذه الإصلاحات بأنها تهدف إلى إضعافهم.

وجاءت الانتكاسة الكبيرة لجهود الديمقراطيين لسنِّ القانون في مجلس الشيوخ مؤخراً، بسبب استخدام الأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ آلية إجراء التعطيل السياسي أو المماطلة التصويتية، وهي آلية بموجبها لا يستطيع المجلس الانتقال من مرحلة المناقشة إلى التصويت إلا بموافقة 60 عضواً من أعضائه المئة، وبما أن الديمقراطيين يملكون 51 صوتاً فإنهم يحتاجون 9 أصوات جمهورية للمضي قدماً في إجراءات سن القانون.

ولكن اللافت أيضاً أن نواباً ديمقراطيين رفضوا تأييد مساعي حزبهم لإلغاء آلية التعطيل السياسي التي تعرقل إصدار القانون، وهو ما يعني أنه لا يوجد طريق أمام الديمقراطيين لتمرير القانون الذي يرونه ضرورياً لإصلاح الانتخابات الرئاسية في أمريكا.

تفاصيل مشروع القانون

ومشروع القانون المعروف باسم قانون من أجل الشعب (The For the People Act)، يهدف إلى توسيع حقوق التصويت، وتغيير قوانين تمويل الحملات لتقليل تأثير المال في السياسة، والحد من التلاعب الحزبي، وإنشاء قواعد أخلاقية جديدة لأصحاب المناصب الفيدرالية.

تم تقديم القانون بالأصل، من قِبل جون ساربينز في عام 2019، نيابة عن الأغلبية الديمقراطية المنتخبة حديثًا في ذلك الوقت بمجلس النواب، وأقر مجلس النواب مشروع القانون في 8 مارس/آذار 2021، ولكن لم يتم تمريره في مجلس الشيوخ، بسبب الحاجة لـ60 صوتاً لبدء النقاش حول إجراء تشريع القانون.

يريد الديمقراطيون الحماية من الترهيب في صناديق الاقتراع في أعقاب انتخابات 2020. ويقترحون تشديد العقوبات على أولئك الذين قد يهددون أو يرهبون العاملين في الانتخابات، وإنشاء “منطقة عازلة” بين العاملين في الانتخابات ومراقبي الاقتراع، من بين تغييرات أخرى محتملة.

كما يريدون الحد من قدرة مسؤولي الولايات على عزل مسؤولي الانتخابات المحليين، خاصة بعد أن أقر الجمهوريون في ولاية جورجيا قانوناً في وقت سابق من هذا العام، يمنح الهيئة التشريعية التي يهيمن عليها الحزب الجمهوري نفوذاً أكبر على مجلس إدارة الولاية الذي ينظم الانتخابات، ويمكّنها من عزل مسؤولي الانتخابات المحليين الذين يعتبرون أداءهم ضعيفاً.

وتتطرق هذه الإجراءات الشاملة  في القانون المقترح، إلى كل شيء بدءاً من القواعد الأساسية للتصويت إلى متطلبات الإفصاح الجديدة للرؤساء والتغييرات في قانون تمويل الحملات الانتخابية.

لماذا يكتسب قانون حقوق التصويت الأمريكي أهمية كبيرة للديمقراطيين؟

بعد فشل سنِّ قانون حقوق التصويت الأمريكي، تعهد بايدن بما يسميه البيت الأبيض “معركة رئاسته” لضمان وصول الأمريكيين إلى عملية التصويت، كما تعهد زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، بأن التصويت كان “طلقة البداية” في مساعي الديمقراطيين لتمرير هذا القانون، وليست المرة الأخيرة التي ستُطرح فيها حقوق التصويت للنقاش.

ولكن من دون إجراء تغييرات على قواعد مجلس الشيوخ (خاصة إجراء التعطيل)، فإن البنود الرئيسية في جدول أعماله، وضمنها مشروع قانون حقوق التصويت الأمريكي، تبدو متوقفة.

قانون حقوق التصويت الأمريكي
الرئيس الأمريكي حو بايدن مع نائبته كامالا هاريس، التي تترأس مجلس الشيوخ بحكم منصبها/رويترز

وكان الديمقراطيون يسعون لتمرير هذا القانون، في وقت يتم إجراء تغييرات في العديد من الولايات الجمهورية، شجبها المدافعون عن حقوق التصويت الذين يجادلون بأن القيود ستجعل من الصعب على الناس الإدلاء بأصواتهم، خاصةً سكان الأقليات الذين يميلون إلى دعم الديمقراطيين.

في المقابل، تحدَّث الجمهوريون، بتشجيع من ترامب، خلال رفضهم للقانون عن محاربة الاحتيال المحتمل في التصويت، وقالوا إن مخاوف الديمقراطيين مبالَغ فيها إلى حد بعيد.

الجمهوريون يهاجمون القانون

وصف الجمهوريون في الكونغرس، ومن ضمنهم زعيم الأقلية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، هذه الحملة لإقرار قانون حقوق التصويت الأمريكي بأنها استيلاء حزبي على الانتخابات.

ورفض السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس، تيد كروز، المعروف بدعمه لترامب، هذا القانون ووصفه بأنه “تشريع حزبي كتبه ديمقراطيون، يهدف إلى إبقاء الديمقراطيين في مناصبهم”.

بل وصفه السيناتور الجمهوري شيلي مور كابيتو بأنه “محاولة خسيسة ومخادعة لتجريد الولايات من حقها الدستوري في إدارة الانتخابات”.

انقسامات في أوساط الديمقراطيين

لكن الديمقراطيين لديهم انقسامات خاصة بهم. فحتى يوم التصويت على المشروع الثلاثاء 22 يونيو/حزيران 20211، لم يكن من الواضح أنهم سيكونون مُتَّحدين في التصويت.

فلقد أعلن جو مانشين، السيناتور الديمقراطي المعتدل من ولاية فرجينيا الغربية، قبل التصويت، أنه لا يستطيع دعم مشروع القانون، لأنه يفتقر إلى دعم الجمهوريين، حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشييتد برس (AP) الأمريكية.

قلب مانشين تصويته إلى “نعم” بعد أن وافق الديمقراطيون على النظر في نسخته المنقَّحة. وقد وافق الرئيس الأسبق باراك أوباما على اقتراحه، ووصفته إدارة بايدن بـ”خطوة إلى الأمام”.

ويضع القانون خطاً أساسياً فيدرالياً لقواعد الانتخابات ويحبط بعض قيود التصويت التي تم تمريرها بولايات تمثل ساحات تنافس أساسية في الانتخابات الرئاسية كما حدث في الانتخابات الأخيرة.

من بين أمور أخرى: تم اقتراح فرض 15 يوماً من التصويت المبكر، وتسهيل متطلبات هوية الناخب الصارمة للولايات المتأرجحة، من خلال السماح للناخبين الذين يدلون بأصواتهم في الانتخابات الفيدرالية بتقديم إفادة مشفوعة بيمين بدلاً من أوراق تحديد الهوية.

كما يقترح مشروع القانون تسجيل الناخبين تلقائياً وفي اليوم نفسه، واستخدام الطوابع البريدية المدفوعة مسبقاً على بطاقات الاقتراع الغيابي.

وخلال محاولة لإرضاء الجمهوريين، اقترح مانشين إضافة أحكام خاصة بمتطلبات إثبات هوية الناخب الوطنية، والتي تعد لعنة بالنسبة للعديد من الديمقراطيين، وإسقاط التمويل العام المقترح للحملات الانتخابية.

وبينما أبقى على متطلبات إثبات الهوي في المشروع المخفف، لكنها ستكون أقل صرامة من تلك التي يتوجه إليها الجمهوريون في ولايات معينة، إذ تسمح التعديلات المقترحة للناخبين بتقديم بطاقة هوية بدون صورة مثل فاتورة الكهرباء.

ومع ذلك، لم تفعل هذه التغييرات الكثير لكسب الدعم من الحزبين والذي كان مانشين يأمله، إذ قال الجمهوريون بمجلس الشيوخ إنهم سيرفضون على الأرجح أي تشريع يوسِّع دور الحكومة الفيدرالية في الانتخابات. ورفض رئيس الأقلية الجمهورية، ماكونيل، نسخة مانشين ووصفها بأنها “غير مقبولة بالمثل مثل النسخة الديمقراطية الأولى”.

في غياب القانون.. سيتم ترسيم الدوائر الانتخابية لصالح الجمهوريين

يقول المؤيدون إن مشروع قانون حقوق التصويت الأمريكي يحوى عدداً كبيراً من الإصلاحات، التي من شأنها، كما وصفها مركز برينان للعدالة، “تسهيل التصويت في الانتخابات الفيدرالية، وإنهاء التلاعب بالكونغرس، وإصلاح قوانين تمويل الحملات الفيدرالية، وزيادة الضمانات ضد التدخل الأجنبي، وتعزيز قواعد الأخلاق الحكومية”.

الآن، مع اقتراب عملية إعادة تقسيم الدوائر، التي تتم مرةً كل عقد (حيث تعيد الولايات الأمريكية ترسيم دوائر الكونغرس باستخدام أحدث بيانات التعداد السكاني)، تصبح القواعد التي كان سيوفرها مشروع قانون حقوق التصويت أكثر أهمية لضمان حماية حقوق التصويت، لجميع الناس، لأنه في كثير من الحالات، تعيد اللجان الحزبية في الولايات ترسيم الدوائر لصالح الحزب الذي يتولى السلطة في الولاية.

انتقادات للديمقراطيين الرافضين لتغيير إجراء التعطيل، وترامب المستفيد

يفتح الجدل حول القانون إشكالية أخرى، وهي المطالبة بتغيير آلية المماطلة التصويتية في مجلس الشيوخ (إجراء التعطيل) التي تتيح للجمهوريين منع سن القانون بمجلس الشيوخ رغم أنهم أقلية.

وفي هذا الإطار، وُجهت انتقادات للديمقراطيين الذين يرفضون إلغاء أو تعديل آلية المماطلة التصويتية، لأنهم يرون أن هذه الآلية جزء من تقاليد مجلس الشيوخ؛ لضمان عدم انفراد الأغلبية بالتشريع.

ويقول موقع CNN الأمريكي: “اليوم، من خلال الإصرار على الحفاظ على إجراء التعطيل، فإن بعض الديمقراطيين الأقل وضوحاً في مواقفهم يعلنون، في الواقع، أن واشنطن لا ينبغي أن تعمل لحماية حقوق التصويت ضد القوانين التقييدية التي بدأ يتم تشريعها في الولايات الحمراء (الجمهورية)”.

وبهذا الموقف، فإنهم يخالفون بشكل أساسي، قرار الحزب الجمهوري في عهد الرئيس الراحل أبراهام لينكولن (الذي أنهى العبودية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر)، والذي قضى بإعطاء الأولوية لحماية حقوق الأقليات في البلاد.

من وجهة نظر عملية، هذا يعني أن المجالس التشريعية للولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون ستستمر في تدمير حقوق التصويت دون أي قيود من الكونغرس، بينما ينتظر المدافعون الديمقراطيون عن تقاليد مجلس الشيوخ، بصبر، إلى أن تحدث معجزة تعيد الشراكة بين الحزبين.

وفي مايو/أيار 2021، أصدر كل من السيناتور الديمقراطي جو مانشين، والسيناتور الجمهوري عن ألاسكا، ليزا موركوفسكي، خطاباً يحثان فيه الكونغرس على إيجاد مسار من الحزبين للمضي قدماً لإعادة تعديل قانون حقوق التصويت الذي دام عقوداً.

ولكن محاولات جذب دعم الجمهوريين لم تنجح، والآن سيكون الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، الأسعدَ بفشل الديمقراطيين في تمرير هذا القانون، مع استمرار رفضه نتائج انتخابات 2020 والمضي قدماً في فرض قيود جديدة على التصويت بالولايات التي يحكمها الجمهوريون.

ولكن تجدر الإشارة إلى أنه في انتخابات الرئاسة الأخيرة في 2020، رفض مسؤولو الولايات (بما فيهم مسؤولون جمهوريون) مزاعم ترامب بشأن تزوير الناخبين وصدَّقوا على نتائج الانتخابات، كما رفض القضاة في جميع أنحاء البلاد عدة دعاوى قضائية رفعها ترامب وحلفاؤه، وقال المدعي العام لإدارة ترامب، إنه لا يوجد دليل على احتيال واسع النطاق من شأنه أن يغيّر نتيجة الانتخابات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى