هل رتَّب قيس سعيد للانقلاب على الديمقراطية بالتعاون مع أطراف خارجية؟ إليك الدول التي قد تكون متورطة

جاء الانقلاب الذي نفذه الرئيس التونسي قيس سعيد على المؤسسات الدستورية في البلاد ليثير تساؤلات حول الدور الخارجي في الأزمة التونسية، وما هي الدول التي قد لعبت دوراً في هذا الانقلاب وسر التزامن بين أزمة تونس وتطبيق القانون الذي يفرض قيوداً على المسلمين في فرنسا.

ومنذ انطلاق الربيع العربي، لا تخفي عدة دول خليجية خاصة الإمارات دورها في الثورة المضادة، كما كشفت مذكرات الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن دور بارز لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد في هذا الشأن وكذلك السعودية.

وبعد الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في عام 2013، أصبحت القاهرة عضواً بارزاً في محور الثورة المضادة التي تستهدف الديمقراطية والإسلاميين المعتدلين في أي مكان.

واللافت في هذا الصدد، أنه قبل إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد الأخيرة بأشهر، جرى الحديث عن انقلاب يجرى الإعداد له بشكل هادئ وشبه دستوري من قبل سعيد.

وجاءت هذه التساؤلات في ضوء سلسلة من التحركات المتزايدة في عدوانيتها التي عمد إليها قيس سعيد، خلال الأشهر الأخيرة، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

وتعزز قلق البعض من سيناريو حدوث انقلاب في تونس، بعد زيارة سعيد للقاهرة ولقائه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أبريل/نيسان 2021، الأمر الذي قوبل بانتقادات حادة في الأوساط التونسية.

الدور الخارجي في الأزمة التونسية

ولكن بصفة عامة هناك دولتان يعتقد أنهما لها تأثير كبير على تطورات الأوضاع في تونس وقد يكون لهما النصيب الأكبر من الدور الخارجي في الأزمة التونسية وهما الإمارات، وفرنسا.

وفي حديث لقناة “TRT عربي” التركية، اتهم رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي الإعلام الإماراتي بالتحريض على حركة النهضة، والمساهمة في الوقوف وراء ما حصل في تونس في الساعات الأخيرة.

ولكن دور أبوظبي يتعدى على الأرجح التحريض الإعلامي، وتعتبر عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر مفتاحاً مهماً لفهم دور الإمارات في تونس.

إذ تشير عرقلة كتلة الحزب الدستوري عمل مجلس نواب الشعب إلى “تورّط” رئيسة الحزب عبير موسي في أجندة للتشويش على الانتقال الديمقراطي وخدمة جهات أجنبية تستهدف المسار الديمقراطي في تونس وتحديداً الإمارات العربية المتحدة.

وعُرف عن موسي عداؤها للثورة التونسية، وقد عمدت في مرات عديدة إلى تعطيل جلسات البرلمان واتهمها محامون بأنها تقدم خدمة لأجندات خارجية بهدف ترذيل وتعطيل سير هذا المرفق السيادي.

وفي هذا الإطار، سبق أن تحدث الأكاديمي والناشط السياسي طارق الكحلاوي عن وجود “تقارير إعلامية إماراتية مكثفة ومنتظمة تصل إلى حد الترويج إلى سيناريو اغتيال عبير موسى تحيل إلى دعم رسمي إماراتي لها”.

وقال، على حسابه على فيسبوك، إنه لاحظ في البرلمان الأوروبي وجود حملة ضغط ومناصرة (لوبينغ) لمصلحة عبير موسى وحزبها خاصة منذ بداية 2019 من قبل ناشطة بلجيكية تونسية تدعى منال المسلمي “تحمل صفة وهمية هي مستشارة البرلمان الأوروبي” وفق تأكيده.

وأضاف أن هذه الناشطة تتمتع بـ”دعم شبكة علاقات يتيح لها الولوج للمؤتمرات واجتماعات البرلمان الأوروبي” مبيناً أن من بين مداخلاتها الترويج لدور موسى في “كشف تمويل قطري وتركي لحزب النهضة”.

وقال الكحلاوي إن المسلمي هي عضو في الحزب الدستوري الحر وهي من قامت بزيارة للكنيست الإسرائيلي منذ أسابيع تحت عنوان “نشر السلام” في الفترة نفسها التي قصفت فيها إسرائيل أهالي قطاع غزة.

وأكد وجود دعم لعبير موسى من الإعلام الإماراتي ولوبي في بروكسل يقوده مطبعون مع إسرائيل، معتبراً ذلك مؤشرات “على ماهية الدعم الخارجي لرأس حربة العداء الصريح للديمقراطية والنوستالجيا لعهد الاستبداد”، حسب وصفه. ودعا إلى تشريع قانون خاص لكشف تمويل الأحزاب بشكل جدي وخاص يضمن منع أي تمويل خارجي من أي مصدر، وفق قوله.

وخلال جلسة حوار نظّمها مجلس نوّاب الشّعب التونسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، مع محافظ البنك المركزي مروان العبّاسي حول موقفه الأخير من تمويل الميزانيّة التعديليّة 2020، كشفت زلة لسان من عبير موسى، رئيسة الحزب الدستوري الحر الممول من دولة الإمارات العربية، عن تلقي حزبها تمويلات خارجية في حساباته البنكية.

وقالت موسى في مداخلتها: “قلنا للبنك المركزي إنّنا لسنا مسؤولين عن إيداع أموال خارجيّة في حساب الحزب الدّستوري الحر”.

وواصلت عبير موسي في مداخلتها، أنّ الحزب ليس مسؤولاً على التثبّت في مصدر الأموال المودعة في حسابه البنكي.

فيما اعتبرت موسى تقديم حكومة المشيشي لمشروع ميزانية تكميلي دون استشارة البنك المركزي “فضيحة”.

واللافت أنه رغم العداء التقليدي الإماراتي للدولة التونسية، تعهد ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، محمد بن زايد آل نهيان، بتخصيص بلاده 500 ألف جرعة من اللقاحات ضد فيروس كورونا لتونس.

وجاء الإعلان عن هذا التعهد في 11 يوليو/تموز 2021، على لسان بيان للرئاسة التونسية.

ويذكِّر هذا التعهد الإماراتي بالمنح وشحنات الوقود التي انهالت على مصر بعد الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي عام 2013، لتنهي هذه الشحنات أزمة الوقود المفتعلة التي كانت تعاني منها البلاد في نهاية حكمه.

تجدر الإشارة إلى أن تغريدة غامضة للفريق ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، أثارت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل، قبل أيام.

وكتب خلفان على حسابه الرسمي في تويتر: “أخبار سارة، ضربة جديدة قوية جاية للإخونجية”.

وكانت هذه التغريدة قبل أربعة أيام، مما جعل الكثيرين يربطون بينها وبين ما حدث في تونس من قرارات اعتبرها حزب النهضة الإسلامي المحسوب على الإخوان “انقلاباً على الشرعية”.

وعاد ضاحي ليكتب صباح اليوم: “قبل وقوع الأحداث الكبيرة في معظم الأحيان أستشعر بوقوعها، لا أدري ما السر”، وهو ما جعل عدداً كبيراً من المغردين يرجحون أنه كان يعلم بالفعل بما سيقع في تونس قبل وقوعه، وأن هناك سيناريو كان معداً للتنفيذ، على حد رأيهم.

دور فرنسا وعلاقتها بأبوظبي

ولكن الدور الإماراتي في الأزمة التونسية، لا يمكن أن يكون بعيداً عن الدور الفرنسي.

ففرنسا هي الدولة صاحبة النفوذ الأكبر في تونس، ولا يمكن لقيس سعيد القيام بهذا التحرك دون ضمان ألا يكون هناك رد فعل أوروبي قوي يضر باقتصاد البلاد المتدهور أصلاً، وعادة السياسة الأوروبية تجاه المغرب العربي تصاغ بشكل أساسي من قبل فرنسا، وبصورة أقل من قبل إسبانيا خاصة في حالة المغرب.

والتزامن بين الانقلاب في تونس وبين القانون الفرنسي الذي يفرض قيوداً على حريات المسلمين قد لا يكون مجرد صدفة، وحتى لو كان صدفة زمنية فإنه ليس صدفة سياسية.

ففرنسا هي الحليف لما يمكن تسميته بالثورة المضادة في العالم العربي، وكانت هي البلد الذي اختاره الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي لإعادة علاقات القاهرة مع الغرب بعد أن فرضت واشنطن عقوبات على القاهرة عقب 30 يونيو/حزيران 2013، عبر صفقة الرافال الشهيرة.

ولكن بعد تولي الرئيس الفرنسي ماكرون السلطة ازداد التحالف بين باريس وتحالف الثورة المضادة في العالم العربي، وظهر ذلك في الدعم الفرنسي المتزايد للجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، رغم أنه حليف روسيا خصم أوروبا.

الدور الخارجي في الأزمة التونسية
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون/رويترز

كما ظهر ذلك في عداء ماكرون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كما تمثل في فرض حظر أسلحة على عملية عسكرية تركية محدود ضد أكراد سوريا المرتبطين بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً، بينما رفضت باريس بإصرار فرض أي حظر للأسلحة على السعودية والإمارات لتورطهما في حرب اليمن، بل انتقدت ألمانيا لمحاولتها منع المكونات الألمانية في السلاح الفرنسي المباع للسعودية والإمارات.

وفي الداخل الفرنسي، تحول ماكرون من المرشح الليبرالي الذي يطالب بالتخفيف من غلواء العلمانية والتسامح مع المهاجرين إلى الرئيس الأكثر تعصباً في استهداف حقوق المسلمين والمزايدة على اليمين المتطرف.

وبات واضحاً أن ماكرون يستهدف كل مظاهر التدين والإسلام الحركي المعتدل في فرنسا رغم أن أغلب هذه الحركات بما فيها  المقربة من الإخوان المسلمين قد ساهمت في فوزه في انتخابات الرئاسة عندما كان مرشحاً ليبرالياً يبشر بالعولمة والانفتاح.

تغير موقف فرنسا من الإسلام السياسي المعتدل من محاولة استيعابه والتعاون معه ضد التطرف الإسلامي، إلى تنصيبه عدواً هو تقاطع لعدة عوامل منها استفادة فرنسا وأوروبا عامة من هذا الإسلام السياسي المعتدل في احتواء التطرف الجهادي والذي بعد هزيمته لم تعد بحاجة إليه، ومنها الطابع العلماني المتطرف المتأصل في الثقافة الفرنسية، وأيضاً صعود التطرف القومي المعادي للإسلام في الأوساط الفرنسية ومنها فشل ماكرون في قضايا الاقتصاد وخاصة تعزيز قدرات فرنسا التنافسية والكورونا.

ولكن لا يمكن استبعاد أن أحد دوافع فرنسا لهذا التوجه التحريض الإماراتي، فمنذ تراجع الدور الأمريكي في المنطقة وصعود دور الإمارات والسعودية، بدا واضحاً أن باريس قررت أن تملأ الفراغ عبر التعاون مع السعودية والإمارات، مع محاولة باريس توجيه الدفة الأوروبية لصالح توجهاتها، وهو ما أدى في الحالة الليبية لتعزيز النفوذ الروسي في ليبيا رغم مخاطره الواضحة على أوروبا وتعكير العلاقة مع تركيا التي كان هدفها الأساسي الانضمام للاتحاد الأوروبي، وإيجاد حل لأزمة شرق المتوسط.

تاريخ فرنسا يقدم الإجابة

فتاريخ فرنسا القريب والبعيد يشير بصرف النظر عن دعايتها المتكررة عن الحرية والعدالة والديمقراطية، إلى أنها واقعياً كانت صديقاً للمستبدين في العالم الثالث، خاصة إفريقيا والشرق الأوسط.

ويتذكر التاريخ نماذج فجَّة للاستبداد والوحشية من أصدقاء فرنسا، منهم زعيم إفريقيا الوسطى جان بيدل بوكاسا، الذي نصَّب نفسه إمبراطوراً باسم الإمبراطور بوكاسا الأول، في عام 1977، كواحد من أكثر “الوحوش المتعطشة للدماء” في القارة، حتى إنه اتُّهم بأنه آكل للحوم البشر، ونقل عنه منتقدوه أنه يأكل أجزاء من أجساد معارضيه، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

وبعد خلعه، سمح لبوكاسا والعديد من أبنائه بالاستمتاع بمنفى مريح في قصر بإحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس.

كما أن علاقة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي مع الزعيم الليبي معمر القذافي عادت للأضواء، حيث يُحاكم ساركوزي بتهم فساد وتلقي تمويل من الزعيم الليبي الراحل الذي ساهمت فرنسا أيضاً بعد ذلك في الإطاحة به، إضافة إلى علاقة فرنسا الوثيقة مع الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي.

تبدو الحالة التونسية ذورة نقطة التقاطع بين فرنسا والإمارات، آخر معاقل الربيع العربي، حيث تقود العملية السياسية حركة إسلامية معتدلة، في بلد شبه مفلس، خاضع تاريخياً لنفوذ فرنسا، وأصبح ساحة مستجدة للنفوذ الإماراتي، الذي يستغل الاستقطاب بين الإسلاميين والعلمانيين ورغبة فلول النظام في العودة ولهفة المواطن للاستقرار.

موقف الاتحاد الأوروبي

وجاء موقف الاتحاد الأوروبي الباهت من الأزمة التونسية ليؤشر إلى احتمال وجود ضوء أخضر فرنسي لما حدث.

إذ دعا الاتحاد الأوروبي الأطراف التونسية المختلفة إلى الحفاظ على الهدوء وتجنب العنف والحفاظ على استقرار البلاد.

جاء هذا الموقف على لسان نبيلة مصرالي، المتحدثة باسم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أكدت فيه أن بروكسل تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في المشهد التونسي.

وقالت نبيلة مصرالي: “ندعو كافة الأطراف المعنية في تونس إلى احترام الدستور، والمؤسسات وسيادة القانون”.

يمكن مقارنة هذا الموقف بردود فعل الاتحاد الأوروبي الحادة تجاه أي تطورات في تركيا، حتى لو كانت قانونية ودستورية تماماً، لرصد الفارق بين الاستجابة الأوروبية تجاه أي انتهاكات حقوقية أو قانونية في المنطقة. فعندما يكون الضحايا فيها من الإسلاميين يكون رد الفعل خافتاً أو لذر الرماد في العيون، مثلما حدث أيضاً مع الانقلاب في تركيا عام 2016، حيث كان رد فعل ضعيفاً، ولكن يحدث العكس إذا جاء التصرف من طرف إسلامي، حتى لو كان عملاً قانونياً فإن رد الفعل الأوروبي يصبح حاداً.

هذه الازدواجية في المعايير قديمة لدى الأوروبيين، ولكنها ازدادت حدة مؤخراً؛ وهو أمر مرتبط بصعود التوجهات اليمينية والليبرالية المتطرفة في أروقة الحكم الغربية، ولكن فرنسا تحديداً وبصورة أقل النمسا تسعيان إلى جعل الإسلام السياسي المعتدل هو عدو أوروبا في تشابه لافت مع أجندة محور الثورة المضادة في العالم العربي.

ومع ظهور مؤشرات على انضمام الجيش التونسي لانقلاب الرئيس قيس سعيد تتعزز احتمالات أن يكون انقلاب سعيد تم بموافقة فرنسية-إماراتية، وقد تكون كذلك سعودية-مصرية، ومع انهمار المساعدات المتوقع لتونس، إذا نجح الانقلاب فإن ذلك قد يكون دليلاً أوضح على الدور الخارجي في الأزمة التونسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى