هل وصلت علاقة حماس والسعودية لطريق مسدود؟ أحكام الرياض بحق “معتقلي المقاومة” تعيد الأمور للوراء
كانت المحكمة الجزائية السعودية قد أصدرت، الأحد 8 أغسطس/آب، حكماً بالحبس 15 عاماً على الممثل السابق لحركة “حماس” لديها، محمد الخضري؛ بتهمة دعم المقاومة، ضمن أحكام طالت 69 أردنياً وفلسطينياً، تراوحت ما بين البراءة والحبس 22 عاماً.
توقيت إصدار تلك الأحكام، التي أدانتها حماس وفصائل مقاومة فلسطينية أخرى، أثار تساؤلات بشأن ما إذا كانت العلاقة بين حماس والسعودية قد وصلت إلى طريق مسدود، على الرغم من بعض المؤشرات على حدوث العكس منذ انتصار المقاومة على إسرائيل في حرب غزة الأخيرة، والتي بدا كما لو أنها قد أوقفت قطار التطبيع مع تل أبيب.
غموض نوايا السعودية تجاه حماس
كما كان ظهور خالد مشعل رئيس حركة حماس في الخارج على قناة العربية السعودية خلال يوليو/تموز الماضي مؤشراً إيجابياً فيما يتعلق بتحسّن العلاقة بين الطرفين، وهو ما جعل صدور تلك الأحكام يثير حالة من الغموض بشأن نوايا السعودية تجاه حماس.
ويرى محللون أن التوقعات الفلسطينية، خاصة لدى حركة حماس، كانت تتجه نحو الإفراج عن هؤلاء المعتقلين. وهذا ما عبّر عنه إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، في بيان صدر الأربعاء الماضي (قبيل صدور الأحكام)، وقال إنه يتطلع إلى “قرار قضائي وإرادة ملكية” لإغلاق ملف المعتقلين الفلسطينيين في السعودية.
لكنّ محللاً سياسياً رأى أن مشاركة وفد من حماس برئاسة هنية في حفل تنصيب الرئيس الإيراني أعادت عقارب الساعة إلى الوراء. ومع ذلك فإن صدور الأحكام القضائية، لا يغلق الباب في العلاقة بين الطرفين، خاصة في ظل سياسة السعودية الجديدة في المنطقة، التي يرى محللون أنها تتجه نحو “الانفتاح”.
ووفق تقارير فلسطينية، وصلت العلاقات بين السعودية و”حماس” لأسوأ مراحلها، بعد إعلان الأخيرة في سبتمبر/أيلول 2019، أن السلطات السعودية أوقفت القيادي الخضري ونجله “هاني”، ضمن حملة طالت عشرات الفلسطينيين، يحمل بعضهم الجنسية الأردنية، دون مزيد من الإيضاحات.
ولم تصدر الرياض أي تعليق منذ بدء الحديث عن القضية قبل أكثر من عامين، وحتى اليوم، لكنها عادة ما تقول إن الموقوفين لديها تتعامل معهم المحاكم المختصة، وأنهم “يتمتعون بكل حقوقهم التي كفلها لهم النظام”.
كيف ترى حماس الأحكام السعودية؟
عبَّرت حماس، في بيان لها، عن صدمتها من الأحكام القضائية السعودية، واصفة إياها بـ”القاسية وغير المبررة”. كما وصف حسام بدران، القيادي في حماس، الأحكام القضائية بـ”الصفحة المُحزنة والمؤسفة في العلاقات السعودية الفلسطينية”.
وقال بدران في حديث خاص لوكالة الأناضول: “المشكلة ليست في هذه الأحكام، إنما بأصل الاعتقال، غير المبرر وغير المقبول”، مضيفاً أن اعتقال الفلسطينيين في السعودية لا يخدم “إلا أعداء الشعب والأمة”.
وذكر أن الأحكام القضائية التي صدرت بحق المعتقلين الفلسطينيين في السعودية لها “أبعاد سياسية من حيث المبدأ”، واستكمل قائلاً: “أهالي المعتقلين كان لديهم آمال في أن يتم إغلاق هذا الملف بصورة ما”.
وبيّن أن حركته لم تُغير من علاقتها أو موقفها تجاه السعودية، خلال الفترة السابقة، لافتاً إلى أن هذا التغيير جاء من “الطرف الآخر”. وعن ذلك، قال بدران “علاقتنا بالسعودية قديمة، وكانت مبنية على أسس واضحة، وقواعد معترف عليها، وحماس لم تغيّر شيء من طرفها، لا من حيث السلوك الميداني أو الأداء الإعلامي أو المواقف السياسية”.
وأعرب عن حرص حركته على “وجود علاقات طبيعية وإيجابية مع مختلف الدول العربية، من ضمنها السعودية”، انطلاقاً من استراتيجية الحركة القائمة على “حشد الدعم للقضية الفلسطينية دون التدخل بشؤون الدول الداخلية”.
خطوة في الاتجاه المعاكس
ويقول طلال عوكل، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، إن الأحكام القضائية الأخيرة، بحق المعتقلين في السعودية، جاءت لتضرب “كافة المؤشرات الخفيفة، التي طفت على السطح، بتحسن العلاقة بين الرياض وحماس”.
وتابع، في حديث لوكالة الأناضول: “كنا نتوقع أن تكون الأحكام مخففة نظراً للمراهنة على أن العلاقة بين السعودية وحماس اتجهت نحو نوع من التحسّن، سيما بعد لقاء مشعل مؤخراً على قناتهم، لذا كانت الأحكام مفاجئة”.
وعلى الرغم من أن المؤشرات بتحسن العلاقة، لم تكن قوية، بحسب عوكل، فإنها “ارتبطت بقراءة الوضع السياسي العام في المنطقة، خاصة لدى السعودية، وعلاقتها بالقضية الفلسطينية”.
وتبقى التوقعات بتحسن العلاقة، والعودة عن القرارات القضائية في السعودية، قائمة، وذلك نظراً الأوضاع السياسية المتحركة في المنطقة، وفق عوكل. لكن في الوقت الحالي، لا يوجد مؤشرات تشي بـ”حدوث تغيير يدفع إلى هذا التحسّن”.
ويربط خليل شاهين، مدير “البحوث والسياسات” في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية “مسارات” ومقره مدينة رام الله، بين علاقات حماس الإقليمية وخاصة مع إيران وصدور الأحكام السعودية، رغم التوقعات بتحسن العلاقة.
هل لإيران علاقة بما يحدث؟
يضيف شاهين في حديثه للأناضول أن “حركة حماس ربما كانت تأمل في التوصل إلى حل مرضٍ لقضية المعتقلين في السجون السعودية، يشكل أساساً لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع السعودية”. وتابع أن حماس بنت اعتقادها هذا على عدة عوامل مما جعلها “تسيء التقدير فيما يتعلق بقدرتها على فتح صفحة جديدة”.
ومن تلك العوامل، بحسب شاهين، استضافة قناة العربية، في يوليو/تموز، لمشعل، وما جرى من “حديث عن زيارة للسعودية من قِبل مسؤولين في حماس”.
ويرى شاهين أن “رهان حماس على ما بعد معركة “سيف القدس” (عدوان إسرائيل في مايو/أيار على قطاع غزة) والإنجازات التي تحققت، بما فيها ظهور حماس كقوة لا يمكن تجاوزها في الوضع الفلسطيني الداخلي وعلى المستوى الإقليمي، كان مبالغا فيه”.
وقال إن عدة قوى تلعب دور “الشد العكسي ضد حماس، بما في ذلك إسرائيل التي تحاول إعادة الوضع لما كان عليه قبل 11 مايو (بدء العدوان) فيما يتعلق بالقضايا الخاصة بقطاع غزة”.
وأضاف: “حالة الاستقطاب حادة إقليميًا، ولا تستطيع معها حماس الحفاظ على مسافة واحدة من مختلف الأنظمة العربية والإقليمية”، واستكمل قائلاً: “لا يمكن أن تحافظ حماس على علاقة مع إيران، ومع السعودية في نفس الوقت”، معتبراً أن التوجه نحو إيران، وفي ذات الوقت توقع إمكانية إغلاق السعودية لملف المعتقلين “كان تقديراً خاطئاً”.
والأربعاء شارك وفد من حركة “حماس” يرأسه رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في تنصيب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. ويرى شاهين في زيارة وفد الحركة لطهران “رسالة للسعودية أن حماس عملياً اختارت التموضع في تحالفات على المستوى الإقليمي لا ترى السعودية أنها تخدم مصالحها في هذه الفترة”.
مع ذلك، يقول شاهين إن للأحكام السعودية “بُعداً سياسياً مهماً، وليس بعداً قانونياً وقضايا، وعليه فإنها قابلة للمعالجة في فترات لاحقة”. ووفق المحلل الفلسطيني، لا يمكن إغلاق الباب أمام إمكانية مراجعة السعودية للأحكام القضائية، خاصة مع وجود فرصة للاستئناف عليها.
كما لا يستبعد شاهين “أن تتغير الأحكام، لا سيما أنها أثارت ردود فعل غاضبة، وخاصة داخل السعودية، لجهة تجريم المقاومة الفلسطينية ووصم الداعمين للمقاومة بالإرهاب”.